الإخوان ونور الشمس
لا شك أن من عاش عمره في الظلام يتعذر عليه أن يواجه نور الشمس، وجماعة الإخوان عاشت في الظلام، فتعمل في الخفاء، وأفكارها سرية، ومخططاتها سرية، فهى جماعة تعاني من الازدواجية في كل شيء، بداية من ازدواجية نظرتها للأمور وطريقة التفكير، مرورا بازدواجية الإدراك والوجدان، وصولا إلى ازدواجية المشاعر.
وقضية الازدواجية تعني أن هناك وجها مزيفا في كل هذه الأمور يواجه به أفراد الجماعة المجتمع، يجري التعامل على أساسه مع العالم الخارجي، والعالم الخارجي يقصد به العالم خارج الجماعة وأعضائها، أما الوجه الحقيقي فيظل في طي الكتمان لا يطلع عليه أحد من خارج الجماعة، أو من داخلها إذا اقتضي الأمر.
وأرى أن الإخوان يشبهون المنافقين كثيرا من ناحية التركيبة النفسية والسيكولوجية، حيث إنهم دائمًا وأبدًا ما يعلنون بخلاف ما يبطنون، أما المؤمن فمستقيم مع نفسه، ومتسق معها، وكذا الكافر فهو مستقيم أيضًا مع نفسه، ومتسق معها، ولذا فإن الكافر في النار أما المنافق في الدرك الأسفل منها.
والازدواجية في الشخصية الإنسانية مرض نفسي يطلق عليه اصطلاحًا انفصامًا في الشخصية، معه يفقد الإنسان توازنه النفسي اللازم لاستقامة التفكير والإدراك واتخاذ القرارات في الاتجاه السليم والمرغوب فيه، وهى حالة مرضية كما قلت لا يجرى التخلص منها بالاعتياد، وإنما لابد من التدخل العلاجي كي يستعيد الإنسان توازنه وقدرته على التكيف مع مجتمعه، وإعادة التأهيل النفسي في مراكز علاجية متخصصة.
ودخل الإخوان هذا النفق المظلم في منهج التربية مرغمين بفعل مطاردة سلطات الحكم لهم نتيجة أهدافهم التي كانت تمثل خطرًا على هذه الأنظمة من ناحية، وطواعية حفاظًا على كيان الجماعة وتماسكها واستمرارها في الوجود من ناحية أخرى، ومع مرور السنوات اعتادت الجماعة هذا العيش ولم يعد غريبًا عليها تستشعر معه الوحشة أو الضيق، بل إنه قد يكون قد وصل بهم إلى حد الاستعذاب وتفسر علاقتهم بالمجتمع بعد ثورة يناير علاقة الضحية بالجلاد.
فالعلاقة الملتبسة بين الضحية والجلاد التي قد تصل إلى حدود العشق والولع والهيام تجعل من الضحية عندما تحين له الفرصة ينقلب جلادًا يمارس ذات أفعال الجلاد التي كانت تمارس في مواجهته، وهو حين يفعل ذلك يكون مدفوعًا بعوامل نفسية تعتمل بداخله لا يملك إزاءها دفعًا، بل إنها رغبة محمومة تستلزم الإشباع.
ولعل في ذلك ما يفسر علاقة الإخوان بالمجتمع المصري بعد اعتلاء الإخوان سدة الحكم وما مارسوه حياله من سياسات كانوا ينكرونها على النظام السابق. والإنسان المطارد ــ حقيقة أو فرضًا ــ لا يحصل على شيء إلا قنصًا أو غصبًا أو خطفًا حتى ولو لم يتخذ تصرفه هذه المظاهر السلوكية، وإنما العبرة في ذلك بالإحساس المدفون بداخله.
ومن هنا فإنه لا يتخلي عن مكتسباته بسهولة ويسر، تضحية أو تنازلًا أو إيثارًا. وبناءً عليه فإنه إلى جانب الضغط النفسي الذي مارسته بيانات القوات المسلحة على جماعة الإخوان، فإنه يتعين مواصلة حشود الجماهير حتى تكتمل دائرة الضغط، فتكتمل الثورة. لأن عدم اكتمال الدائرة لا يعني سوى ممارسة دور الجلاد بأبشع صوره وأدواته من قبل هذه الجماعة الفاشية، وكله بما يرضي الله !. أما نجاح الثورة فيعني قيام المجتمع باحتضان هذه الجماعة وعلاجها وإعادة تأهيلها النفسي حتى تعود فصيلًا فاعلًا يعمل في نور الشمس ووضح النهار.