كواليس الفرصة الأخيرة لإنهاء القطيعة بين السعودية وإيران.. سوريا ترحب بالاتفاق بين الرياض وطهران أملا فى العودة إلى الجامعة العربية
لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع إنهاء الصراع التاريخى بين السعودية وإيران، الجارتين اللتين يجمعهما ما صنع الحداد، عداء مذهبيا وفكريا وسياسيا وقوميا، تربص لا ينقطع، وتحالفات معادية وتنظيمات عابرة للحدود، لكن كل ذلك فجأة تدحرج مثل كرة الثلج، مخلفا مفاجأة بإعلان اتفاق إيرانى سعودى برعاية صينية.
الصدمة لا زالت تلقى بتأثيرها على ملفات وأزمات المنطقة، ولهذا تتجه الأنظار إلى اللقاء المرتقب بين وزيرى خارجية البلدين خلال شهر رمضان، ويعول عليه الكثير من الخبراء فى تذويب الجليد الذى يجمد العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران منذ عقود مضت.
منذ عقود والخلاف السعودى الإيرانى يفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمى، لكن ظهرت فى الآونة الأخيرة عدة مؤشرات على تغير حسابات الطرفين، مفادها انتهاج الدبلوماسية وتبنى لغة الحوار وتجنب التصعيد المتبادل، وهذا ما تم تأكيده فى الاتفاق المُعلن يوم 10 مارس، من حيث تم التعهد باحترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية.
وتُعد الأزمة اليمنية العنوان الأبرز للصراع بين السعودية وإيران، حيث شكلت الملف الأكثر تعقيدًا على طاولة المفاوضات التى أجريت بين الجانبين خلال الأشهر الماضية، وفى ضوء الترحيب الحوثى باتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران واعتباره «خطوة إيجابية»، من المرجح أن يسهم هذا الاتفاق فى دعم الجهود الأممية والإقليمية المبذولة لإنجاز الحل السياسى فى اليمن، إذا تم العمل على وقف هجمات الحوثيين وتصعيدهم العسكرى، ودفع إيران لهم للجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة الشرعية.
وتأمل الشرعية اليمنية أن تُسفر عودة العلاقات السعودية الإيرانية عن توقف طهران عن تقديم الدعم للمليشيا الحوثية، وأن تضغط على الأخيرة من أجل تفعيل المسار السياسى وصولًا إلى تسوية شاملة للأزمة الحالية.
وعلى الرغم من التفاؤل بأن الملف اليمنى قد يشهد حلحلة فى الفترة المقبلة بعد الاتفاق السعودى الإيرانى، فإنه ما زال مشوبًا بالحذر، حيث لا يمكن تجاهل وجود العديد من القضايا المُعقدة فى هذا الملف، والتى قد تحتاج إلى جهود كبيرة وجدية من الحوثيين وبضغط إيرانى حتى يتم التوصل إلى حلول بشأنها.
أدى العراق دورًا كبيرًا فى الوساطة بين السعودية وإيران بعد استضافة بغداد لجولات الحوار بين الجانبين ويتوقع أن ينعكس الاتفاق بينهما إيجابيا على الساحة العراقية عبر تعزيز الاستقرار السياسى، إذ قد يسهم التقارب السعودى الإيرانى فى رأب الصدع بين القوى الشيعية والسُنية فى العراق، وهو ما يعنى الإسهام فى حلحلة المشكلات المستفحلة منذ عام 2003 ووضع حد لتغول المليشيات على الدولة ووقف الهجمات ضد الأراضى السعودية التى أعلنت بعض المليشيات العراقية الموالية لإيران مسئوليتها عنها فى العامين الماضيين.
رحب النظام السورى بالاتفاق بين السعودية وإيران، إذ قد يساعد الاتفاق على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، خاصة فى ظل ما شهدته الأشهر الأخيرة من تقارب للدول العربية مع النظام السورى برئاسة بشار الأسد، والحديث المتصاعد عن الرغبة فى إعادة العلاقات مع دمشق.
على الرغم من تأكيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبنانى، أن الاتفاق السعودى الإيرانى «لن يكون على حساب شعوب المنطقة»، وزعمه أن «إيران تدعم المقاومة فى لبنان وفلسطين ولا تتدخل فى قراراتها»؛ فإنه من المحتمل أن يُسهم هذا الاتفاق فى حل أزمة الفراغ الرئاسى فى لبنان، والممتدة منذ انتهاء ولاية ميشال عون فى 31 أكتوبر 2022.
يقول المحلل السياسى والباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور حسن أبو طالب، أن اللقاء المنتظر بين وزيرى خارجية السعودية وإيران، هو تطبيق للاتفاق الذى تم التوصل إليه بوساطة صينية وهدفه بحث الإجراءات الدبلوماسية والسياسية لإعادة السفراء وفتح السفارات لكى تعمل بصورة طبيعية وفق الأعراف الدبلوماسية.
وأضاف أبو طالب أن اللقاء قد ينتج عنه اتخاذ عدة خطوات لتثبيت حالة الانفتاح المتبادل وترسيخ قدر من الثقة المتبادل والحرص على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل فى الشأن الداخلى.
وأشار أبو طالب إلى أنه من المرجح بحث خطوات عملية لإنهاء الأزمة اليمنية لاسيما تنشيط المباحثات بين الفرقاء اليمنيين ووقف القتال والعمليات العسكرية والأهم تحديد شكل العلاقة الجديدة بين اليمن والسعودية سواء فى مرحلة المباحثات أو ما بعدها، والمؤكد أن بعض الخطوات الخاصة باليمن سوف تتطلب بعض الوقت.
ويلاحظ أن الطرفين السعودى واليمنى حريصان على إعادة بناء العلاقة بينهما كدولتين جارتين يمكن أن تتعاونا معا فى بناء حالة أمنية إقليمية تبعد عنهما أية آثار لتحركات عسكرية إسرائيلية ضد إيران.
وقال أبوطالب إن هذا الاتفاق قد يسبب مشكلات داخلية فى إيران خاصة فيما يتعلق بدور الحرس الثورى فى المنطقة، ناهيك بالأذرع التى تدعمها إيران والتى من بينها الحوثيون أو حزب الله اللبنانى أو المليشيات العراقية التى قد تعارض هذا الاتفاق، موضحا أن طهران عليها أن تختار ما بين المغريات الاقتصادية أو البقاء على نفوذها فى المنطقة من خلال هذه التشكيلات التى تسيطر عليها أو قد تدخل صراعا مع حلفائها.
وأوضح المحلل السياسى أن كلا من إيران والسعودية ترغبان فى الصلح وإنهاء الخلاف، مشيرا إلى أن طهران ترغب فى إنهاء الخلاف مع دول الخليج، لأنها تدخل فى صراع مفتوح مع أمريكا وإسرائيل بالوقت الحالى، موضحا الحاجة إلى إنهاء خلافاتها مع دول الجوار.
وذكر أبوطالب أن الرياض وطهران ستديران الخلافات بينهما بشكل طبيعى بدون تصعيد خلال فترة ما بين ٥ و١٠ سنوات.
وفى السياق ذاته قال الباحث فى شئون الشرق الأوسط رمضان الشافعى، إن الاجتماع بين وزيرى خارجية السعودية وإيران ما زال فى مرحلة الاستكشاف، ولا يمكن القول بأن طهران ستلتزم بالاتفاق.
مؤكدًا أن الاتفاق على إنهاء الملفات الخلافية بين البلدين ما زال على الورق، ويبقى الخلاف على آلية التنفيذ، فالجميع يريد إنهاء حرب اليمن لأنها لا تصب فى مصلحة أى من الطرفين، ولكن تبقى المشكلة فى كيفية إنهاء الحرب.
وأشار الشافعى إلى أنه من الممكن مع مرور الوقت وزيادة التقارب بين إيران والسعودية، الدفع شيئا فشيئا نحو إنهاء الملفات الخلافية فى المنطقة، وشدد الباحث فى شئون الشرق الأوسط، على أن الملف الأكثر صعوبة بين البلدين هو الملف النووى الإيرانى، مضيفا أن طهران سترفض التخلى عن طموحاتها النووية وترسانتها الصاروخية.
نقلا عن العدد الورقي