"منابر الشر".. الكتائب الإلكترونية على السوشيال ميديا خنجر مسموم فى ظهر العلاقات المصرية السودانية.. باحثة: هناك ترابط أزلى بين البلدين.. وعلاقات شعبى وادى النيل «غير قابلة للتخريب»
اللجان الإلكترونية من الظواهر اللافتة، والتى اقترن ظهور عدد كبير منها بالصراع المسلح بين الجيش وميليشا الدعم السريع، وتصعد هذه اللجان من هجماتها لضرب صميم العلاقة بين الشعبين المصرى والسودانى، وأصبحت بمنزلة منابر للشر، تسعى بكل قوة لتدمير العلاقات بين البلدين تزامنا مع تسارع الأحداث وتلاحقها وبدء هروب عدد من المواطنين السودانيين من هول الحرب وفتح مصر حدودها لهم، وبالتالى كانت هذه الإجراءات المصرية من المفترض أن تذيب أي خلافات مضت، لكن يبدو أن هناك من لا يريد للبلدين والشعبين التقارب بأى شكل.
الخبيرة فى الشئون الأفريقية الدكتورة غادة فؤاد، قالت إن العلاقات المصرية السودانية كانت تشهد دوما فترات من الانحسار والازدهار على المستوى الرسمى بين الحين والآخر، ولكن ظلت الصلات والروابط الممتدة منذ مئات السنين بين الشعبين دون تأثر، لكن الأمر تغير الآن، إذ نحيا فترة حرجة وفاصلة فى العلاقة على المستوى الشعبى.
وأوضحت فؤاد أن الفتنة والوقيعة التى حاولت بعض الجهات فى الداخل والخارج من أصحاب المصالح إشعالها بين أبناء السودان البلد الشقيق، يريدون تكرار الأزمة أيضًا بين الشعبين المصرى والسودانى، من خلال التأثير على فئة الشباب، الذين وُلد ونشأ غالبيتهم أثناء فترة حكم نظام البشير السابق، أحد أسباب زرع الفتن والاقتتال بين أهل السودان.
وأضافت: بعض الشائعات التى تُبث حاليا بين الأوساط الشبابية تستلزم التفسير الصحيح لإظهارها بصورتها الحقيقية، مردفة: على سبيل المثال مساندة مصر بعد ثورة 2019 للقوات المسلحة السودانية ليس تدخلا فى الشئون الداخلية للبلاد، بل كانت مساعدة من مصر فى إعادة بناء السودان قدراته البشرية والعسكرية، مؤكدة أن التدريبات المشتركة بصفة دورية من أشكال التعاون العسكرى المصرى الوثيق بين المؤسستين، وسبق للعسكرية السودانية مساندة مصر بعد نكسة 1967، حيث استضافت السودان الكلية الحربية المصرية مؤقتا آنذاك، كما أرسلت قوات لدعم مصر فى حرب أكتوبر 1973، وبالتالى ما قامت به مصر ليس رغبة فى السيطرة على أراضى السودان أو دعم طرف ضد طرف.
وتابعت: ما يقال أيضًا أن مصر تدعم تيارات دينية بعينها دون الأخرى ليس حقيقيًا، بل تتصدى مصر للفكر المتشدد الذى عانت منه البلاد على مدار سنوات طويلة امتدت لأكثر من ثلاثين عاما، وكان نفس الفكر أحد أسباب انفصال جنوب السودان، وكذلك الفتنة الجارية اليوم.
وأوضحت الباحثة أن مصر واجهت الإرهاب وأدركت بعد تجربتها المريرة معه أن محاربته تبدأ من العقول، وعبر تصحيح الأفكار المتطرفة وتنمية الوعى، لذلك تسعى دائمًا لإحياء الروابط الدينية مرة أخرى بين البلدين، كما تقوم بإرسال رجال ونساء الأزهر والأوقاف إلى ولايات السودان المختلفة رغبة فى مساندة أهل الوسطية هناك.
وأشارت فؤاد إلى أن ارتباط أهل السودان برجال الدين فى مصر والمنهج الوسطى للإسلام بدأ فى عهد الممالك القديمة، منها على سبيل المثال مملكة الفور فى غرب السودان، منذ ما يزيد على مائة عام، حيث كان الحكام يستقدمون رجال الدين من الأزهر الشريف لتعليم أبناء المملكة أصول الدين الحنيف الوسطى وهناك رواق فى الأزهر الشريف يسمى كان رواق الفور.
وأكدت الخبيرة فى الشأن الأفريقى أنها لن تطرح تساؤلات نمطية حول من يقف وراء الوقيعة والفتن، وكيف ننساق خلفها دون تفكير، لأنه من المفترض أن هؤلاء الشباب الذين يتحدثون عن مصر والسودان بالسوء كثير منهم جاء إليها أو يعيش بها إما للتعليم أو للدراسة أو لزيارة الاهل والأقارب، ولهذا علينا أن نطرح سؤالا أهم عن الأسباب التى دعت الغربيين لتبنى الوحدة بين أبناء دول الاتحاد الأوروبى، ما أسهم فى نهضتها بعد الحرب العالمية الثانية، متسائلة: يجب طرح تساؤل على الجميع، ماذا سيعود على أبناء السودان ومصر، إذ تقبل بعضنا البعض ونسينا الماضى بما يحمله من مشاعر التشاحن والغضب والقضاء على الفتنة فى مهدها والسعى لتسويق التعاون الاقتصادى وتدعيم التوافق السياسى المشترك حول القضايا الإقليمية والدولية وإعادة المنهج الدينى المعتدل فى البلدين.
وتابعت: يجب التسويق لأهمية استكمال مراحل طريق القاهرة - كيب تاون، والسودان جزء أساسى، وإبصار الجميع بأهمية استمرار هذا الشريان الأفريقى الجديد لربط القارة ببعضها بعضا، بالإضافة إلى تطوير وإعادة هيكلة خطوط السكك الحديدية لتسهيل حركة نقل البضائع والأفراد، وبناء الطريق الساحلى بين مصر والسودان ما يفيد الجانب السودانى والمصرى نظرا لما سيوفره من فرص للتجار والمصدرين السودانيين لتصدير منتجاتهم إلى السوق المصرى الذى يتميز بكثافة الإعداد والسلوك الاستهلاكى، ليس هذا فحسب، بل إن مشروع الربط الكهربائى بين مصر والسودان ومد الشبكة الكهربائية إلى شمال السودان سيحل أزمة لطالما عانى منها أهل السودان كثيرا، وهى انقطاع التيار الكهربائى.
وأوضحت غادة أن تقوية القوات المسلحة السودانية يساعد السودانيين فى الحفاظ على أراضيهم، ولعل ما حدث فى منطقة الفشقة الغنية بالأراضى الزراعية الخصبة كان شاهدا على هذه المحاولات، بالإضافة إلى أنه عامل حسم ضد الحركات وميليشيات التمرد السودانية التى وصل بها الأمر إلى المناداة بانفصال أجزاء أخرى من السودان لتنقسم البلاد إلى دويلات وتنهار الدولة الوطنية الجامعة، وآنذاك ستتحكم جماعات المصالح فى ثروات السودان الهائلة ونعود مرة أخرى لما قبل تكوين الدول الحديثة ويصبح لكل تاجر المليشيا التى تحمى مصالحه ومصالح حلفاؤه فى الخارج وتنتهى ما يعرف بالسودان بحدوده الحالية.
واختتمت: علينا جميعا النظر للقواسم المشتركة التى تجمع بيننا محذرة من الاستسلام للشائعات، مطالبة بالبناء على منهج مصر الجديد فى التعامل مع دول حوض نهر النيل وتبنى مفهوم التعاون والمصالح المشتركة حتى يستفاد الجميع كما فعلت دول أخرى كتنزانيا وأوغندا فإضعاف السودان وتهديد استقراره كما يتصور بعض السودانيين ليس فى صالح القاهرة، فالأمن القومى السودانى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى لمصر.
من جانبه، قال المحلل وخبير السياسات الدولية أشرف سنجر، إن العلاقات المصرية السودانية، علاقات أشقاء وشركاء فى الوطن الكبير، لافتا إلى أن الأجيال المختلفة تترعرع فى مصر والسودان على أننا شعب واحد ومصيرنا مشترك، والأمن المصرى هو الأمن السودانى ويشكلان معا ضمانة من ضمانات الأمن القومى العربى.
وعن انتشار حملات الرامية إلى تدمير علاقات السودان ومصر، أكد سنجر أن محاولة ضرب العلاقات المصرية السودانية طموح وأمل لكل غادر، لكن هذه العلاقة مصانة بالشعبين وتاريخ لا يمكن أن تؤثر فيه حملة إعلامية ممنهجة أو صفحات مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعى.
وأضاف: كل الدول التى تحمل رسالة عدائية ضد السودان أو مصر، لم تنجح بالسابق فى تأجيج أي صراع بين البلدين، لكن المحلل الاستراتيجى شدد على ضرورة مراقبة هذه الحملات وتكذيبها والتصدى لها، مشيدا بأداء العديد من المنصات الإعلامية والصحفيين المصريين فى التصدى لها لإدراكهم أن الترابط بين الشعبين أزلى، بجانب تشعب المصالح بين البلدين على جميع المستويات، لهذا فالحملات لن يكون لها قاعدة أو آذان صاغية، لأن الشعبين المصرى والسودانى يدركان من هو العدو الحقيقى.
وتابع سنجر: ما يحدث اليوم فى الخرطوم نتاج سياسات الرئيس السابق عمر البشير، الذى دمج مجموعات خارجة عن القانون فى الجيش السودانى، دون تأهيلهم فنيا وعسكريا فى المؤسسات الدراسية التابعة للجيش.
واستطرد قائلا: "تحديد مستقبل السودان فى العملية السياسية بعد فترة البشير كشف عن أهمية حسم الخلاف بين مركزية الدولة ومؤسساتها، وبين الاتجاه الذى يقوده قائد عناصر الدعم السريع محمد حمدان دقلو الذى يتمحور فى مصالحه والميليشيا التى يقودها.
وأكد سنجر أن تقدير القيادة المصرية يقتضى بعدم التدخل فى الأزمة السودانية فهى شأن داخلى، لافتا إلى أن المؤسسة العسكرية السودانية قادرة على تطهير البلاد وإعادتها إلى موقعها كدولة قوية.
وفى تقييم الخبير الاستراتيجى أن عناصر الدعم السريع لن يصمدوا، ولن يستمر الصراع، ولن يكون لهذه الميليشيا دور فى مستقبل السودان، كما أن المجتمع الدولى يدرك أن هذه القوات ليس لها ترتيب أو تسلسل قيادى ولا يمكن التفاوض أو التعامل معها، مشيرا إلى أنها لا تمتلك أي أرضية أو شرعية أو شعبية داخل الشارع السودانى لذلك لجأت للصراع المسلح.
وأوضح سنجر: "السودان بلد شجاع وشعبه طيب، ولن يقبل بهذه الجماعة، مشددا على أن المواطنين يتحركون مع الجيش لمحاصرة ومطارده هذه العناصر وهناك تحسن عملياتى على الأرض لصالح الجيش، مشددا على أن الشعب يقف بجانب الجيش لأنه ليس جيش البرهان إنما جيش السودان".
وأشار الخبير إلى عدم امتلاك الدعم السريع إلا أسلحة خفيفة مقارنة بأسلحة وعتاد الجيش السودانى، سيضطرهم إلى الهروب فى النهاية، متوقعا أن لا تنتهى المشكلة عبر طريق المفاوضات وإنما فى أرض المعركة.
وأشار المحلل الاستراتيجى إلى أن عودة قيادات الدعم السريع لتولى مناصب فى السودان مجددا بعد أن رفعوا السلاح ضد المؤسسات والمواطنين، مغامرة محفوفة بالمخاطر، لافتا إلى أن الجيش وضع ضوابط وقواعد من يلتزم بها من هذه العناصر سيتم الترحيب به.
نقلا عن العدد الورقي..