أزمة أولويات مصر.. نواب: التوسع فى الصناعات الزراعية وتيسير إجراءات الاستثمار ضرورة للسيطرة على الأسعار
كشفت الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر على وقع الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم العالمية، وما تبع ذلك من قفزات متتالية فى أسعار السلع الغذائية والمنتجات بشكل عام، عن ضرورة ترتيب أولويات مصر لكبح جماح الارتفاعات القياسية المستمرة فى الأسعار.
الحكومة من جانبها عملت على خطة لتنفيذ مشروعات ذات أولوية فى القطاعين الصناعى والزراعى لمواجهة الأزمة المتسارعة، وتقديم حوافز ودعم لتعزيز القطاع الغذائى ولجم جنون أسعار اللحوم والدواجن والمنتجات الغذائية الأخرى، غير أن خبراء اقتصاد وسياسة ونواب انتقدوا تحركات الحكومة فى هذا الملف، وقدموا مقترحات وآراء تعد بمثابة “روشتة” للتعامل مع التحديات الحالية التى باتت هاجسا مقلقا لكثير من المواطنين، مع محدودية دخل معظم الأسر المصرية.
“فيتو” فتحت ملف أزمة ترتيب أولويات مصر فى هذه المرحلة من خلال استعراض تفاصيل خطة الحكومة فى هذا الشأن وإجراء حوارات مع عدد من النواب والساسة والاقتصاديين فى هذا الصدد، فإلى التفاصيل:
حجم الإنتاج المحلي
كشف أعضاء لجنتى الصناعة والزراعة بمجلسى النواب والشيوخ، عن أولويات الفترة الحالية للنهوض بقطاعى الصناعة والزراعة من أجل زيادة حجم الإنتاج المحلى والحد من الاستيراد والسيطرة على أسعار السلع، ووضع النواب روشتة لذلك تضمنت الإسراع فى حل مشكلات الصناع، ولاسيما تسهيل استيراد مدخلات الإنتاج وإجراءات ترخيص المنشآت الصناعية، وكذلك إجراءات الاستثمار الزراعى لجذب مستثمرين كبار فى مشروعات التوسع الزراعى.
يقول هشام الحصرى، رئيس لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، إن المشروعات القومية التى تشهدها البلاد فى قطاع الزراعة تمثل أهمية كبيرة فى زيادة حجم الإنتاج الزراعى، خصوصا المحاصيل الاستراتيجية، لافتا إلى أن الدولة تهتم بهذا الملف من خلال إنشاء العديد من المشروعات القومية متمثلة فى زيادة المساحات المزروعة الاستصلاح الزراعى وتوفير المياه، وكذلك مصانع الأسمدة وغيرها، ما يسهم فى تحقيق رؤية الدولة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى.
وأشار إلى أن التوسع فى الصناعات الزراعية ويساهم فى زيادة الإنتاج ومن ثم رفع حجم النمو الاقتصادى بالبلاد، موضحا أن التوسع فى المشروعات الزراعية، يساعد البلاد فى تحقيق المستهدف من المحاصيل الاستراتيجية، لاسيما فى ظل تفعيل منظومة الزراعات التعاقدية.
واتفق معه المهندس عبد السلام الجبلى، رئيس لجنة الزراعة والرى بمجلس الشيوخ، موضحا أن هناك جهودا تقوم بدور فى تشجيع المزارعين على التوسع فى زراعة المحاصيل الاستراتيجية وتلبية احتياجات البلاد منها، لاسيما القمح والأعلاف والمحاصيل الزيتية.
الاكتفاء الذاتي
وأشار إلى اهتمام اللجنة بتعظيم دور الزراعة فى الفترة المقبلة بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى، لافتا إلى قانون الزراعة التعاقدية بما يحقق مصلحة مختلف الأطراف، حيث يضمن للمزارع تحقيق هامش ربح وكذلك يضمن للدولة تنفيذ سياستها الزراعية، كما يضمن للشركات وقطاعات الاستثمار التى تشترى المحاصيل الزراعية، حجم الإنتاج المستهدف لها.
وأكد الجبلى، أن العمل بنظام الزراعات التعاقدية، يتطلب الإعداد الجيد والمسبق للخريطة الزراعية السنوية، وفقًا للاحتياجات من كل محصول وحجم التكاليف وحجم الإنتاج الحالى، والمساحات المستهدفة، وكذلك يتطلب توعية المزارعين وتكثيف دور الإرشاد الزراعى لضمان أفضل إنتاجية.
وأكد أن التوسع فى الزراعة يتطلب أيضًا العمل على ضرورة استخدام التقنيات الحديثة فى الزراعة، وتعظيم دور البحوث الزراعية فى العمل على زيادة حجم الإنتاج بأقل التكاليف من المستلزمات ومياه الرى.
وطالب محمد زين الدين، عضو مجلس النواب، بضرورة تقديم وزارة الزراعة كل أشكال الدعم الفنى والبيطرى الحديث والخدمات البيطرية مجانا لمختلف مزارع الدواجن والماشية على مستوى الجمهورية، مؤكدا أن توفير الخدمات وتسهيل خطوات الإنتاج الحيوانى من دواجن وماشية، يسهم بشكل كبير فى زيادة حجم الإنتاج، وبالتالى تحقيق الاكتفاء الذاتى، ومن ثم السيطرة على الأسعار.
ولفت إلى أن منظومة الإنتاج الحيوانى بشكل عام تحتاح إلى قرارات يجب على الحكومة دراستها للعمل على ضبط منظومة البروتين الحيوانى والسيطرة على الأسعار.
تشجيع الصناعة
من جانبه أكد المهندس معتز محمود، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، أهمية قطاع الصناعة فى ضوء التأثيرات الاقتصادية ما بعد جائحة كورونا، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، لتصبح الصناعة السبيل الأهم لتخطى تلك التأثيرات الشديدة على الاقتصاد العالمى والمصرى، موضحا أن القطاع الصناعى يحتل المرتبة الأولى من حيث مساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى بنسبة لا تقل عن 16%، فضلا عن المساهمة فى نحو 15% من إجمالى القوى العاملة.
وأضاف: يسهم القطاع الصناعى بنسبة تصل إلى 85% من إجمالى الصادرات السلعية غير البترولية، ولذلك فإن قطاع الصناعة يمثل قاطرة التنمية الاقتصادية، مشددا على أهمية توفير المناخ الملائم للنمو الصناعى القائم على تعزيز التنافسية للمنتج المصرى وتنمية المعرفة والابتكار.
وأكد معتز محمود، أن تعميق التصنيع المحلى من خلال التركيز على توفير المستلزمات الوسيطة للصناعات المستهدف تسريع تنميتها، وإعطاء دفعة قوية للصناعات الحديثة المتوافقة مع الثورة الصناعية الرابعة، وإدخال أنماط جديدة للتنمية الصناعية، كذلك يسهم بشكل كبير فى زيادة الدخل القومى من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتى وكذلك وجود وفرة كبيرة للتصدير الخارجى.
ولفت إلى أن وزارة التجارة والصناعة، فى خطتها ارتكزت على تنفيذ عدد من البرامج أبرزها تحفيز الاستثمار الصناعى وتعميق التصنيع المحلى، من خلال تنفيذ مبادرة المائة إجراء لتحفيز القطاع الصناعى، والتوجه نحو التحول الرقمى فى تقديم الخدمات وتيسير إجراءات التراخيص الصناعية، وكذلك برنامج تحسين تنافسية القطاع الصناعى، من خلال تطوير منظومة المواصفات والجودة وتأهيل المنشآت الصناعية بتوفير الدعم الفنى لها.
ويقول جمال عبيد، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، إن التحديات التى تواجهها البلاد تتطلب التوسع فى الإنتاج المحلى، الذى يمثل حائط الصد بالبلاد لأى أزمات اقتصادية، مشيرا إلى ضرورة الاهتمام بالصناعة المحلية للحد من الاستيراد وزيادة حجم التصدير.
وطالب عبيد فى تصريح خاص الحكومة بدراسة أوضاع المستثمرين وبحث مشكلاتهم، والعمل على تذليل أى عقبات أمام الصناعة حتى تتمكن المصانع من تحقيق المستهدف من حجم الإنتاج، لافتا إلى أن تنفيذ رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسى بتحقيق 100 مليار دولار من الصادرات الصناعية يتطلب من الحكومة القيام بعدة إجراءات لحل مشكلات الصناع فى هذه الفترة لاسيما حل مشكلة استيراد مدخلات الإنتاج بتسهيل إجراءات الاستيراد بحرية مع الموردين لصالح مدخلات الإنتاج.
وأوضح أن السماح لأصحاب المصانع باستيراد مدخلات الإنتاج بحرية مع المورد بالخارج سيؤدى إلى زيادة حجم الإنتاج والسيطرة على الأسعار، لافتا إلى أن أغلب مشكلات الصناعة حاليا تتمثل هذه النقطة، بالإضافة إلى مشكلات ترخيص المنشآت الصناعية والعقبات التى تواجه الصناع من بيروقراطية فى التعامل مع المستثمرين، وطالب بتسهيل تلك الإجراءات حتى يتمكن الصناع من الاستفادة من مبادرات الدولة الداعمة للصناعة الوطنية.
من ناحيته، قال مجدى ملك عضو لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، أن المرحلة الحالية التى تواجه فيها البلاد تحديات نتيجة الأزمات العالمية، تتطلب التركيز على القطاع الزراعى بشكل واسع، حتى يمكن من خلاله تأمين احتياجات البلاد من الغذاء دون الحاجة إلى الاستيراد إلا فى حدود ضيقة.
وأضاف ملك فى تصريح خاص لـ«فيتو»، أن العالم كله يتجه للتوسع الزراعى حاليا، لاسيما بعدما شهد العالم أزمة كورونا وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية التى تسببت فى نقص المنتجات الغذائية بسبب صعوبة النقل فى أوقات الأزمات، بالإضافة إلى اكتفاء كل دولة بمنتجاتها فى تلك الفترات، وهو ما كشف عن أهمية الاعتماد المحلى على الغذاء.
وأكد أن التجارب السابقة فى التوسع الزراعى، تشير إلى أن أفضل الأساليب فى التوسع الزراعى، هو نظام الاستثمار الزراعى الواسع، من خلال منح الأراضى لمستثمرين كبار يمتلكون رءوس أموال كبيرة، ويستطيعون الإنفاق على استصلاح آلاف الأفدنة وتأسيس مشروعات زراعية وحيوانية وتصنيع زراعى أيضًا استكمالا لأنشطة الزراعة.
وتابع النائب مجدى ملك، مؤكدا أن الاستثمار الزراعى الواسع، يضمن تحقيق نتائج جيدة من الزراعة، نظرا لأن هؤلاء المستثمرين الكبار يستخدمون أحدث الوسائل والتقنيات الحديثة فى الزراعة وأفضل الأصناف ذات الإنتاجية العالية، وينفقون كثيرا، حتى يحققوا أفضل وأعلى إنتاجية من المحاصيل، وهو ما يعود على البلاد بالنفع، من خلال زيادة الإنتاج الزراعى.
وأضاف عضو لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، أن التوسع فى الاستثمار الزراعى، من شأنه السيطرة على الأسعار وخاصة أسعار الدواجن واللحوم، وذلك نظرا لأن التوسع فى زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل الذرة الصفراء وغيرها من محاصيل الأعلاف، يضمن توفيرها بالسوق المحلى بأسعار مناسبة، مما يؤدى فى النهاية إلى تقليل تكلفة تربية الدواجن والمواشى، وبالتالى تخفيض أسعار الدواجن واللحوم.
ودعا ملك، الحكومة للتوسع فى مشروعات الإنتاج الزراعى من خلال طرحها على المستثمرين الكبار وليس مجموعات الشباب الصغار، نظرا لأن الشباب يعانون من ارتفاع تكاليف الزراعة، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على استخدام التقنيات الحديثة، وبالتالى لن يكون حجم إنتاجهم كبير مقارنة بمشروعات الاستثمار.
الاستثمار الزراعي
وقال عضو لجنة الزراعة بالبرلمان إن على الحكومة إعلان عدد من التيسيرات فى قطاع الاستثمار الزراعى وتسهيل إجراءات الحصول على الأراضى لزراعتها، كما طالب ملك، بتوفير تسهيلات تمويلية لمشروعات التصنيع الزراعى، والذى يهدف لتوفير العملة الأجنبية من خلال التصدير، وتعظيم الاستفادة من الإنتاج الزراعى.
وأشار إلى أن نتائج هذه الخطوات من المتوقع أن تؤتى ثمارها بعد مرور عام على الأقل، حيث يكون لدينا زيادة فى الإنتاج الزراعى تدريجيا.
نقلًا عن العدد الورقي…،