رئيس التحرير
عصام كامل

حوار مع خلية.. "لامؤاخذة نايمة"


كلمة "خلية" لا تعجبنى، تصيبنى بالغثيان لأنها تذكرنى دائما بحصص العلوم السخيفة وما يطرح فيها من مصطلحات مثل حيوانات منوية، ذرات – بالذال وليس الزين، تلقيح صناعى، وما على نفس الشاكلة.. ولكن من محاسن الصدف ولطائفها أن تصادف فى حياتك خلية لها رأس وأطراف وتسير على قدمين وترتدى "قميص وبنطلون" أو بدلة وتتحدث وتتكلم وتسأل وترد.

والأجمل أن تكتشف أن هذه الخلية كانت متخفية فى صورة بنى آدم يجلس فى مكتب مجاور لك أو يشاركك المقعد الخلفى فى الميكروباص أو يزاحمك فى معركة الصعود لعربة المترو، والأدهى أنه ربما يشجع الأهلى، نادى الشعب والبلد والحكومة وكل الأنظمة، ويستفزك كزملكاوى مقهور ضمن صفوف المعارضة الكروية.
كانت فرصة نادرة أن تفتح لى الخلية نواتها، أقصد قلبها، وتقبل أن أجرى معها حوارا إنسانيا بعد أن أعلنت عن وجودها الشرعى على الساحة وكشفت عن شخصيتها بعد سنوات من ارتداء الأقنعة والماسكات ومساحيق التلون والتطبيل خوفا من بطش فيروسات أمن الدولة التى التهمت كثيرا من خلاياها الشقيقة فى عهد النظام السرطانى البائد..
حضرة الخلية هل أنت مستعد؟
_ الحمد لله أتفضل.
على مدى معرفتنا الطويلة لم أشعر أن لك نشاطا "خلوى" فكيف كانت طبيعة هذا النشاط ؟
_ بابتسامة يكسوها الخبث: بصراحة أنا كنت خلية نايمة.. ودى وظيفة مش صفة.
نايمة !! فى سرير مين بالظبط؟
_ بحمرة خجل: فى فراش السلطة بس أرجوك ماتفهمنيش غلط.
فراش.. ومتفهمنيش غلط !! إزاى يعنى ؟
_ حضرتك فاكر أفلام نادية الجندى لما كانت كل مرة بتروح إسرائيل وبتعمل حاجات استغفر الله العظيم مع رجالة الموساد؟
أجبت بسرعة: ودى حاجة تتنسى
_ مش الأستاذة الفنانة كانت بتعمل شىء وطنى مهما اختلفنا عليه
أكيد بس ..
_ قاطعتنى الخلية: أهو اللى أنا كنت بعمله كان شىء أكبر من الوطنية .. ده جهاد فى سبيل الله
باندهاش قلت له: جهاد فى سبيل الله إزاى .. حضرتك راجل ودى حاجات يتهز ليها عرش الرحمن يابيه ؟
_ ردت الخلية بانفعال: أهى دى مشكلتكم ياليبراليين .. دائما بتبصوا على النص التحتانى .. أرجوك ياحضرت افهمنى صح مهو النوم فى فراش السلطة لا يعنى الحاجات دى والعياذ بالله .
امال إيه .. فهمنى ياجهبذ؟
_ الحرب خدعة يا سيدى .. أنا مثلا كنت شغال صحفى فى جريدة كبيرة وعلى مدار 30 سنة خدمة كنت بنفذ دورى فى خطة التمويه لغاية ما ربنا يأذن وتحين ساعة النفير.
النفير ده مش اللى بيعمله الحصان بمناخيره ؟
_ لا لا النفير هو الساعة التى تهب فيها كل القوى المؤمنة لإعلاء كلمة الحق
اللهم قوى إيمانك يا شيخ .. بس غريبة يا أستاذ خلية.. أنا عمرى ماشفت لحضرتك مقال واحد مابيطبلش لمبارك .. ده انت كنت من مشاهير صحافة الواحدة ونص يا راجل ، حتى يا شيخ كنت بتفعص أى محرر يتجرأ ويطرح فكرة تفوح منها رائحة نقد للنظام ؟
_ منا قلتلك .. خطة التمويه
شعور فظيع جدا إنك تعيش بوشين .. طب عمرك ما بليت المخدة من الدموع ألما وتعصرا على حال أخواتك ؟
شوف النقطة دى بالذات كانت وجعانى أوى .. وجع ولا وجع تامر حسنى وهو بيتسهوك ..أ نت فاكر رأفت الهجان لما كان بيزغرد مع اليهود لما هزمونا فى 67 ؟.
أجبت بثقة: طبعا ..
_ أهو أنا كنت بمثل قدامكم زية بالظبط، ولما انفرد بنفسى هاتك ياسح دموع وبرابير على اخواتى اللى بيتنفخوا فى السجون والمعتقلات .. بس الحمد لله زالت الغمة
الواضح ان حضرتك متأثر بالأستاذ محمود عبدالعزيز والنجمة نادية الجندى ؟
_ ضحكة صفراء: للضرورة أحكام .. انت عارف شعارنا "واعدوا" .. ورأفت الهجان ودموع فى عيون وقحة والثعلب وامرأة هزت "وسط " تل أبيب ، كانت والحمد لله خير إعداد.
كان الحوار ساخنا بين شد وجذب الى أن على صوت التلفاز المرابض بجوار مكتبه ملقيا لنا بآخر الأخبار.. ماذا نرى الآن ؟ رجلا جادا بزى عسكرى "رتبة لواء تقريبا" جاد الملامح، رخيم الصوت، رخم المظهر، يذكرك بالبيانات اياها التى كانت تصدر كل ربع ساعة عقب ثورة يناير.
قال اللواء متجهما: "بسم الله الرحمن الرحيم .. الإخوة والأخوات.. أبناء مصر الأبرار .. فى هذا الظرف الدقيق الذى تمر به بالبلاد والذى آل بأبنائها إلى انقسام قد يودى بوحدة الصف المصرى، وإيمانا من قواتنا المسلحة بدورها الحامى للدولة ومؤسساتها وتأكيدا على انحيازها التام للشعب.. قرر .."
فى تلك اللحظة الحاسمة انقطع التيار الكهربائى .. وهو ده وقته ؟ البلد بتولع يا رجالة .. حالة من الهرج والمرج عمت المكان .. أنباء من هنا وكلمات غير مفهومة من هناك بينما الأستاذ خلية ظل متماسكا هادئا كعادته ولكنه على عكس المتوقع دعانى لاستكمال الحوار وكأن شيئا لم يكن ..
قالى لى : كنا بنقول إيه ؟
قلت : مش فاكر بصراحة؟
رد بسرعة: أه أقولك أنا .. كنت بقول إن مصر دولة من دول الجبهة.. أى فى مواجهة العدو الصهيونى وده معناه أن الحكم العسكرى هو الأنسب لطبيعة البلد وظروفها.
بس خلاص .. "تيييييييييييييت".


الجريدة الرسمية