دراسة لـ"كارنيجي": تصدع في صفوف جماعة الإخوان.. عقب الإطاحة بـ"مرسي" فروع الجماعة تنفصل عن "الأم" في مصر.. وانشقاقات في صفوف الشباب عن القيادات.. الغنوشي: السلطة في تونس بثلاثة رءوس
أكدت دراسة أعدها الباحث رافاييل لوفيفر تحت عنوان "تصدع في صفوف الإخوان" ونشرها معهد "كارنيجى للسلام الدولى" أكد في بدايتها أنه عقب إطاحة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، سعت جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة إلى الابتعاد بنفسها عن التنظيم "الأم"، إلا أنها تواجه جميعها التحديات الأساسية نفسها.
وأضاف لوفيفر، اعتمدت الأحزاب والتيارات الإسلامية، سواء في الشارع أو في البرلمان، على تماسكها ووحدتها اللذين شكلا مصدر قوة في النجاحات التي حقّقتها تلك الأحزاب والتيارات في المرحلة التي أعقبت انتفاضات الربيع العربي مباشرة.
إلا أن هذا التماسك وهذه الوحدة قد يكونان في خطر بعد إزاحة محمد مرسي من الرئاسة، فقد حاولت جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة، أن تنأى بنفسها عن أساليب الحكم التي انتهجها التنظيم "الأم" في محاولة منها للصمود في وجه العاصفة، إلا أنه على الرغم من الميل إلى التركيز على أسلوب الإخوان في الحكم وتصويره بأنه السبب الأساسي لسقوطهم، تهدد تحديات جوهرية أخرى وحدة التنظيم ومستقبله، ومصير الفروع المختلفة المنبثقة عنه.
وقالت الدراسة إنه كما كان متوقعا، أثارت إطاحة الرئيس محمد مرسي في مصر استهجانًا وقلقًا شديدَين لدى الأحزاب الإسلامية التي تجمعها روابط بالإخوان المسلمين في المنطقة.
إلا أنها حرصت في شكل خاص على النأي بنفسها عن الأسلوب المتعنّت في القيادة الذي انتهجه الإخوان في مصر (عبر فرض دستور إسلامي جديد واحتكار السلطة من قبل محمد مرسي).
وشدد راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة على أنهم في تونس قدموا تنازلات في مجال الدستور كي يمثّل الدستور جميع التونسيين"، وأضاف: "نعيش في ظل حكومة ائتلافية، وللسلطة رءوس ثلاثة كلٌّ منها ينتمي إلى حزب كبير ومعروف، وكلها لها مشاركة حقيقية في الحكم".
وأكّد الناطق باسم الإخوان المسلمين في سوريا، في كلام جريء، أن الإخوان ارتكبوا "خطأ" في مصر، وأضاف أن "مصر كانت أشبه بسفينة تغرق، ولا يمكنكم تغيير الوضع بالطريقة التي تعتمدونها، وقال أعتقد أنه علينا العمل ضمن ائتلاف"، وفي المغرب، أكّد زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عبد الإله بنكيران، قائلًا: "نحن حزب العدالة والتنمية لا صلة لنا بالإخوان المسلمين".
إلا أنه يغفل عن هذه المجموعات أن أسلوب الحكم ليس المسئول الوحيد عن سقوط الإخوان في مصر، فثمة عوامل أساسية أخرى تؤثّر في فروع التنظيم أيضًا، ومنها الفشل في إنتاج قادة أكثر شبابًا وبراجماتية.
وبما أن الإخوان المسلمين يركّزون على الولاء للحزب، فإن معظم الجماعات التابعة لهم في المنطقة يقودها أيضًا الأشخاص أنفسهم منذ عقود. فعلى سبيل المثال، لا تثق القيادة في حزب النهضة وجماعة الإخوان المسلمين السورية، بالأعضاء الشباب وأولئك الذين لم يُسجَنوا أو يتعرّضوا إلى التعذيب، الأمر الذي أدّى في معظم الأحيان إلى خروج الشباب الموهوبين من بعض فروع الإخوان.
العامل الآخر هو غياب الفصل بين جهود التواصل مع الناس وبين الدور السياسي، ففي مصر، يرى كثرٌ أن جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة هما عمليًا التنظيم نفسه نظرًا إلى الصلة الوثيقة جدًا بينهما، إلى درجة أنه لم يكن هناك تمييز بين تأثيرات سياسات مرسي على حزب الحرية والعدالة وبين تأثيراتها على الإخوان.
من شأن الفصل الواضح بين الجناح الاجتماعي الديني وبين الجناح السياسي للإخوان، أن يساهم في حل المعضلة التي يواجهها الإخوان المسلمون بشأن الجهة التي يجب أن تكون المصدر الأعلى للسلطة في السياسة.
كما أن هذا الفصل يوضح للناخبين مَن يمسك فعلًا بزمام السلطة داخل الحزب وفي البلاد: هل هو المرشد العام محمد بديع أم الرئيس محمد مرسي في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، أو راشد الغنوشي أم رئيس الوزراء التونسي على العريض في حزب النهضة؟
وأضافت الدراسة: تشكّل هاتان المسألتان جزءًا من نقاش أوسع يجري داخل العديد من فروع الإخوان المسلمين. والمسألتان تستفزّان خصوصًا الأجيال الشابة التي تسعى إلى ترويج مقاربة براغماتية من خلال تأسيس حزب مستقل عن الإخوان وغير خاضع إلى سيطرة الحرس القديم.
ويعني هذا أيضًا الانتقال من طريقة العمل المطبَّقة منذ عقود، والتي تناسب التنظيمات السرية، إلى هيكلية مفتوحة مستندة إلى الشفافية والديمقراطية الداخلية.
لقد أفسح الإسلاميون المغاربة والأردنيون في المجال أمام الإصلاح عبر إنشاء حزب العدالة والتنمية وجبهة العمل الإسلامي على التوالي، لكن في حين يتصرّف حزب العدالة والتنمية كقوّة سياسية مستقلّة لا تزال الجبهة تبدو خاضعة إلى إشراف جماعة الإخوان المسلمين الأردنية.
وفي سوريا مثلًا، أنشئ مؤخرًا الحزب الوطني للعدالة والدستور الذي يتألف 30 % منه تقريبًا من الإخوان المسلمين، و40 % من الإسلاميين المستقلين، و30 % من شخصيات وطنية، الأمر الذي يشير إلى أن فروع الإخوان المسلمين الأخرى تسير ربما في الاتجاه نفسه الذي سلكته الجماعة في المغرب والأردن.
وترى الدراسة أن معظم الحركات الإخوانية في المنطقة غير متجانسة إلى حد كبير، إذ تتألف من طيف واسع من الآراء المتعلّقة بمسائل التمثيل الأيديولوجي والإقليمي، وتمثيل الأجيال على مستوى القيادة.
وقد أدّى غياب الإصلاحات العميقة، وبالتالي غياب التقدّم، داخل بعض التنظيمات إلى انقسامات خلال العامين الماضيين. وهذا ما دفع مثلًا الإسلاميَّين المعتدلَين البارزَين، كعبد الفتاح مورو وعبد المنعم أبو الفتوح، إلى الانشقاق عن النهضة والإخوان المسلمين على التوالي في العام 2011.
وفي الوقت نفسه، انشقّت مجموعة من الشباب عن جماعة الإخوان المسلمين السورية لأنها شعرت بأن قيادة التنظيم المحلي لا تمثّلها، وأنشأت مجموعة العمل الوطني التي تشكّل مكوّنًا ناشطًا ضمن المعارضة السورية، لكن حتى الآن، وعلى الرغم من هذه الانشقاقات الرمزية، ظل السواد الأعظم من الأعضاء المنتمين إلى جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة، موالين للقيادات الحالية.
وتقول إن السجال الدائر حاليًا في صفوف الإسلاميين حول ما إذا كان العنف مبرّرًا للردّ على إطاحة مرسي، قد تسبّب في منتصف الثمانينيات بانقسام في صفوف الإخوان المسلمين في سوريا.
وعلى الرغم من إتمام المصالحة لاحقًا بين الفصائل المختلفة، لا تزال التشنّجات مستمرة، وكذلك في تونس، أدّت المحاولات المتتالية التي بذلتها مجموعة منشقّة لخلع بورقيبة وبن على من الحكم، في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، إلى حدوث تصدع داخل تنظيم الإخوان المسلمين.
وترى الدراسة أن ذكرى هذه الانشقاقات بالتحديد قد تؤجّج قريبًا السجال الداخلي عندما يُطلق أعضاء وقادة في التنظيم تصاريح يبررون فيها العنف السياسي، لكن هذه المرة - وإذا لم يجرِ قريبًا تبنى الإصلاح الداخلي - يمكن أن يكون الانشقاق أكثر من مؤقت، انطلاقًا من المسائل المتعددة الأخرى التي تثير خلافات داخلية بين أعضاء الإخوان المسلمين.