الوجه الآخر للمحبة بين شعبى وادى النيل.. الرئيس السادات صاحب الانتصار الوحيد للعرب على إسرائيل من أصول مصرية سودانية
يرتبط الشعب المصرى والشعب السودانى بعلاقات تاريخية امتدت لآلاف السنين خاصة، وفى التاريخ الحديث لعبت السياسة والفن والرياضة دورا كبيرا فى تأكيد العلاقات العضوية بين البلدين، وما زال التاريخ السياسى للمنطقة يتسيده حتى الآن عظماء من أصول مصرية سودانية، كما حصلت شخصيات سودانية على شهرة واسعة فى الفن والرياضة انطلاقا من الأرض المصرية، كما حقق نجوم الرياضة والفن فى مصر شهرة إضافية بالتواجد على الضفة الأخرى لشعبى وادى النيل وبين أهلها وأبنائها.
على رأس هؤلاء، اللواء محمد نجيب، أول رئيس جمهورية فى مصر، والذى ولد بساقية أبو العلا بالخرطوم عام 1901 لأب مصرى يعمل ضابطا بكتيبة المشاة بالسودان، وأم مصرية المولد سودانية النشأة، وتزوج والده أكثر من مرة، الأولى سودانية أنجبت شقيق نجيب الأكبر عباس، ثم تزوج من سيدة مصرية تقيم فى أم درمان اسمها زهيرة محمد عثمان أنجبت له محمد نجيب.
الرئيس أنور السادات
على رأس الشخصيات الشهيرة التى تحمل أصولا سودانية أيضًا، الرئيس الراحل أنور السادات المولود، المولود لأب مصرى، وأم سودانية اسمها "أم البرين"، والدتها مصرية أيضًا ووالدها سودانى، وتزوجها والد السادات أثناء عمله بالسودان، وأتى بها إلى مصر حيث أنجبت الرئيس السادات عام 1918.
فى الحقل الفنى، هناك شخصيات فنية سودانية عملت واشتهرت بمصر، على رأسهم الفنان إبراهيم خان، الذى ولد لأب سودانى وأم مصرية عام 1936، وعمل فى بدايته ببرنامج ركن السودان الذى أنشأته الإذاعة المصرية، ودرس بمعهد الموسيقى العربية -فؤاد الأول سابقا- وتخرج من معهد الفنون المسرحية عام 1961 وكانت بدايته الفنية فيلم "القلب له أحكام"، ثم نال شهرته وقدم مجموعة من الأفلام منها غروب وشروق، شيطان الإنس، المذنبون، وفى التليفزيون شارك فى مسلسل "رأفت الهجان" واحتفظ حتى وفاته بالجنسية السودانية.
هناك أيضًا المطرب خالد المعجبانى، الفنان السودانى صاحب الشهرة الكبيرة فى خمسينيات القرن الماضى، والمذيع بإذاعة ركن السودان، والذى بدأ نشاطه الفنى فى مصر بدور الأفريقى أو المطرب الأسمر فى أفلام إسماعيل يس طرزان، وودعت حبك، ودماء على النيل، وكانت آخر أفلامه المصرية "العقل والمال" عام 1965 فى دور جلاد السلطان.
هناك أيضًا المطربة السودانية جواهر، التى بدأت مشوارها الفنى من القاهرة أوائل التسعينيات، ومزجت بين الفن المصرى والسودانى، وأحبها الجمهور المصرى ونالت شهرة واسعة فى تلك الفترة، ومن أشهر أغنياتها "ع الكورنيش".
أما الفنانة والمطربة ستونة، فظهرت أوائل القرن الحالى عبر فيلم صعيدى فى الجامعة الأمريكية، وشارك محمد هنيدى الغناء "شيكولاتة"، وفتحت لها مكتبا فى القاهرة لإحياء ليالى الحنة للعروس ونالت فيها شهرة كبيرة.
أما المطربة نواعم، فقدمت دور جوهر فى مسلسل "حديث الصباح والمساء" وبعده قدمت مجموعة أغانى عن مصر والسودان وأفريقيا، كما شاركت بالتمثيل فى حلقات ونيس، جحا المصرى، عسكر فى المعسكر.
هناك أيضًا المخرج الشهير سعيد حامد، من مواليد الخرطوم لأب سودانى، وبدأ أول أعماله مساعد مخرج للمخرج محمد فاضل فى فيلم "البرنس"، وقدم أولى تجاربه الإخراجية عام 1993 فيلم "الحب فى الثلاجة" قدم بعده: صعيدى فى الجامعة الأمريكية، همام فى أمستردام، يانا يا خالتى، حمادة يلعب، عودة الندلة وغيرها، وحصل على عدة جوائز كأفضل مخرج.
الملحن والمطرب عصام كاريكا، ولد لأب سودانى وأم مصرية بمدينة أسوان، ودرس بكلية السياحة والفنادق، ومن أشهر أغانيه: عيون حبيبى، لو دارت الأيام، بيحيرنى هواك، تحت الشباك، حلانجى غيرها، كما قام بالتلحين لمجموعة كبيرة من المطربين المصريين.
أم كلثوم في السودان
من ناحية أخرى، كان لكبار قامات الفن المصرى حضور بارز فى السودان، حيث أقامت سيدة الغناء العربى أم كلثوم حفلات غنائية فى السودان تحية للأشقاء، منهم حفلان على مسرح أم درمان لدعم المجهود الحربى بعد نكسة 67، ارتدت فيها أم كلثوم الثوب السودانى، وغنت فات الميعاد، هذه ليلتى، الأطلال، وسط تصفيق الجمهور السودانى وتشجيعه.
وأثناء زيارة أم كلثوم للسودان، تعرفت على الشاعر الهادى آدم، وطلبت منه أغنية من تأليفه تغنيها فى مصر، فقدم لها كلمات أغنية "أغدا ألقاك" التى غنتها من ألحان محمد عبد الوهاب.
كما شاركت شادية فى أكثر من حفل بالسودان، وقدمت أغنيات يا حبيبى عودلى تانى، تحية للشعب السودانى عام 1960، وفى إحدى حفلاتها قدمت تحيتها لفتاة مريضة جليسة على كرسى التقت بها أثناء علاجها بمصر واهدتها من خلال حفل أغنية "إن راح منك يا عين هيروح من قلبى فين"، كما أصرت على زيارتها فى بيتها بصحبة الإذاعية سامية صادق وغنت لها أغنية "ألو ألو احنا هنا ونجحنا أهوه فى المدرسة".
كانت شادية قد مثلت أيضًا فيلم "بشرة خير" من إخراج حسن رمزى وغنت فيه للنيل والسودان من كلمات جليل البندارى تقول فيها: يا جاى من السودان لحد عندنا.. بتمر من أسوان وأهله من قنا.. يا نعمة من السودان بعتها ربنا.. ومن عمر الزمان وانت بقلبنا.
كما غنت شادية مع المونولوجست ثريا حلمى أوبريت "مصر والسودان" تأليف السيد زيادة، مثلت فيه ثريا حلمى دور السودان، ومثلت شادية دور مصر بهدف تأكيد الإخوة بين البلدين قالت فيه شادية: هيا سودان يا أخت الحمى فلتعش حرين أو ترضى.
العندليب الأسمر و4 زيارات
أما عبد الحليم حافظ، فذهب للسودان أربع مرات، كانت الأولى عام 1960 فى حفل النادى العربى بالسودان، وقدم أغنية فوق الشوك، وغنى مرة أخرى لصالح مستشفى دار الشفا بالسودان بالمشاركة مع المطرب السودانى السيد خليفة "البامبو سودانى بامبو".
لم يتوقف سلسلة التعاون والتشابك بين فنانى البلدين عند ذلك، يل غنى الفنان محمد منير من التراث السودانى، وسط الدائرة وغيرها، كما قدمت إذاعة صوت العرب مسلسل بعنوان "النيل يجمعنا" شارك فيه ثمانية من الممثلين السودانيين بجانب عشرين من الممثلين المصريين، وتدور أحداثه فى حارة مصرية تجمع بين سكان الحارة المصريين والسودانيين.
امتد التأثير بين البلدين ليطال المستوى الرياض، وحصل لاعبو كرة قدم سودانيون من مصر على شهرة ضخمة فى المنطقة على رأسهم اللاعب "شطة" نجم الأهلى المصرى، والذى بدأ لعبه فى صفوفه عام 1976 واستمر حتى نهاية الثمانينيات وبرز كلاعب نجم لخط وسط الفريق الأحمر، وحقق معه بطولات عديدة.
هناك أيضًا عمر النور، النجم السودانى الذى لعب فى صفوف فريق الزمالك منذ عام 1960 وحتى 1974، وكان مهاجما وهدافا، ويعتبر حتى الآن من أشهر لاعبى الزمالك فى الستينيات وحصل على لقب هداف الفريق وله شعبية كبيرة فى مصر والسودان.
عرفت الملاعب المصرية أيضًا، عبد العظيم قلة، الذى جاء من الهلال السودانى ليحترف فى نادى المقاولون العرب، وكذلك اللاعب السودانى سليمان فارس الشهير باسم السد العالى نظرا لقوته الدفاعية، والذى لعب مع الأهلى المصرى وتألق طوال الخمسينيات مع مدكور وصالح سليم، كما عرفت ملاعب مصر اللاعب الرشيد المهدية الذى احترف فى نادى الزمالك، وأنس النور الذى لعب للنادى الإسماعيلى.
ومن نجوم الكرة المصريين الذين تألقوا فى الملاعب السودانية، أسطورة حراسة المرمى عصام الحضرى، الذى لعب مع نادى المريخ السودانى وقاده للفوز ببطولة الدورى السودانى ولعب معه فى بطولة أفريقيا، وهناك أيضًا حسام البدرى، الذى تولى تدريب المريخ السودانى، ومصطفى يونس الذى قضى سنوات فى تدريب أندية الهلال والمريخ وغيرهم.
الفنانين السودانيين في مصر
ومن أشهر الفنانين السودانيين في مصر المطرب والملحن السودانى سيد خليفة، الذي اكتسب شهرة واسعة منذ أول يوم لوصوله القاهرة في خمسينيات القرن الماضي وقدم ألوانًا جديدة فى الموسيقى السودانية تمثلت فى أنماط موسيقى السامبا الأمريكية اللاتينية.
وما لا يعرفه الكثيرون أن سيد خليفة من أوائل من منحوا العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ فرصة الغناء، وهو ما أكده فى لقاء تلفزيونى أجراه مع الفنان سمير صبرى، إذ كان وقتها يقوم بالعزف فى الفرقة الموسيقية المصاحبة له.
وقال سيد خليفة: "عبد الحليم عمل معى فى عدة حفلات بإذاعة ركن السودان، وكان عنده حس فنى جميل، وفى عام 1952، حضر إلى القاهرة وفد سودانى ضم إسماعيل الأزهرى رئيس أول حكومة وطنية بالسودان، لحضور حفل زفاف وزير المالية السودانى وقتها إبراهيم المفتى، من ابنة رجل أعمال سودانى، وكان من بين الضيوف محمد نجيب وجمال عبد الناصر، وشارك بالغناء فى الحفل نخبة من النجوم، ومنهم فريد الأطرش، وشادية، وصباح، وقلت لهم عبد الحليم مطرب كويس وصوته جميل، وطلبت منحه فرصة الغناء، وبالفعل غنى (صافينى مرة) لمحمد عبد الوهاب، ووجد استقبالا جميلا، وأحبوه، حتى أنه طلب التصوير مع عبد الناصر الذى لم يكن وقتها يعرفه".
كذلك أيضًا الملحن والمطرب الكبير عبد الرحمن الكابلى والذى لحَّن للعديد من الفنانين السودانيين الكبار، إلى جانب الأغانى الخاصة به، لذا اعتبر واحدًا من عمالقة الفن السودانى كما وصفه البعض "الفنان الشامل" لجمعه بين عدة مواهب، منها مترجم وملحن وشاعر ومغنى وباحث تراثى فى الموسيقى السودانية.
ولد الكابلى فى عام 1932 بشرق السودان تحديدًا من داخل مدينة بورتسودان، انتهى من دراسته، وعمل بعدها مفتشا إداريا فى القضاء السودانى لمدة 20 سنة، ليسافر بعدها إلى المملكة العربية السعودية ويعمل مترجمًا، إلى أن عاد مرة أخرى إلى السودان ليضع الفن والغناء نصب عينيه.
وبدأ مشواره الفنى مبكرًا منذ أن كان فى الـ18 من عمره، والفرصة الحقيقية لم تظهر إلا فى 1961، عندما أدى أنشودة "آسيا وأفريقيا" للشاعر السودانى تاج السر الحسن، وقتذاك صادف زيارة الرئيس جمال عبد الناصر إلى الخرطوم ليحضر الحفل ويتشرف الكابلى بحضور الرئيس.
وكان لغنائه باللغة العربية الفصحى إلى جانب اللهجة السودانية أثر فى تحقيق شهرة كبيرة خارج السودان، لقد غنى لكبار الشعراء أغانى حفرت فى الذاكرة، كأغنية "مروى" لمحمود عباس العقاد "شذى الزهر" للشاعر أحمد شوقى و"حبيبة عمرى، ويا ضنين الوعد، وأراك عصى الدمع" للشاعر أبى فراس الحمدانى.
وبالانتقال لعالم الأدب والرواية فمثلت زيارة العقاد للسودان عام 1943م كما تشير السجلات التاريخية لهذه الفترة حدثًا أدبيًا كبيرًا، وكان العقاد إبان وجوده فى الخرطوم ريحانة المجالس والمنتديات الثقافية.
ولعل من أهم لقاءاته فى الخرطوم المحاضرة التى ألقاها فى دار الثقافة والتى حضرها حشد لم يشهد له مثيل فى الخرطوم بالأربعينيات، ولحن الموسيقار المعروف إسماعيل عبد المعين قصيدة العقاد "يا نديم الصبوات.. أقبل الليل فهاتِ" وغناها فى حضرة الأديب الكبير.
ومن علامات الشعر السودانى محمد الفيتورى والذى عمل محررًا أدبيًا بالصحف المصرية والسودانية، وعُيِّن خبيرًا للإعلام بجامعة الدول العربية فى القاهرة فى الفترة ما بين 1968 و1970.
ويعد الفيتورى جزءًا من الحركة الأدبية العربية المعاصرة، وهو من رواد الشعر الحر الحديث، ففى قصيدة "تحت الأمطار" نجده يتحرر من الأغراض القديمة للشعر كالوصف والغزل، ويهجر الأوزان والقافية، ليعبر عن وجدان وتجربة ذاتية يشعر بها وغالبًا ما يركِّز شعره على الجوانب التأملية، ليعكس رؤيته الخاصة المجردة تجاه الأشياء من حوله مستخدمًا أدوات البلاغة والفصاحة التقليدية والإبداعية.