الدكتور يوسف العميري يكتب: من القاهرة إلى الخرطوم.. الشقيقة الكبرى التي لا تشيخ
في قلبي مكانة كبيرة لأرض الكنانة، فهذه مصر التي تعلمت فيها، وخالطت أهلها لعقود فعرفتهم وعرفوني.. ثم عدت لأرد الدين بالاستثمار والعمل.
ولست وحدي من احتضنت مصر من أبناء مختلف البلدان العربية، فهذه عادة الشقيقة الكبرى، التي فاضت بمحبتها على الجميع، ودخلت قلوبنا منذ الصغر عبر أفلامها ومسلسلاتها وفنونها.
كذلك كان لأبنائها من معلمين وأطباء ومهندسين وحرفيين وغيرهم دورهم في نقل العلم والمعرفة، في كثير من الدول العربية، وهو الأمر الذي يعترف به الجميع ويقدره.
كثير من الذكريات والمواقف التي تجمعني ومصر وأهلها يمكنني أن أكتب عنها مجلدات، لكنني في هذه المساحة أود أن أشير إلى دور مصر في احتضان كل عربي ضاقت به السبل.
وربما سبب ما أكتبه هذا هو ما يحدث الآن في السودان، الذي ندعو الله أن يحفظ أرضه وشعبه الطيب من كل شر، وأن يحقن الدماء بين الأشقاء هناك.. فمهما كانت نتائج الحرب والقتال، سيكون الشعب هو الخاسر.. فهذه دماء زكية تراق على أرض عربية حبيبة.
فقبل أيام، ومع اندلاع شرارة الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم، على خلفية ذلك الخلاف بين البرهان وحميدتي، ورغم وجود بعض الجنود المصريين هناك في موقف ليس بالسهل، لم تعلن القاهرة غضبها وتهدد وتتوعد، لكن كان الخطاب هادئا يعكس حكمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان يعلم أن أبناءه سيعودون سالمين، وبالفعل ما هي إلا أيام وعاد الجنود المصريون معززين مكرمين.
وبعد أيام قليلة من بدء القتال، ما كان من مصر إلا أنها أعلنت فتح الحدود أمام الأشقاء السودانيين دون تأشيرة، وفتحت ذراعيها لاستقبال المكروبين من أبناء السودان، كما فعلت من قبل مع غيرهم.
مصر المحفوظة برعاية الله، هي التي مهما مرت بظروف صعبة، لا تتأخر عن نجدة أشقائها، فقبل عقود انتصرت للحق ووقفت إلى جانب الكويت عقب الغزو العراقي حتى كان التحرير، ثم على مدار سنوات طوال ظلت تدعم الأشقاء في ليبيا واليمن وسوريا.. فضلا عن دعمها المطلق والتاريخي لفلسطين.
وحتى حين شهد العراق الكثير من الفوضى والدمار، كانت مصر أولى الدول التي استقبلت العراقيين، وفتحت لهم أبوابها.
أقول ذلك لكل من قال في يوم إن القاهرة فقدت دورها في المنطقة العربية، فأصحاب هذه الادعاءات لا يعرفون مصر حق المعرفة.. فهي الشقيقة الكبرى وقلب العروبة النابض.
صحيح أن مصر قد تمر بظروف اقتصادية صعبة في بعض الأوقات، وهو الأمر الذي يحدث في العالم كله، ومع ذلك فإنها أبدا لا ترد أحدا خائب الرجا، ولا تتنصل أبدا من دورها التاريخي في احتضان كل عربي مأزوم.
انزل الشوارع، في القاهرة والإسكندرية وسيناء وأسوان وأسيوط والواحات والإسماعيلية والشرقية وغيرها.. ستجد الترحاب من المصريين، فإذا عرفوا أنك كويتي أو تونسي أو سعودي أو سوداني أو يمني أو مغربي أو فلسطيني أو.. أو.. سيزيد كرمهم، وتتسع ابتسامتهم.
في مصر لن تشعر أنك غريب، فهذه أرضك وهؤلاء أهلك.. لن تسمع لفظ «لاجئ» أو حتى «ضيف»، فالجميع سيخبرونك أنك في وطنك بين أهلك وناسك، وسيفعلون ذلك بكل حب.
يا سادة، في مصر سر لا يعرفه غير أهلها وهو الرضا رغم كل الظروف والصعاب التي قد تواجههم، كما أنهم أهل كرم ومروءة وشهامة، ولهذا كله أحب مصر وأهلها.. ودوما كانت وستكون مصر هي الشقيقة الكبرى، ومع ذلك فهي لا تشيخ ولا تعجز كما قال أحمد فؤاد نجم (الزمن شاب وأنتي شابة هو رايح وأنتي جاية).