ورطة الاقتصاد المصرى فى صراع السودان.. الخرطوم تحتل المرتبة الثانية ضمن قائمة أكبر 5 أسواق مستقبلية محتملة للصادرات المصرية
ورطة كبيرة يعيشها الاقتصاد المصرى، من جراء استمرار الصدام المسلح الذى قد يجر السودان إلى حرب أهلية طويلة ستنعكس بدورها على الاقتصاد المصرى الذى يعانى من صدمات دولية ما زالت تلقى بمشكلاتها على العالم أجمع، وإن كانت القضية مختلفة كليا فى السودان، إذ ترتبط مصر مع جارتها بعلاقات تاريخية واقتصادية تمتد لآلاف السنين.
واستطاعت الحكومة المصرية تطويرها بشدة خلال السنوات الماضية، وكانت هناك مشروعات طموحة لدعم اقتصاد البلدين فى عدد من السلع الاستراتيجية، لذلك فإن الأحداث المشتعلة فى الخرطوم تؤثر بشكل مباشر على مصر فى كافة الاتجاهات سواء الاقتصادية أو الأمنية والاجتماعية.
تقول الدكتورة هنادى سلطان، الباحثة فى الشأن الأفريقى: لا شك أن الحرب فى السودان شأنها شأن كل الحروب على مستوى العالم ستترك أثرا سلبيا على اقتصادات المنطقة، لاسيما دول الجوار وقد تكون أشد على الدولة المصرية نظرا للعديد من الأسباب.
وأوضحت الباحثة أن السودان شريكا أساسيا لمصر فى عدة مناحٍ على المستوى الاقتصادى والسياسى والاستراتيجى، وهناك عدد من الشراكات القائمة بين البلدين فى مشروعات اقتصادية متعددة، إذ يحتل السوق السودانى المرتبة الثانية ضمن قائمة أكبر 5 أسواق مستقبلية محتملة للصادرات المصرية طبقا لبيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية.
كما يعد السودان البوابة الرئيسية لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق أفريقيا، فالأسواق السودانية تعتبر منفذا مهما أيضًا للصناعات الصغيرة المصرية، وستؤثر الحرب سلبا على هذا القطاع، خاصة فى ظل الركود الاقتصادى العالمى الحالى.
وأضافت هنادى: عدم الاستقرار الإقليمى الناتج عن الصراع فى السودان سيؤدى حتما إلى تخويف المستثمرين ودفعهم للتفكير فى الابتعاد عن التواجد بالمنطقة بأكملها خوفا من احتمالات التقلبات الاقتصادية العنيفة على المناخ الاستثمارى، ولاسيما مصر باعتبارها من أهم بلدان الجوار لدولة اندلعت فيها الصراعات وبالتالى خفض معدل الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
حسب الباحثة، تعد مصر تاريخيا من أهم الدول التى يلجأ إليها المدنيون السودانيون عند اندلاع أي صراع بحثا عن الأمان، وسينعكس هذا السيناريو المؤكد على إلقاء ضغوط كبيرة على الاقتصاد المصرى، لاسيما البنية التحتية التى لا تزال تعانى فى الأساس من التباطؤ بسبب تداعيات فيروس كورونا والحرب فى أوكرانيا.
وأوضحت هنادى أن قرب الصراع السودانى من الجنوب المصرى الذى يعد مقصدا سياحيا شهيرا يستقبل آلاف السياح كل عام سيؤثر على النشاط السياحى فى مناطق مثل أسوان وأبو سمبل وبحيرة ناصر ووادى حلفا مما يعنى انخفاض عائدات السياحة فى مصر ككل.
كما تعتمد مصر على السودان فى استيراد العديد من السلع الغذائية مثل الفول السودانى، والسمسم، والقطن، كما يعتبر أحد أهم الموارد الرئيسية للحوم الحية فى مصر، إذ يقدم السودان نحو 10% من الاحتياجات المصرية، وانخفاض الاستيراد من هذه السلعة الاستراتيجية سينعكس على ارتفاع معدلات التضخم فى البلاد، بالإضافة إلى أن مصر كانت قد بدأت زراعة بعض الحاصلات الزراعية داخل السودان للوصول إلى الاكتفاء الذاتى وإمكانية التصدير للخارج.
وأشارت الباحثة فى الشأن الأفريقى، إلى أن حجم التبادل التجارى بين مصر والسودان بلغ 2 مليار و117 مليون دولار فى الربع الأول من عام 2023، ولاسيما فى القطاعات الغذائية، ومع استمرار النزاع سيحدث انتكاسة كبرى، والصادرات المصرية ستتحول إلى معونات للشعب السودانى لمساعدته على تخطى الأزمة، وتجاوز اثار الصراع، وهو أمر معهود لمصر على مر التاريخ.
وأشارت هنادى إلى مشكلة خطيرة أيضًا، وهى المصريون بالسودان الذين يتواجدون بأعداد ليست بالقليلة، سواء أصحاب مشروعات مختلفة أو العاملون المصريون بتلك المشروعات أو غيرها من المشروعات السودانية، وعلى مصر الاستعداد لاستقبال هؤلاء الذين سيمثلون ضغطا إضافيًّا على سوق العمل المصرى.
كانت وكالة موديز للتصنيف الائتمانى، أشارت إلى خطر متزايد له تأثير ائتمانى سلبى على البلدان المجاورة، وحال تطور الصراع إلى حرب أهلية، سيؤدى ذلك إلى عواقب اقتصادية طويلة المدى، وتراجع جودة أصول البنوك متعددة الأطراف فى السودان إلى جانب ارتفاع القروض المتعثرة والسيولة فى السودان والبلدان المجاورة، فضلًا عن مخاوف أوسع بشأن جودة الأصول لبنوك التنمية متعددة الأطراف ذات التركيز الأعلى على القروض فى تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر، مما قد يؤدى إلى صعوبات فى تأمين مصر لقروضها من المؤسسات الدولية لاسيما صندوق النقد الدولى.
وأكدت هنادى أن الصراع فى السودان سيؤدى إلى زيادة تكلفة الإقراض نتيجة ارتفاع الفوائد على القروض، فضلا عما تركه هذا الصراع من ارتفاع مصاعب التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية لمنح مصر تسهيلات، كما ستتأثر قدرة أعمال البنوك ومؤسسات التمويل متعددة الأطراف على تمويل المشروعات فى المنطقة ككل.
وشددت الباحثة فى الشأن الأفريقى إلى أن مصر قد تكون مضطرة لتأمين حدودها على الأرض والبحر الأحمر والمناطق القريبة من الصراع، مما يتطلب استهلاك موارد مالية كبيرة، وسينعكس ذلك بالكثير من الضغط على الاقتصاد الذى يمر بالفعل بأزمة نتيجة ما خلفته أزمة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية.
ومن جانبه قال الدكتور عادل عبد العزيز الفكى، رئيس مجلس إدارة مركز التكامل السودانى المصرى، إن هذه الأزمة ستقوى العلاقات مع مصر، لأن السودان حكومة وشعب يلقون المساندة والقبول من قبل مصر، ويتم استقبال السودانيين على طول الحدود المصرية السودانية بالترحاب والمساعدات من قبل المصريين.
وأضاف عادل عبد العزيز أنه على مر العهود كانت العلاقات المصرية السودانية على المستوى الشعبى فى وئام وتطور ونشأت العلاقات الاجتماعية وعلاقات الزواج والمصاهرة والعلاقات التجارية بين الشعبين، وفى بعض الفترات كانت تحدث مناوشات بين الحكومات، ولكن كانت الشعوب تتجاوز تلك المشكلات السياسية بشكل مباشر.
وتوقع عبد العزيز أن تساند الحكومة المصرية السودان فى كل المحافل الدولية، وذلك حدث من قبل بمجلس الأمن، عبر التأكيد بأن ما يحدث فى السودان يجب معاملته كشأن داخلى فضلا عن التسهيلات فى إدخال السودانيين مصر ومساعدتهم بمختلف المناطق، والتقدير التام لما تقدمه الحكومة المصرية، حيث يتم استقبال الطلاب السودانيين فى الجامعات المصرية برسوم قيمتها ١٠% فقط كما تقدم المستشفيات المصرية العلاج للسودانيين مثل المصريين.