"السيسي" كلمة السر في إنهاء فتنة السودان.. تفاصيل الاتصالات المكثفة للرئيس مع أطراف الأزمة لإصلاح مسار المرحلة الانتقالية وتقليل فاتورة الحرب
حقق الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال فترة حكمه العديد من الإنجازات على مختلف الأصعدة خاصة فى السياسة الخارجية وثبات المواقف المصرية تجاه القضايا القومية الإقليمية ودول الجوار خاصة السودان وليبيا.
أكد الرئيس السيسى فى أكثر من مناسبة أن مصر تقدر علاقاتها الطيبة مع الأشقاء ولا تقبل الإساءة أو الانسياق وراء الفتن، كما شدد على أن علاقة مصر رشيدة ومتزنة مع الجميع، وخاصة الأشقاء، وأشار إلى أن المواقف المصرية ثابتة وتصب دوما فى مصلحة الأمن والاستقرار والسلام ورخاء الشعوب وتنميتها والارتقاء بمستوى الحياة لكل الشعوب.
وحظى السودان بأولوية على أجندة الرئيس السيسى الخارجية، حيث كانت الوجهة الأولى لزيارته الخارجية عقب انتخابه رئيسا للجمهورية عام 2014 ضمن جولة شملت ثلاث دول، وأيضًا بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية، وشيدت القاهرة مرحلة جديدة من علاقتها مع الخرطوم عنوانها العلاقات الاستراتيجية الأخوية عكستها حجم الزيارات المتبادلة بين الجانبين على المستويات الرسمية والحكومية والشعبية والتنسيق فى كافة المجالات والدفع نحو سرعة تنفيذ المشروعات التنموية المشتركة، والدعم لخيارات الشعب السودانى فى صياغة مستقبل بلدهم.
وعقب سقوط البشير فى 2019 ساد العلاقة مع السودان بعض الحذر بسبب أزمة سد النهضة، لكن الفترة الأخيرة شهدت تقاربًا كبيرا بين البلدين وخاصة عقب الأزمة الأخيرة وتطورات الأوضاع فى السودان، حيث نجحت مصر فى استضافة قمة أفريقية مصغرة لمناقشة تطورات الأزمة السودانية، والتى أسفرت عن إقرار التمهل فى الضغط على المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان لتسليم السلطة لحكومة مدينة، وتمديد مهلة الاتحاد الأفريقى فى ذات الشأن التى كانت 15 يوما إلى 3 أشهر تجنبا لانجرار السودان فى دوامة الفوضى.
وتحركت مصر عقب عزل البشير بصفتها رئيسا للاتحاد الأفريقى آنذاك، لاحتواء أي فوضى أو عدم استقرار محتمل بشكل استباقى، والضغط لعدم انتقال الأوضاع إلى صورة تخرج عن سيطرة الجميع، ودعم الدور المحورى للمجلس العسكرى الانتقالى السودانى واستمراره فى إدارة شئون البلاد لفترة تسمح باستقرار السودان.
وحاولت مصر خلال معالجتها للأزمة السودانية منع انجرار البلاد لأى فوضى أو حرب أهلية جديدة، وكثفت مصر من اتصالاتها مع أطراف المعادلة لاحتواء الأوضاع فى السودان والضغط لعدم خروجها عن السيطرة، حيث توافقت رؤى القاهرة والخرطوم على عدم انتقال السلطة فورًا إلى حكومة مدنية فى السودان، شريطة أن يتنازل المجلس العسكرى عن السلطة فى النهاية دون عرقلة استقرار البلاد.
وعقب عزل عمر البشير، أكدت مصر على احترام خيارات الشعب السودانى، وأظهرت الدعم الكامل للحكومة السودانية الجديدة فى سعيها إلى تحقيق تطلعات الشعب السوداني.
وبشأن تقاسم السلطة بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير، حرصت مصر على نقل خبراتها إلى السودان فيما يخص إدارة المرحلة الانتقالية، وبذلت جهودا كبيرة لتجاوز الخلافات، وتشكيل سلطة انتقالية لتمهيد الطريق نحو انتخاب حكومة مدنية.
قدمت مصر رعاية ووساطة مباشرة لتجميع أطراف الأزمة للمساعدة فى بناء استحقاق سياسى للمرحلة الانتقالية بالمشاركة مع القوى الإقليمية الأخرى مثل إثيوبيا والسعودية والاتحاد الأفريقى والتحرك فى مسار تقريب وجهات النظر من خلال المحادثات الهاتفية واللقاءات مع الأطياف كافة.
كما استضافت القاهرة فى أغسطس 2019 اجتماعا بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية لإجراء مفاوضات استمرت يومين حول ما طالبت به الجبهة الثورية بتضمين اتفاقية السلام التى أبرمت مع الحرية والتغيير فى أديس أبابا فى يوليو 2019 والتى نص عليها فى وثيقة الإعلان الدستورى والإسراع فى تشكيل السلطة المدنية الانتقالية وتحقيق اتفاق شامل يبدأ بإجراءات تمهيدية عاجلة تم الاتفاق عليها تعمل على خلق المناخ المواتى للسلام.
كما حضرت مصر ممثلة فى شخص رئيس الوزراء مصطفى مدبولى التوقيع على اتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكرى الانتقالى وممثلو المعارضة فى أغسطس 2019 الذى نص على تكوين مجلس حاكم انتقالى من المدنيين والعسكريين.
وتعاونت الخرطوم مع القاهرة فى التخلص من حكم الجماعة الإرهابية على المستويين الدينى والأمنى عبر محاربة التطرف فى السودان الذى أصبح هدف استراتيجى لمصر، لأن الاضطرابات وأعمال العنف التى يتسبب فيها الإخوان تؤثر على أمن مصر التى تشترك فى الحدود مع السودان.
كما راقبت مصر عن كثب التوترات الحدودية السودانية الإثيوبية بشأن منطقة الفشقة الحدودية المتنازع عليها، انطلاقا من دورها فى حماية السلم بالمنطقة الأفريقية، خاصة البلدان المجاورة، حيث اتهمت إثيوبيا فى بيان شديد اللهجة صادر عن وزارة الخارجية فى ديسمبر 2020 بمواصلة ممارسات عدائية مستمرة ضد محيطها الإقليمى فى إشارة إلى الهجمات الإثيوبية على الأراضى السودانية.
واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى إبان الأزمة وفد من مجلس السيادة السودانى برئاسة الفريق شمس الدين الكباشى ومدير المخابرات العامة جمال عبد المجيد ضمن تحركات إقليمية تشمل عدة بلدان عربية كالكويت وقطر والسعودية لطلب الدعم الدبلوماسى والقانونى.
كما كانت مصر حاضرة فى المفاوضات بين الحكومة الانتقالية السودانية والجبهة الثورية، وشاركت أيضًا كشاهد وضامن فى مراسم التوقيع النهائى على اتفاق جوبا للسلام، ممثلة فى شخص رئيس الوزراء مصطفى مدبولى الذى ألقى كلمة أكد خلالها أن الاتفاق بمنزلة نقلة وخطوة كبيرة فى طريق الأمن بالسودان، وخطوة فارقة على صعيد الجهود الممتدة على مدار عقود طويلة لإحلال السلام الشامل فى شتى أنحاء السودان وبداية لصفحة تتكاتف فيها جهود أبنائه من مختلف الأطياف والتيارات الوطنية للعمل على رفعته وازدهاره.
كما شهدت العلاقات العسكرية المصرية السودانية نقلة نوعية، حيث شهدت أول مناورة جوية مشتركة أطلق عليها "نسور النيل 1" وجرى تنفيذها بإحدى القواعد الجوية السودانية، بمشاركة وحدات من القوات الجوية وعناصر من القوات الخاصة لكلا البلدين.
وترأس الرئيس عبد الفتاح عبد الفتاح السيسى اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتناول الاجتماع تداعيات الأحداث فى السودان، وأكد الرئيس السيسى أن ما جرى فى السودان “شأن داخلي” ومن ثوابت السياسية المصرية ألا تتدخل فى الشئون الداخلية للدول، كما أكد الرئيس السيسى ضرورة إجراء مفاوضات فى السودان لإنهاء الأزمة فضلا عن التأكيد على أمن وسلامة جنودنا الموجودين فى السودان.
عن موقف القوات المصرية فى السودان، أكد الرئيس أنها كانت موجودة طبقًا لبروتوكول تعاون وتدريب مشترك، وأضاف: نحن على اتصال بالجيش السودانى وقوات الدعم السريع لوقف إطلاق النيران والوصول لتفاوض، مؤكدا أن مصر لا تدعم طرفا على حساب الآخر.
نقلا عن العدد الورقي..