كان ياما كان
تقف الحكومة عاجزة متفرجة على انتقال الفشل والتردي من مجال لآخر، مثل أحجار الدومينو، ما إن يسقط حجر حتى يتلوه البقية بالتأثير، إذ لم يقتصر التراجع والأزمة على الاقتصاد وسوء الأحوال المعيشية والغلاء الفاحش، بل امتد إلى الفنون بأنواعها والرياضة، وانتقل لمكانة مصر وتأثيرها في محيطها، وأصبحت دول عرفت القوة الناعمة والفنون بعدنا بعشرات السنين، تتحدث عن الريادة والتأثير في ظل ما تحققه من إنجازات.
يحضرني هذا مع بدء فعاليات مهرجان كان السينمائي، الذي شاركت فيه الأفلام المصرية منذ منتصف أربعينات القرن الماضي، ودامت المشاركة في المسابقة الرسمية والأقسام الموازية عشرات السنين، إلى أن اقتنصت السعفة الذهبية للفيلم القصير قبل ثلاث سنوات عن فيلم ستاشر للمخرج سامح علاء..
وغير ذلك لا شئ يستحق الذكر سوى مشاركة المخرج مراد مصطفى، هذا العام بالفيلم القصير عيسى في مسابقة أسبوع النقاد، لكن إشكالية مخرجنا المصري أنه يخصص أفلامه السابقة واللاحقة ومنها حنة ورد وعيسى وعائشة لا تستطيع الطيران لأفارقة يعيشون في مصر وكأن الشعب المصري يخلو من النماذج والحكايا المؤثرة التي تستحق عرضها سينمائيًا.
يشارك فيلم عيسى في المهرجان بجانب أفلام من أربع دول عربية تضم تونس، الجزائر، المغرب، وللمرة الأولى السودان.
لا يهمني هنا فئات المهرجان الصغيرة والموازية، بل المسابقة الرسمية، التي يتنافس فيها أبرز أفلام العالم، وقد غبنا عنها سنوات واكتفينا بالحديث عن إنجازات الماضي وأننا كنا وكنا، وتركنا لغيرنا الحاضر والمستقبل، حيث تمكنت المخرجة التونسية كوثر بن هنية، من فرض نفسها وفيلمها بنات ألفة، على المسابقة الرسمية هذا العام بين 21 فيلمًا تتنافس على السعفة الذهبية.
تجديد دماء الهرجان
غابت السينما التونسية عن المنافسة في المسابقة الرسمية بمهرجان كان 53 عامًا، منذ مشاركة فيلم حكاية بسيطة كهذه للمخرج الراحل عبداللطيف بن عمار، في دورة العام 1970، لذا اعتبرت وزارة الثقافة أن عودة تونس للمنافسة على السعفة الذهبية بالمهرجان الأهم عالميًا حدثا سينمائيا وطنيا هاما يدعم ريادة السينما التونسية، كما يبرز قيمتها عربيا وأفريقيا ودوليا.
بنات ألفة من تأليف وإخراج كوثر بن هنية، إنتاج حبيب عطية ونديم شيخ روحه، وبطولة هند صبري، وهو روائي وثائقي فيلم داخل فيلم سبق أن فاز بجائزة 10 آلاف دولار من أيام القاهرة لصناعة السينما بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
ويسلط الفيلم الضوء على الفترة بين 2010 و2020 بما تحمله من صراعات وتقلبات، إنطلاقًا من قصة حقيقية لامرأة أربعينية فقيرة ألفة، سقطت بناتها في مستنقع التطرف والإرهاب حتى انتهى بهن المطاف في السجن.
وتركز كوثر بن هنية، في الفيلم على تعامل ألفة مع بناتها المراهقات وميولهن نحو التطرف وهروبهن إلى ليبيا للانضمام إلى تنظيم داعش وانتهاء بدخولهن السجن.
وإلى جانب التونسية كوثر بن هنية، تتجه الأنظار إلى الحضور البارز لأفلام النساء التي تنافس على السعفة الذهبية هذا العام، إذ تسجّل المسابقة الرسمية رقمًا قياسيًا بمنافسة أفلام سبع مخرجات، في وقت يهيمن فيه الرجال على صناعة السينما.
وينتظر أن تجدد المخرجات السبع المشاركات دماء المهرجان، لأنهن أصغر سنًا من نظرائهن الرجال، ومنهن الفرنسية السنغالية الأصل راماتا تولاي سي، التي تنافس بفيلمها الروائي الأول بانيل إيه أداما، ويتوقع أن يثير فيلم "Jeanne du Barry" للمخرجة الفرنسية مايوين، ضجة لأن مايوين تواجه قضية من صحافي، يتهمها بالاعتداء عليه في مطعم.
وتؤدي مايوين، في الفيلم دور جانّ دو باري، محظية الملك لويس الخامس عشر، الذي يجسده نجم هوليوود جوني ديب، المستبعد من الأعمال الأميركية بسبب اتهامات العنف الزوجي.
وتمتد الضجة إلى فيلم "Le retour" لكاترين كورسيني، بعد أن حُجبت عنه المساهمة المالية الحكومية، لتضمنه مشهد جنسي صريح لممثلة مراهقة دون السادسة عشرة من عمرها.
وإلى جانب منافسة المخرجات السبع، تسعى رئيسة المهرجان الجديدة إيريس كنوبلوك، إلى إضفاء لمساتها الخاصة، وهي التي أمضت معظم مسيرتها المهنية في استديوهات وارنر بالولايات المتحدة، وعليه سيطغى الطابع الهوليوودي على الفعاليات وتستقطب مزيد من النجوم إلى المهرجان الذي يشهد هذا العام إجراءات أمنية مشددة، وانتشار نحو 1000 من عناصر الشرطة وشركات الأمن الخاصة، لمنع حدوث ما قد يعكّر صفو المهرجان، في ظل التوترات الاجتماعية والتظاهرات التي تشهدها فرنسا منذ فترة.