الراية السوداء
في السنوات العشرين الأخيرة ظهرت علينا العديد من التنظيمات الفدائية بدأت في فلسطين ثم انتقلت إلى أفغانستان والآن في العراق وليبيا وأخيرا في مالي، يقتنون الراية السوداء شعارا لهم ومكتوب عليها(( لا إله إلا الله.. محمد رسول الله )).
إن هذه العبارة أو الجملة القليلة في حروفها العظيمة في معناها الغالية على قلوبنا لأنها الخط الفاصل بين الإيمان والتوحيد والكفر والشرك، نعم إنها عبارة لا تضاهيها كنوز الدنيا مجتمعة وهي أساس ديانتنا وركنها الأول والهام وثبت يقينا أن المولي عز وجل يغفر كل الذنوب إلا الشرك به أي عدم الاعتداد بهذه القيمة المطلقة.
لا إله إلا الله.. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتعش البدن عند قولها أو سماعها، المسلم المؤمن الحق تدمع عيناه عندما يقولها خاصة في بعض المواقف في حياتنا.
تاريخيا استعملت الراية السوداء في القتال أيام الفتوحات الإسلامية وهي راية الحرب عند المسلمين وكتابة قيمة القيم في التعبير (الشهادة) عليها ترجع أن هؤلاء مقاتلين في سبيل الله ولرفعة الشهادة بأن الله واحد وأن سيدنا محمد رسوله صلي الله عليه وسلم... فشعورهم وهم يحاربون تحت هذه الراية والقيمة أن الله معهم وسينصرهم شعور عظيم يجعل للجهاد معني عظيما وساميا.
ولكننا اليوم عندما يستعملها البعض من هذه التنظيمات في العالم وهنا أخص ليبيا ألا يعلمون أنهم قد يسيئون إلى قيمة القيم، ودعوني أقول لكم وجهة نظري حيال هذه الإساءة وكيف تأتي:
أولا: إن استعمال هذه الراية وفيها هذه العبارة العظيمة بدأت ترفع الآن في عمليات إرهابية ليس لها أي علاقة بالجهاد بمفهومه الصحيح المعروف لنصرة الدين وضد المشركين فترفع وهي تقتل الموحدين من المسلمين لأنهم يختلفون في مذهب وتوجهات من يرفعونها وهم تناسوا أن هؤلاء مسلمون موحدون.
ثانيا: ظهور هذه الراية السوداء في الوسائل الإعلامية المصورة ويتعمد حاملوها إظهارها عند القيام بعمليات الاختطاف والتفجيرات والتعذيب يرسخ عند الرأي العام العالمي ما يسعي له أعداء الإسلام بأن ديننا الحنيف دين إرهاب مع أن المقاتلين في بعض الحالات يدافعون عن حقهم في استرداد ما اغتصب منهم كما هو الحال في فلسطين ولكنهم يسيئون للديانة الإسلامية بشكل أو آخر.
ثالثا: حتي استعمالها عند القيام بأفعال أو أعمال اجتماعية إنسانية مثل ما حدث في حراسة مستشفي الجلاء أو الإسهام في تنظيف بنغازي ووضع هذه الرايات في بعض الأماكن وتعليقها في السيارات ألا يؤدي ذلك إلى وقوعها على الأرض وتعرضها للقاذورات والأوساخ وهي عليها لفظ الجلالة والتوحيد وهل من يتسبب في ذلك ألم يساهم بإثم في حق هذه القيمة؟
في بحث تاريخي معاصر اتضح أن هناك سببين أديا إلى استعمال هذه الراية من قبل هؤلاء في بدايتها من قبل فدائيي فلسطين كانت محدودة وتربط على الرأس وفيها ومن خلالها يتبارك الفدائيون والمجاهدون أنهم يحملون اسم الله والرسول معهم إلى الآخرة في حالة استشهادهم رغم أن هذه القطعة من القماش ليس لها علاقة بأمور الآخرة التي تحسم من خلال النوايا وما هو بالقلب وليس بالأمور القماشية الدنياوية المادية...
ثم بعد ذلك تحولت إلى معني آخر وهي أن هذه المجموعات عندما تضع هذه الراية أو تحملها لا يتجرأ أحد أن يمنعهم منها أو أن يقوم بإزالتها من مكانها لأن بها قيمة القيم شهادة التوحيد واسم رسولنا العظيم.
لكني أقول إن الأسباب السالفة الذكر وحفاظا على قيمة القيم وعلي الإسلام وعدم إلصاق تهمة القتل بغير رحمة به، أقول عليكم ياسادة أن تغيروا شعاركم وتضعوا ما تشاءون إلا هذه القيمة فهي لنا جميعا وليست لكم وحدكم ومن حقنا أن نحافظ عليها وأن ننزعها منكم حفاظا عليها وعلي الإسلام وعليكم.
الأمر ليس هينا بل على العكس الأمر خطير ويحتاج إلى تدخل كل الفقهاء ومشايخنا الأفاضل فأنا لست فقيها ولكني عالجت الموضوع من خلال الفرضيات المنطقية، وأنا على ثقة بأن المنطق هو الحق والحق المطلق هو المولى عز وجل وأن كل ما أنزل في القرآن الكريم وما سطر في أحاديث نبينا محمد صلي الله عليه وسلم المؤكدة لا يتعارض إطلاقا مع المنطق.
دعوة صادقة مني إلى كل من يستعملوا هذه الراية أن يعدلوا عن ذلك وإلي كل المهتمين والمتخصصين بشئون الإسلام أن يهتموا بهذا الموضوع ويقدموا النصح والإرشاد حياله كما قال الله تعالي وقال الرسول، أما الاجتهادات البشرية الفقهية الأخري تحترم وتقدر، ولكن يظل الالتزام بها من عدمه فيه هامش حرية كبيرة للإنسان بعكس قول الله والرسول فهو لا نقاش فيه وملزم إلزاما جبريا..
i_guider@yahoo.com