من الملك مينا لـ عبد الناصر.. قصة نشأة أقدم علاقة بين شعوب وادي النيل.. النحاس باشا رفض ألاعيب فصل مصر عن السودان.. والزعيم أعطاهم حق تقرير المصير
تملك مصر والسودان تاريخا مشتركا منذ عهد الفراعنة القدماء يعود إلى أول أسرة فرعونية حين وحد مينا القطرين الشمال والجنوب، ليصبح الشعبان موضع تفاعل سياسي وحضاري ساهم في ولادة أقدم العلاقات بين شعوب وادي النيل التي أصبحت أزلية وتاريخية.
جمع مصر والسودان دائمًا مصير مشترك فى أغلب الأحداث التاريخية، إذ بعد إن فتح عمرو بن العاص مصر عام 640م اتجه المسلمون إلى المناطق الجنوبية، وأسفر عن ذلك قيام الدولة الإسلامية في تلك المنطقة، واتجهت إليها الأطماع فوقعت منطقة الوادي كلها شمالا وجنوبا تحت السيادة العثمانية الاسمية.
وعندما تولى محمد على باشا حكم مصر بداية القرن التاسع عشر، دخل الأراضى السودانية عام 1820، وعن طريق حملاته العسكرية هناك، تمكن من القضاء على المماليك ووضع المنطقة تحت قيادته حتى تم تأسيس الوحدة السياسية لوادى النيل فى ظل الدولة الحديثة، وهنا أطلق المصريون على المنطقة الجنوبية اسم السودان، وأضافوا إلى الاسم صفة «المصري» فأصبح «السودان المصري».
وعهدت الدولة العثمانية إلى محمد على بإدارة مديريات النوبة ودارفور وكردفان وسنار وسواكن ومصوع، واتسعت بعد ذلك رقعة السودان واندمج مع مصر عام 1869، وأصبح بلدا ينتقل الحكم فيه بطريق التوريث من الخديو إسماعيل إلى أكبر أولاده سنا.
ظل السودان ومصر في وحدة متكاملة حتى توقيع اتفاقية الحكم الثنائى الذى أعقب الثورة المهدية والاحتلال البريطانى للسودان، حيث جرى التعامل مع السودان على أساس دستور 1880، وكان يمثل السودان فى البرلمان المصرى 17 نائبا استنادا إلى قانون الانتخابات تحت السيادة العثمانية الاسمية على اعتبار مصر والسودان دولة واحدة.
بعد قيام الثورة المهدية وقيام الحكم الثنائى انفصلت السودان عن مصر عام 1885 حتى 1898 التى سرعات ما جرى تصفيتها بواسطة بريطانيا وعاد السودان مرة أخرى إلى الوحدة مع مصر بمشاركة بريطانيا المحتلة لمصر وقتئذ، ورفع العلم المصرى البريطانى معا على الأراضى السودانية، وبدأ التعاون الاقتصادى بين مصر والسودان خاصة فى مجال الزراعة.
أرسلت مصر المهندسين والخبراء الزراعيين لتدريب الأشقاء السودانيين على أصول الزراعة، كما استقدمت مصر الطلبة السودانيين للدراسة فى المدارس الزراعية المصرية.
كما أسهم الجيش المصرى فى مشروع مد خطوط السكك الحديدية إلى السودان وعمل حواجز هناك لمواجهة فيضان النيل الأزرق، إلا أن الإنجليز أحكموا قبضتهم على السودان، وصار مستعمرة إنجليزية وانفردت بريطانيا بحكم البلاد، ورغم ذلك ظل التواصل الثقافى مستمرا بين المصريين والسودانيين حيث تمسك المثقفون السودانيون بشعار وحدة وادى النيل.
وعندما قامت ثورة 1919 انتهت الحماية البريطانية عن مصر لمصر، وصدر تصريح 28 فبراير وتأثر السودان وتطلع أهله إلى الاستقلال والاستعانة بتجارب مصر فى الكفاح فى هذا الشأن، فكونوا جمعية سرية أطلقوا عليها جمعية الاتحاد السودانى هدفها مقاومة مساعى الإنجليز فصل السودان عن مصر، وعملت الجمعية على مقاومة السياسة البريطانية من أجل التحرر من نفوذهم وإقامة اتحاد مع مصر.
تطور الاتحاد السودانى وانتقل إلى العلن باسم جمعية "اللواء الأبيض" التى تمكنت من تهريب رسائلها إلى المثقفين والمجاهدين فى مصر ومساعدة الطلبة السودانيين على الدراسة فى مصر، كما أرسلت الجمعية برقية إلى البرلمان المصرى عام 1924 تعلن إخلاصها لجلالة الملك فؤاد الأول، إلا أن الموقعون على البرقية تعرضوا للعقوبات والنقل من وظائفهم.
تضمنت معاهدة 1936 إشراك مصر فعليا فى إدارة السودان ونتج عن ذلك عودة الجيش المصرى إلى هناك بناء على قرار مجلس الوزراء المصرى فى مارس 1937، وبعد إلغاء معاهدة 1936 عام 1951 وكذلك اتفاقية الحكم الثنائى لعام 1899 التى تنص على إدارة السودان بالشراكة بين مصر وبريطانيا، جرى تعديل الدستور وإعلان فاروق ملكا على مصر والسودان وتشكيل جمعية تأسيسية مهمتها وضع دستور خاص تجرى بموجبه انتخابات لتكوين برلمان سودانى.
لكن الأحزاب فى السودان رفضت ذلك وقامت الجبهة السودانية لتحرير السودان مطالبة بحق تقرير المصير وجلاء القوات الأجنبية.
تأسس مؤتمر الخريجين وهو كيان تم تدشينه للحصول على الاستقلال وبعد انعقاده اتخذ قرارا بالاتجاه إلى سودنة البلاد بعيدا عن أي حكم آخر، وأرسل المؤتمر آنذاك وفدا إلى مصر للتعريف بقضية السودان، وتفهم مطالبهم بقيام حكومة سودانية ديمقراطية تحت التاج المصرى، لتتخذ مصر قرارا عام 1947 بعرض القضية على مجلس الأمن من خلال وفد برئاسة رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى لكن فشلت مفاوضات الاستقلال.
أعيدت المفاوضات مرة أخرى بعد مقتل النقراشى وتولى الوفد الوزارة، حيث حاولت بريطانيا من جديد فصل القضية المصرية عن السودانية، وهنا قال النحاس باشا، وكان رئيسا للوزراء، قولته الشهيرة: «تقطع يدي ولا يقطع السودان»، جاء ذلك فى الوقت الذى أكد فيه وزير الخارجية الوفدى محمد صلاح الدين باشا، موافقة مصر على إعطاء السودان حق تقرير مصيرهم.
أخذت العلاقات منحى آخر بعد قيام ثورة يوليو 1952، والتى اعترفت بحق السودان فى تقرير مصيره، واعتبرت الناصرية زوال الحكم الإنجليزى المدنى والعسكرى عن السودان شرط أساسى لممارسة السودانيين حق تقرير مصيرهم.
جرى توقيع اتفاقية السودان فبراير 1953بمنح البلاد فترة انتقالية ثلاث سنوات يتم فيها تكوين جمعية تأسيسية لإعداد الدستور السودانى وانتخاب البرلمان لإقرار مستقبل البلاد، وهنا تأسست أول حكومة وطنية سودانية برئاسة إسماعيل الأزهرى فى يناير 1954.
تمتعت السودان باهتمام مجلس قيادة الثورة وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب نظرا لتربيته ونشأته فى السودان وعمله فيها سنوات طويلة، كما عمل جمال عبد الناصر فترة طويلة بالسودان وكذلك صلاح سالم الذى أسندت إليه شئون السودان، كما تولى مسئولية الاتصال بجميع الأحزاب السودانية لتوقيع وثيقة أصبحت فيما بعد وثيقة الحكم الذاتى واعتبرت أساس الدستور السودانى مع الاحتفاظ بوحدة السودان بوصفه إقليما واحد.
نصت الوثيقة على تشكيل لجنة للسودان من عضو مصرى وعضوين إنجليز وثلاثة سودانيين، واشترط انسحاب القوات المصرية والإنجليزية عن السودان فور تشكيل البرلمان السودانى.
ومع تعالى الأصوات فى السودان مطالبة بالاستقلال، احتفظ السودانيين للشعب المصرى بمكانة خاصة، وحضر إلى مصر وفدا لمقابلة عبد الناصر لإخطاره بتحول الاتحاديين نحو الاستقلال، فرد عليهم عبد الناصر قائلا: "لو كنت مكانكم لاخترت الاستقلال ".
بعد منح الاستقلال عبرت مصر بشعبها وقيادتها عن سعادتها باستقلال السودان، ووجه عبد الناصر خطابا لتهنئة شعب السودان، والفرحة لانتصار سيادتهم الكاملة، وأثنت الصحافة السودانية على مصر واعترافها بما أسدته لها من جليل الخدمات، معلنة أنها لن تنكر أيادي مصر البيضاء على قضية السودان.
وانفصلت السودان رسميا عن مصر فى أغسطس 1955 وتم إعلان دولة السودان فى ديسمبر 1955 ثم إعلان الاستقلال الرسمى فى يناير 1956.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.