رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء عادل فودة: كنا "رادارات" بشرية خلف خطوط العدو الإسرائيلي.. وأبلغنا القيادة بتحركاته وتجهيزاته (حوار)

اللواء عادل فودة
اللواء عادل فودة أحد أبطال الكتيبة التاسعة استطلاع، فيتو

>> الاسم الكودى للمجموعة خلف خطوط العدو كان ( قمر)
>> هذه أسرار 166 يومًا خلف خطوط العدو.. وشهدت النصر على وجه إبراهيم الرفاعى
>> كان دورنا أن نجوب سيناء على أقدامنا ورؤية الهدف بالعين المجردة
>> إسرائيل عرضت على رؤساء القبائل مبالغ طائلة للإدلاء بمعلومات عنا ولكنهم رفضوا كل المغريات 
>> كنا نستخدم فى تنقلنا داخل سيناء الجمال والملابس البدوية
>> المشير أحمد إسماعيل استقبلنا بنفسه وتم تكريمنا فى الذكرى الخمسين لحرب 10 رمضان


 

نجحت المخابرات العسكرية والاستطلاع، أو الرادارات البشرية فى تحطيم الأسطورة الإسرائيلية فى حرب أكتوبر المجيدة، وجعلتها كتابا مفتوحا أمام القادة الذين خططوا للضربات التى قسمت ظهر العدو.
ومن هؤلاء اللواء عادل فودة وكان وقتها نقيبا حيث بدأ مهمته يوم السادس من أكتوبر ٧٣ حتى ٢١ مارس ٧٤، وهو أحد أبطال الكتيبة التاسعة استطلاع خلف خطوط العدو الذى التقته "فيتو" فى سياق الحوار التالى:

 

*قبل الحديث عن بطولات أكتوبر، هل حدثتنا عن دورك فى حرب الاستنزاف؟


كنت ضمن الكتيبة التاسعة التى أنتمى إليها والتى أدت دورا بارزا فى المعارك، وأحب أن أوضح أن مهمة ضباط وأفراد الاستطلاع قبل حرب أكتوبر كانت شاقة جدا، وكنا “رادارات” بشرية كشفت إسرائيل لأننا كنا نعمل بمعدات بسيطة عبارة عن جهاز إرسال وبوصلة ونظارة ميدان، وكان دورنا أن نجوب سيناء على أقدامنا ورؤية الهدف بالعين المجردة، وإرسال كل التفاصيل مهما كانت بسيطة إلى القادة فى مصر لرسم صورة حية للعدو داخل سيناء والحمد لله استطعنا أن نؤدى مهمتنا بنجاح.
وساعدنا فى بعض هذه المهام إدلاء من بدو سيناء وكنا نتحرك على اقدامنا مسافات طويلة أو بواسطة الجمال

*هل كان ضابط الاستطلاع يتلقى تدريبات خاصة للعمل خلف خطوط العدو؟


طبعا هناك تدريبات خاصة وضابط الاستطلاع يتم تدربيه على بعض المهارات لكى يستطيع العيش فترات طويلة خلف خطوط العدو دون إمدادات، وقد تلقيت العديد من الفرق أهمها القفز من المظلات وفور الانتهاء منها تم إبلاغى فى مساء ١٢ فبراير عام ١٩٧٠ بأن القيادة قررت تخريج دفعتى وهى آخر دفعة فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
وأذكر وقتها أنى تحركت مع وزملائى البالغ عددهم ٢٠ ضابطا إلى إنشاص لتلقى باقى التدريبات وفى الساعة الثامنة والنصف صباحا وفى منتصف الطريق فوجئنا بطائرة إسرائيلية من طراز الفانتوم التى كانت أحدث طائرات العدو وقتها تطير على ارتفاع منخفض
على الفور أصدر قائد الجناح أوامره إلى سائق العربة بالتوقف وانتشرت أنا وزملائى فى أماكن قريبة من السيارة حتى لا يرانا العدو ويستهدفنا، وبعد دقائق قليلة شاهدنا صعود الطائرة مرة أخرى للسماء وقامت بإسقاط القنابل خلفها وارتفعت الحرائق وكانت هذه الحرائق جراء تدمير ها مصنع أبو زعبل للصناعات المعدنية.
كان المشهد مؤلما ودافعا لنا للإعداد جيدًا وإنقاذ أهالينا، بعدها وصلنا وانضممت إلى الكتيبة التاسعة والعمل تحت قيادة المقدم أركان حرب أحمد صلاح والمقدم أركان حرب محمود عبد الله وقمنا بعمليات خاطفة ضد العدو فى سيناء نجمع المعلومات ونرصد تجمعات العدو ونرسلها إلى القيادة بكل تفاصيلها.

*حدثنا عن الدور الذى كلفت به فى حرب العاشر من رمضان؟


فى 30 سبتمبر كنت فى إجازة بسيطة وفور عودتى تسلمت مهمتى المتمثلة فى جمع المعلومات من المنطقة القريبة من حدود العدو ومطار الميلز، وكان معى فى تلك المهمة الرقيب محمد السويفى الذى يعد من أكفأ جنود الإشارة والرقيب مجند محمود سالم أحد امهر جنود الاستطلاع، وكان الاسم الكودى للمجموعة خلف خطوط العدو (المجموعة قمر)، وبدأنا للتجهيز فى ليلة الخامس من أكتوبر
واتجهت فى صباح يوم السادس من أكتوبر فى سيارة إلى مطار ألماظة فى تمام الساعة الواحدة والنصف، كانت المجموعة فى مطار ألماظة وفوجئت بوجود البطل العقيد إبراهيم الرفاعى ومجموعته ومعهم الأقنعة الواقية.
وبعد نصف ساعة بالتحديد شاهدنا هبوط طائرتى ميج 21 على أرض المطار ونزول الطيارين فرحين ويلوحون بعلامات النصر وقال أحدهم بصوت عال تغمره الفرحة: يا رجالة ضربنا القوات والمواقع الإسرائيلية.
ولم أصدق أن الحرب قد بدأت ولكن بعد لحظات أذاعت الإذاعة المصرية البيان العسكرى الأول، وانهمرت دموع الفرح من عين كل بطل وفى تمام الساعة الثالثة والنصف توجهنا أنا ومجموعتى إلى مطار أبو صوير، فقد حملتنا الطائرة واتجهت إلى سيناء وفى الطريق قامت الطائرة بضرب العربات الإسرائيلية m13 والتى كانت تسير على الطريق الأوسط 
ثم هبطنا أنا ومجموعتى من الطائرة خلف جبل المغارة، وتحركت المجموعة فى ظلمة الليل إلى منطقة جبلية ونجحنا فى إجراء أول اتصال بالكتيبة فى الساعة الخامسة من صباح يوم الأحد السابع من شهر أكتوبر
وقد علمت إسرائيل بتواجد المجموعة فى سيناء بعد ثلاثة أيام من وصولها على الأرض، وحاولت تتبعنا وعرضت على رؤساء القبائل مبالغ طائلة للإدلاء بمعلومات عنا ولكن رؤساء القبائل الشرفاء رفضوا كل المغريات، بل كانوا يساعدوننا فى الخفاء.

* ماهى أهم المعلومات التى أمدتها مجموعتك للقيادة أثناء العمليات الحربية؟


كانت مهمتنا الإبلاغ بتحركات العدو وتجهيزاته، وكان أول بلاغ لنا للقيادة عن قيام إسرائيل باستدعاء الاحتياط لديها لمواجهة قواتنا فى عمق سيناء، بعدها واصلنا الكفاح والانتقال من مكان إلى آخر
وكنا نستخدم فى تنقلنا داخل سيناء الجمال والملابس البدوية وفجأة تعطل جهاز الإرسال الخاص بالمجموعة، وكان لا بد من لحام السلك الداخلى فذهبت مع أحد البدو لإصلاح الجهاز ثم عدت سريعا وخلال تواجدى فقدت الاتصال بأحدهم فقمت بالبحث عنه وبعد مسيرة ٢٤٠ دقيقة على الأقدام جلست للاستراحة بعض الوقت فجاءنى أحد بدو سيناء يبعدنى بقوة عن مكان استراحتى
وظننت أن هناك قوة إسرائيلية قريبة ولكن بعد لحظات وجدت مجموعة من الثعابين تخرج من المكان وتحاول إصابتى، ولكن عناية الله التى أرسلت لى هذا البدوى فى قلب صحراء وجبال سيناء لإنقاذى.

*ما أهم الذكريات التى تريد أن ترويها لنا عن الفترة التى قضيتها خلف خطوط العدو ولا تنساها حتى الآن؟


أنا وكل أبناء الجيش المصرى كنا فى مهمة مقدسة لاسترداد أرضنا، لم نعتد على أحد أو أرض خارج حدودنا، لذلك كانت عناية الله ترعانا فى كل مكان نذهب إليه، ولى العديد من الذكريات ففى الأول من شهر فبراير عام ١٩٧٤ بعد الحرب بشهور نفذت المياه التى كانت معنا وكاد العطش أن يقتلتنا ولا توجد أي إمدادات، ولكن عناية الله تمثلت فى هطول الأمطار بغزارة فشربنا واغتسلنا بعد أيام من المعاناة من العطش.

* كيف كان الاستقبال لدى عودتكم سالمين بعد كل هذه المدة؟


كانت عودتنا إلى القيادة شيئا رائعا لأنه كان مستحيلا أن يتحمل أفراد أي مجموعة كل هذا الوقت خلف خطوط العدو والعودة سالمين، وكان خبر وصولنا فرح لكل جهاز الاستطلاع واستقبلنا المشير أحمد إسماعيل بنفسه، وتم تكريمنا.فى الذكرى الخمسين لحرب العاشر من رمضان.

 

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

 

الجريدة الرسمية