رئيس التحرير
عصام كامل

هل باع القضية.. حكايات صلاح عيسى المشاغب الذي جاء إلى الدنيا ليعترض

صلاح عيسى
صلاح عيسى

تعد السيرة الذاتية لجبرتي العصر صلاح عيسى رحلةٌ شديدة الثراء بتحولاتها ومنحنياتها الكثيرة، فهي سيرةُ رجلٍ ينشأ في قلب الريف، يثقِّف نفسه بنفسه كأحد المارقين عن السواد الأعظم من الناس هناك، يقرأ للجميع، شرقًا وغربًا. يشرِّح المجتمع من خلال دراسته، لا ينسى السياسة، ولا ينسى الحب.
يغوص في السِّيَر ويحقِّق في الأحداث المتواترة فيكتشف فيها الجديد دائمًا وكأنه يُخرج لسانه لكاتب التاريخ الرسمي. يلعب بالأحبار كما يشاء، تشتمُّ في كتاباته رائحةً مختلفة؛ رائحة ليست سائدة ولا رائجة.

حكايات من دفتر صلاح عيسى


كانت هذه الكلمات من مقدمة الدكتور عبد المنعم سعيد لكتاب «حكايات من دفتر صلاح عيسى» للكاتبين محمد الشماع وهاجر صلاح الذي  يضم بين دفتيه حكايات كاملة بين مؤلفي الكتاب وصلاح عيسى (رئيس التحرير)، حيث أعطى لهما الراحل فرصة الالتحاق بجريدة “القاهرة”، ليس كصحفيين مبتدئين في مقتبل حياتهما المهنية، بل كأحد أفراد مطبخ صناعة الجريدة (والصحافة عمومًا).

كتاب حكايات صلاح عيسى


فى الكتاب أيضًا فصل عن رفاق رحلة صلاح عيسى السياسية والصحفية، وذلك عبر شهادات من الراحل حسين عبد الرازق وحلمى شعراوى وحسن بدوى وأيمن الحكيم وغيرهم.

الفصل الرابع جاء بعنوان "هل باع القضية فعلا؟"، وهى التهمة التى ألصقها الكثيرون بصلاح عيسى، فى هذا الفصل يفند المؤلفان بعضًا من معارك صلاح عيسى الفكرية، ومنها على سبيل المثال قصة قبوله رئاسة تحرير جريدة ناطقة بلسان وزارة الثقافة، إذ استنكر البعض عليه هذا الفعل باعتبار أنه أحد رموز المعارضة الكبرى.

يضم الكتاب أيضًا رحلة فى عقل صلاح عيسى عبر تجاربه التأريخية والإبداعية والصحفية، والتى تميزت بالتنوع والثراء الشديدين، خصوصًا وأن الكثيرين يعتبرونها تأريخًا للحياة فى مصر، فى ستينيات القرن الماضي، وسبعينياته وثمانينياته. كما يمتلئ الكتاب بصور نادرة لصلاح عيسى فى رحلة حياته، ومع الكثير من رموز وأقطاب العمل السياسى والصحفى فى مصر.

هل باع صلاح عيسى القضية

تميز صلاح عيسى في كتابته عن الحال الاجتماعي للمصريين، وتشريحه للمجتمع المصري وبحثه عن الجذور الأولى المشكلة لهويته، وكان يستخدم الصحافة كوسيلة لتوصيل هدفه وهكذا فإن عمله بالصحافة أضاف إليه ولم يأخذ منه، كما احتفظ لنفسه بموقع خاص كمؤرخ، إذ حمته الصحافة من التصنيف كمؤرخ ومن ثم التعرض لانتقادات ليست بسيطة، كتب عيسى دون أن ينشغل بالتصنيف وكان دائم القول: "أنا بكتب ورزقي على الله". تجلت كتابة عيسى عن الواقع الاجتماعي لمصر في كتابه "ريا وسكينة" الذي نزل إلى المهمشين يستنطقهم ويحكي عنهم في سردية بديعة عن المهمش والمنسي.

 

 

غير أن صلاح عيسى بدل موقعه من اليسار إلى اليمين مع جلوس الرئيس الأسبق حسني مبارك على كرسي الحكم، إذ قبل عيسى التعامل مع مؤسسات الدولة وبدا ذلك في موافقته على رئاسة تحرير جريدة القاهرة، التي نشأت خصيصًا بسبب خلافات الوزير فاروق حسني مع جريدة أخبار الأدب القاهرية ومؤسسها جمال الغيطاني. وعلق عيسى لافتة ظلت مرفوعة فوق مكتبه بالجريدة: "جئت إلى الدنيا كي أعترض". غير أنه من الواضح أنه تخلى عنها فيما بعد، ربما لبشريته، وربما لاقتناعه بعدم جدواها وأن إيثار السلامة بات أفضل.

كان موقف عيسى غريبًا وغير مبرر لدى الكثيرين الذين عرفوه بمواقفه القوية وربما الحادة مع نظامي ناصر والسادات، غير أن عيسى برر: "الحكومة ليست كلها فاسدة، لا مانع من التعاون مع من يفتح منها طاقة نور للمعارضة". ولكن طاقة النور لم تكن لتفتح في مقابل التضييق على مطبوعة ثقافية في أهمية أخبار الأدب.

ومع التدخلات المتكررة لفاروق حسني في سياسة القاهرة ورؤيتها ظل عيسى في مكانه بعد أن خاض صراعًا مع رجاء النقاش الذي كان يرى نفسه الأحق برئاسة تحرير المطبوعة التي تصدرها وزارة الثقافة، ومع تولي الصحافي سيد محمود رئاسة تحرير القاهرة، احتفظ عيسى لنفسه بمنصب رئيس مجلس إدارتها، في استمرار لتعاونه الرسمي مع الدولة ومؤسساتها، هذه الفلسفة الجديدة التي لا تكشف عن انتقاد لسياساتها أو معارضة لمواقفها.

الكتاب استطاع أن يفند كل هذه الآراء ويكشف أن صلاح ظل كما هو حتى آخر حياته.

عم صلاح عيسى


كان صلاح عيسى، حسب ما ورد فى الحكايات، بما كتب وما أسس وما اتخذ من مواقف، وضع علامة كبيرة فى الحياة الفكرية المصرية، تستحق الاعتراف والإشادة والتقدير.

عن العمل مع الأستاذ، أو «عم صلاح» كما كان يحلو للجميع أن يخاطبه أو يتحدث عنه، يقول محمد الشماع، «يوم الأحد كان مقدسا عنده. هو اليوم الذى تذهب الجريدة فيه إلى المطبعة ليلا. لا أذكر أنه تغيب فى أى من الآحاد طوال السنوات التى عملت فيها بالجريدة. كان يأتى مبكرا، ويذهب بعد أن يطمئن أن الصفحة الأولى قد انتهت بشكل كامل».

بينما ترى «هاجر صلاح الدين»، وهى ليست ابنته كما اعتقد البعض، أن «العمل مع صلاح عيسى كان «أشغالا شاقة»، تكليفات لا تنتهى، متابعة خبر أو إجراء تحقيق حول قضية مثارة، أو إعداد تقرير خبرى عن واقعة، ليس شرطا أن تكون محلية، بل ربما عربية أو عالمية، وهو ما يعنى ضرورة البحث فى مختلف المواقع عن كل ما كتب حولها. كان متابعا نهما لكل ما ينشر فى الصحف، فيقرأ خبرا قصيرا، ثم يطلب تقريرا موسعا عنه، أو ربما يسمع خبرا فى راديو السيارة، فيطلب مزيدا من التفاصيل حوله.

التجلى الأعظم عند صلاح عيسى، كان يبدو بينما يستعيد ذكرياته فى السجن، فى سنوات الاعتقال الطويلة، التى جعلت منه واحدا من أشهر المعتقلين السياسيين فى كل العصور، يحكى متجليا عن «حبسة سبتمبر» 1981 التى جمعت فى معتقل واحد نجوم السياسة والصحافة والثقافة، يحكى عن زميله فى الزنزانة حمدين صباحى فيقول: «كان معتقلال مثاليا، يسهر طول الليل، وينام طول النهار، وفى المساء يلقى الأشعار».

الكاتب الراحل صلاح عيسى

احتفظ العم صلاح بالكيفية التى يصنع فيها وزملاؤه بالزنزانة ما سمّاه بـ«منقوع البراطيش». احتفظ ببعض السجالات التى دارت بينه وبين المسؤولين فى السجن من أجل الحصول على بعض المطالب، بينما كان بعض زملائه النزلاء يفضلون الإضراب عن الطعام، كان لا يحبذ فكرة الصدام السريع المباشر، بل كان يؤمن أن التصعيد هو الحل.

آراؤه فى الشخصيات التى كتب عنها طوال حياته كانت صادقة وحيادية، لا تحمل أى مجاملات أو أى ضغائن. كانت كتاباته بعيدة تماما عما إذا كان يحب هذا الشخص أو يكرهه. رأيه فى أحمد فؤاد نجم مثلا أنه شاعر كبير، لكن رأيه فيه كشخص، كان مختلفا تماما، لكنه أحبه فى الحالتين. كان رأيه منصفا فى عبدالناصر كإنسان، رغم كل ما فعله كرئيس للجمهورية. قال إنه بكى يوم مات عبدالناصر وفرح يوم مقتل السادات، لكنه فرح بحذر، لأن من اغتالوه كانوا من الجماعات الإسلامية المتطرفة. وبعد مرور السنوات، سمع الشماع منه أن «للسادات كرامات فى الحياة السياسية، ولمصر بشكل عام».

الحكايات كانت تخرج من فمه كالسيول المتدفقة التى لا تجد ما يوقفها. كانت تخرج بإسهاب وبسلاسة مدهشة، منمقة ومنظمة ومرتبة. حكايات تصلح أن تكون روايات كاملة الأركان، أو مؤلفات مستوفاة شروط البحث والتقصى والتحقق.

كان من عادة صلاح عيسى أن يشترى يوميا، أربع علب من السجائر المارلبورو البيضاء، ينتهى من نصفها على الأقل فى المكتب فى خلال ساعات العمل الثمانية، والبقية فى البيت. تهاتفه فى التليفون، يرد بسرعة، دائما ما يتسرب من سماعة الهاتف أصوات برامج تليفزيونية حوارية، كان يعتاد رؤيتها ومتابعتها جيدا، المكالمة عادة تفتتح بـ«أهلا يا جميل»، وتنتهى بـ«مع السلامة يا جميل».

صلاح عيسى

ربما تقف أمامه أكثر من نصف ساعة وهو يكتب، دون أن يشعر بك. ملامحه، وحركات فمه التى تلازم حركة يده التى تخط على الورق لا تنسى، ممتعة للغاية، ربما انتقلت إلى مجايليه وتلاميذه، دون أن يشعروا. ربما لا يعرف كثيرون عن صلاح عيسى، خجله وحياءه الشديد. فكان من النادر مثلا أن ينظر مباشرة تجاه محدثه، خاصة إن كانت أنثى.

اللافت أنه رغم المعرفة الموسوعية، التى كان يتمتع بها إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالشباب وحياتهم وتفكيرهم، يجلس صلاح عيسى أمامهم كالتلميذ يسأل كطفل نهم للمعرفة، ويستمع لكل ما تقول بتركيز شديد.
 

قصة حياة صلاح عيسى
 

ولد في 14 أكتوبر 1939 في قرية «بشلا» التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية.
نشأ صلاح عيسى فيما وصف ببيئة «فسيفسائية الفكر»: فكان والده وفديا وانتمى عمه للحزب المنافس الأحرار الدستوريين بينما انضم عمه الآخر إلى جماعة الإخوان، أما أمه فكانت أمية لا تجيد الكتابة ولا القراءة لكنها حرصت على اقتناء الكتب مع ذلك، وبعدما شبَّ صلاح عيسى كان يقرأ عليها كُتب «سير الأنبياء».
وقيل أنه في طفولته كره «ترومان» و«تشرشل» ومدرس الجغرافيا و«بيفن» وزير الخارجية البريطانية، وقرأ لأرسين لوبين والمنفلوطي وطه حسين، كما قرأ في كتاب رديء الطباعة زخرفي الأسلوب عن قتل معاوية بن خديج لمحمد بن أبي الصديق.
وفي عام 1948م غادر قريته إلى القاهرة. وقيل أن أستاذة في المعهد العالي للدراسات الاشتراكية حاولت في إحدى مراحل توهجه المُبكرة ضمّه إلى أسرة مجلة «الطليعة» الناطقة بلسان اليسار المصري، فرفض طلبها، وعُوقبت بالإيقاف 6 أشهر «لأنها تعرف أمثاله من المتطرفين».
حصل على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية عام 1961 ورأس لمدة خمس سنوات عددًا من الوحدات الاجتماعية بالريف المصري. بدأ مسيرته الأدبية كاتبا للقصة القصيرة ثم اتجه عام 1962 للكتابة في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي، تفرغ للعمل بالصحافة منذ عام 1972 في جريدة الجمهورية.

صلاح عيسى شابا


أسس وشارك في تأسيس وإدارة تحرير عدد من الصحف والمجلات منها الكتاب والثقافة الوطنية والأهالي واليسار والصحفيون وترأس في وقت لاحق تحرير جريدة القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية، والتي حولها وزير الثقافة حينها فاروق حسني من مجلة دورية إلى صحيفة ثقافية أسبوعية.
كما كان صلاح عيسى وكيلا لنقابة الصحفيين وعضوا بمجلس إدارتها في التسعينيات من القرن العشرين، وشغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة.
لصلاح عيسى ابنة واحدة هي سوسن عيسى الأستاذة بكلية الهندسة جامعة القاهرة، اعتقل لأول مرة بسبب آرائه السياسية عام 1966 بسبب كتابته تحليلا نظريا شاملا لمسيرة ثورة 23 يوليو بعد 14 عام، ونشر الدراسة بعنوان «الثورة بين المسير والمصير»، وتصادف زيارة اثنان من مُفكِّري فرنسا البارزين؛ وهما سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر، اللذين وُجِّهت لهما دعوة رسمية لزيارة القاهرة، فوافقا بشرط الإفراج عن المعتقلين السياسيين قبل وصولهما. فاستجابت القاهرة وخرج صلاح عيسى وآخرون من السجون على هامش زيارة سارتر لمصر في فبراير 1967م.
وتكرر اعتقاله أو القبض عليه أو التحقيق معه أو محاكمته في عدة سنوات ما بين 1968 و1981 وفُصل من عمله الصحفي المصري والعربي.

 

كتب صلاح عيسى


أصدر صلاح عيسى أول كتبه بعنوان «الثورة العرابية» عام 1979 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويعد الكتاب -وفقا لأحمد منصور- «محاولة لفهم وإنصاف هذه الظاهرة التاريخية «الثورة العرابية» من خلال المنهج الاشتراكي العلمي بعيدًا عما تعرضت له من أحكام قاسية واتهامات شديدة صدرت عن المنهجين الأخريين المدرسة الاستعمارية والمدرسة القومية».
كما يستعرض صلاح عيسى في كتابه «شخصيات لها العجب» (الصادر عن دار نهضة مصر سنة 2010) 50 شخصية من النخب السياسية والثقافية والفنية المصرية التي لعبت دورًا ملحوظا في الحياة العامة المصرية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وفي كتابه «رجال ريا وسكينة»، استطاع صلاح عيسى أن يسرد وقائع قضية «ريا وسكينة» «بشكل صحفي دقيق من خلال التطلع والبحث في الدفاتر القديمة»، وتناول الحدث بواقعية ودون إضافة الطابع الكوميدي أو التراجيدي أو الدرامي كما تم في أعمال أخرى غطت القضية.
وفي كتابه التاريخي المكتوب بأسلوب صحفي «رجال مرج دابق»، والذي تم تشبيهه بكتاب المؤرّخ المصري المملوكي «ابن إياس» «بدائع الزهور في وقائع الدهور»، اعتبر عيسى أن رجال مرج دابق هم «الخونة من رجال مماليك السلطان «قنصوة الغوري» الذين باعوه للسلطان العثماني «سليم الأول»، فكانت هزيمة المصريين والشوام، ثم رجال السلطان المملوكي الأخير «طومان باي»، الذي شنقه «سليم الأول»، تحت «باب زويلة» في القاهرة، ثم انتهى الأمر باحتلال عثماني مظلم دامٍ للمنطقة العربية حوالي أربعة قرون».

 

تكريم اسم الراحل صلاح عيسى في نقابة الصحفيين

 

وأعلن مجلس نقابة الصحفيين برئاسة خالد البلشي أسماء 7 من رموز النقابة الراحلين في الاحتفال بتوزيع جوائز الصحافة المصرية في تمام الساعة السادسة مساء اليوم الثلاثاء.

وأعلن جمال عبدالرحيم سكرتير عام النقابة أن تكريم اسماء رموز النقابة ياتي تقديرا وعرفانا لتاريخهم الفكري والمهني وعطائهم المشرف ومسيرتهم الصحفية والنقابية الحافلة ودورهم الفعال في دعم مواقف النقابة دفاعا عن حرية الصحافة والصحفيين.
وقال عبدالرحيم ان من اسماء رموز النقابة الذين سيتم تكريمهم ** الكاتب الصحفي الكبير الراحل الأستاذ صلاح عيسي وكيل النقابة الأسبق.

ونقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية