أزمة أولويات مصر.. سياسيون: أوقفوا فورًا أي سياسات تقضى على تنافسية السوق
كشفت الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر على وقع الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم العالمية، وما تبع ذلك من قفزات متتالية فى أسعار السلع الغذائية والمنتجات بشكل عام، عن ضرورة ترتيب أولويات مصر لكبح جماح الارتفاعات القياسية المستمرة فى الأسعار.
الحكومة من جانبها عملت على خطة لتنفيذ مشروعات ذات أولوية فى القطاعين الصناعى والزراعى لمواجهة الأزمة المتسارعة، وتقديم حوافز ودعم لتعزيز القطاع الغذائى ولجم جنون أسعار اللحوم والدواجن والمنتجات الغذائية الأخرى، غير أن خبراء اقتصاد وسياسة ونواب انتقدوا تحركات الحكومة فى هذا الملف، وقدموا مقترحات وآراء تعد بمثابة “روشتة” للتعامل مع التحديات الحالية التى باتت هاجسا مقلقا لكثير من المواطنين، مع محدودية دخل معظم الأسر المصرية.
“فيتو” فتحت ملف أزمة ترتيب أولويات مصر فى هذه المرحلة من خلال استعراض تفاصيل خطة الحكومة فى هذا الشأن وإجراء حوارات مع عدد من النواب والساسة والاقتصاديين فى هذا الصدد، فإلى التفاصيل:
مشروعات اللحوم
البداية مع الدكتور عبد المنعم سعيد، الخبير الاستراتيجى بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية وعضو مجلس النواب الذى أن المشروعات التى تحتاج لها مصر فى هذه المرحلة الحالية والتى يمكن أن تسهم فى خفض أسعار اللحوم والدواجن التى قفزت عدة قفزات نحو الارتفاع هى كل المشروعات التى لها علاقة بالغذاء، وإلا فلن يكون أمامنا إلا مزيدا من الاستيراد، وبالتالى لا بد من استكمال مشروع 20-30، وخاصة ما يتعلق بزيادة مساحة الأراضى الزراعية بمقدار 3٫5 مليون فدان، خاصة إذا أقمنا عليها مزارع للدواجن والعسل والبيض وتنمية الماشية لزيادة الثروة الحيوانية، وهذا من شأنه السيطرة على ارتفاع أسعار البروتين.
ويضيف عبد المنعم سعيد أن تحقيق هذه الخطوات سيكون قفزة للأمام، أضف إلى ذلك أهمية تشغيل الـ 17 منطقة الصناعية الجديدة، ونحتاج فى ذلك للقطاع الخاص، وهذا أيضًا سينقل مصر للأمام، وسيغطى الكثير من احتياجاتنا، بالإضافة إلى أهمية التركيز على مشروعات البحث العلمى، خاصة ونحن لدينا 31 جامعة جديدة، ومن الممكن خلال سنوات أن يصبح الاقتصاد القومى أكثر قوة.
وأشار سعيد إلى أن مبادرة الحكومة بشأن التركيز على القطاعات ذات الأولوية، ولاسيما قطاع الصناعة والزراعة لم تأتِ ثمارها بدليل تزايد الأسعار وهذا أمر صحيح خاصة ونحن لدينا المشروع الحالى للتنمية منذ 8 سنوات، وننتظر تشغيل البنية الأساسية وسيكون مردوده جيدا.
غلاء الأسعار
أما المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصرى، فيرى إحداث نقلة اقتصادية للتغلب على الأزمة الحالية ووضع حد لحالة غلاء الأسعار وخاصة اللحوم والدواجن يتطلب وضع جدول بالأولويات، خاصة أن هذا أمر متبع فى الدول التى تعترضها أزمات اقتصادية، وبالتالى لا بد من إعادة تقييم المشروعات الحالية خاصة التى تستهلك عملات صعبة كبيرة والتركيز على المشروعات التى تتعلق بطعام المواطن المصرى إلى جانب المشروعات التى تتعلق بأدوات الإنتاج، وخاصة مشروعات الدواء وصناعته، باعتبار أن الدواء سلعة لا يمكن التهاون فيها، لأنها تؤثر على الأوضاع الأساسية لأى مجتمع هذه هى العناصر الأساسية لأى مجتمع، وبالتالى مطلوب إعادة جدولة المشروعات الحالية والتركيز على الضروريات والتى ترتبط بغذاء المواطن.
وأضاف أن مبادرات الحكومة المتتالية بشأن مشروعات الصناعة والزراعة لم تؤتِ ثمارها نتيجة أن مافيا الاستيراد تتحكم فى كل شيء ولا تستطيع الدولة التصدى لهم، وبالتالى مطلوب إحياء دور الدولة فى عمل توازن من خلال الصناعات الوطنية، وإحياء فكرة الاكتفاء الذاتى من الغذاء، وهذا من شأنه توفير عملة صعبة من الاستيراد والتصدير أيضًا.
التضخم
فريد زهران، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى يرى أن أهمية أن نعترف بحقيقة مهمة، فالأزمة الاقتصادية التى نعيشها الآن من ارتفاع التضخم وغلاء الأسعار، أمر يحتاج إلى وقفة، خاصة أن الأزمة الاقتصادية التى نعانى منها الآن ليست بسبب كورونا والحرب الروسية الأوكرانية فحسب، وإنما يعود السبب الرئيسى إلى خيارات اقتصادية محددة انتهجها النظام الحاكم.
ويوضح زهران أن هناك مسارات وحلول اقتصادية مختلفة لأى مشكلة، لافتا إلى أن اعتبار المسار الاقتصادى الذى سرنا وما زلنا نسير فيه هو المسار الوحيد الممكن أو الصحيح أمر خاطئ تمامًا، مشيرا إلى أن الحلول الاقتصادية المختلفة لنفس المشكلة تعكس رؤى ومصالح مختلفة، وفى أى بلد ديمقراطى تتنافس هذه الرؤى فيما بينها ويتم اختيار الحل أو المسار الاقتصادى الذى يحقق أهداف وتطلعات المواطنين.
وفى غياب هذا المناخ الديمقراطى، الذى يسمح للناس بالاختيار بين البدائل، يصبح الخروج من الأزمة شبه مستحيل، وهو الأمر الذى يدفعنا للتأكيد على أن الخروج من الأزمة الاقتصادية يبدأ من الإصلاح السياسى.
وأكد أن الاقتصاد المصرى واعد وتتوفر لديه إمكانات هائلة، والبديل الذى نقترحه للخروج من الأزمة من الممكن تحقيقه عبر أربع خطوات من المفترض أن تتم بشكل متزامن: الأولى: الوقف الفورى لأى سياسات أو إجراءات تجعل أوضاع السوق غير تنافسية، لأن ذلك منع ويمنع رأس المال المحلى والأجنبى من المشاركة، مشيرا إلى أن مجرد توفير بيئة تنافسية للاقتصاد كفيل بإحداث طفرة فى مسار الإصلاح الاقتصادى فى وقت جد قصير.
ولفت إلى أن الخطوة الثانية تتمحور فى توفير استقرار للقوانين والتشريعات والإجراءات الاقتصادية وإنهاء تدخل وسيطرة الأجهزة والمؤسسات البيروقراطية على الشأن الاقتصادى، أما الثالثة: فتكمن فى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومى واعتماد مخصصات أكبر للصحة والتعليم، بالإضافة إلى تشجيع ودعم المشروعات الإنتاجية، واختتم بالخطوة الرابعة، موضحا أهمية إعادة الجدولة الزمنية الخاصة بتنفيذ المشروعات الكبرى غير الملحة وتوفير الأموال اللازمة.
نقلًا عن العدد الورقي…،