سيفشل الإخوان فى تكرار النموذج الجزائرى
بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وحماية الجيش المصري لمصر والمصريين قبل أن تنجرف البلاد إلي حرب أهلية تحت قيادة رئيس هو نفسه من قال إنه هو ومؤيدوه سيدافع عما سماه «الشرعية» حتي الدم، لم يكن الخوف من استمرار اعتصام رابعة والذي مازال مستمراً، ولم يكن الخوف من الإرهاب والتحريض والتكفير والتهديد والوعيد والذي نسمعه كل يوم من قيادات إخوانية تختبئ وسط المتظاهرين في رابعة العدوية أو عبر قناة الجزيرة القطرية، والتي تعتبر الإذاعة الداخلية لإشارة مرور رابعة - تلك القناة التي خسرت تقريباً كل شىء، ليس فقط بسبب الانحياز الذي يصل لدرجة الاحتيال كما قالت عنها صحيفة «فورين بوليسي»، الأمريكية ولكن أن تقبل وهي من المفترض أنها قناة عالمية أن تنقل هذا الإسفاف الذي يقال علي منصة رابعة- وليس الخوف حتي من هجوم ميليشيات الإخوان علي «مبني الحرس الجمهوري»، وأخيراً علي معتصمي ميدان التحرير وليس حتي الهجمات الإرهابية والتي تقوم بها عناصر من حماس ومسلحون في سيناء والتي راح ضحيتها العشرات.
ليس هذا كله، ولكن كان الخوف الأكبر هو أن يتكرر في مصر «النموذج الجزائري»، أو أن يتشابه الواقع المصري مع واقع مؤلم حدث في الجزائر في التسعينيات من القرن الماضي، حين ألغي الجيش الجزائري الانتخابات البرلمانية بعد اكتساح التيارات الإسلامية متمثلة في «جبهة الإنقاذ الإسلامية» لتلك الانتخابات وحدثت مواجهة بين الجيش الجزائري والإسلاميين علي مدي عشر سنوات راح ضحيتها حوالي مليون جزائري، وكما أكدنا استحالة نجاح نمودج إيران في مصر، وكمصري أعرف طبيعة الدولة المصرية ومواطنيها كذلك الدولة الجزائرية - نظراً لعملي بها لعدة سنوات- أري أن النموذج الجزائري أيضاً يستحيل حدوثه في مصر لعدة أسباب أهمها:
أولاً: طبيعة الشعب المصري المسالم، وتلك حقيقة فرغم حوادث تحدث هنا وهناك إلا أن المجموع المصري غير عنيف، ولا يمكن وصف شعب حينما غاب عنه الشرطة والأمن قام بحماية نفسه بنفسه تحت مسمي «لجان شعبية»، إلا أنه شعب حالة فريدة في سلميته رغم محاولات شيطنته من قبل جماعة الإخوان.
ثانياً: التعاطف الشعبي، وهو بلا شك في مصر كان أعلي بكثير جداً مع قواته المسلحة، فالجزائريون لم يخوضوا تجربة الحكم تحت سلطة تلك التيارات الدينية، فكان عدد كبير من الجزائريين متعاطفا معهم باعتبار أنهم فازوا بالانتخابات وتم منعهم، بينما في مصر فكان حكم عام واحد تحت تلك الجماعات الفاشلة كفيل بأن يُخرج ثلاثة وثلاثين مليون مصري ضدهم، أي أن غالبية الشعب المصري مع قرارات الجيش تماماً بإقالة هذا الرئيس الدموي والذي كان يُعد العدة لأنهار من دماء المصريين، ولهذا فالإخوان يواجهون مشكلات حينما يخرجون خارج دائرة رابعة العدوية أو ميدان النهضة، حيث يحتك بهم المواطنون ويرفضون تحركهم ولهذا فالرفض الشعبي للإخوان ولمرسي، والتأييد الشعبى الجارف للجيش المصري وللسيسي شىء واضح وضوح الشمس، ما يصعب معه تماماً رؤية النموذج الجزائري الدموي.
ثالثاً: شخصية السيسي، تلك الشخصية والتي سيصفها التاريخ بأنها حدوتة مصرية خالصة، فالسيسي بشخصيته المخابراتية يتقن جيداً إدارة المعارك خارج ميدان الحرب، فضلاً عن قدرته علي اختيار توقيت الأفعال بعناية شديدة، فالسيسي ظل صامتاً عدة أشهر وهو يتلقي الهجوم من قنوات وشخصيات إسلامية ليل نهار متوازية مع اتهامات من قنوات وشخصيات ليبرالية بأنه «إخواني» أو أنه «ضعيف الشخصية» بسبب طول مدة صمته وصمت المؤسسة العسكرية علي هؤلاء.
وحينما رأي مشهد الثلاثين من يونيو وعلم بنوايا مرسي تجاه هذا الوطن، أصدر بيانه بعد أقل من 24 ساعة من تجمع المصريين في ميادين وشوارع مصر وأقال محمد مرسي بعد ثمانية وأربعين ساعة من بيانه، فبين الصمت أشهر والتحرك السريع خلال ساعات تري موهبة غير عادية في اختيار توقيت الأمور، كذلك الدهاء السياسي الشديد للسيسي، وظهر ذلك في إقناع شخصية برجوازية مثل مرسي باختياره ليكون وزيراً للدفاع، كذلك إقناع الخارج بأنه لم يكن انقلابا عسكريا بل انقلابا شعبيا، بالإضافة إلي دهائه في دعوته الأخيرة بالتظاهر لتفويضه لشن حرب علي من يرهب المصريين، كلها أمور تدل علي شخصية ماكرة، والرائع في الأمر أن السيسي ربما يكون أول قائد مصري يستغل دهاءه لصالح شعبه ولصالح وطنه وليس لصالح نفسه أو من حوله. وهو قادر لا محالة علي إدارة السفينة بأمان دون مفاجآت.
ليس هناك أي داعي للخوف، فكما فشل تنفيذ النموذج الباكستاني والإيراني في مصر ستفشل أي محاولة لتكرار نموذج جزائري دموي من قبل جماعة الإخوان المسلمين، فما يحدث الآن ليست محاولات من مؤيدي رئيس فاشل لعودته ولكنها محاولات من شخصيات فاسدة تقدم مؤيديها قرابين لتنجو بفسادها من سيف العدل ... إنها مسألة وقت ليس إلا وسنري مصر الجديدة قريباً .