أزمة أولويات مصر.. خبراء اقتصاد: البيروقراطية تنهش فى الصناعة والزراعة وتدمر مكتسبات مبادرات الدعم
كشفت الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر على وقع الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم العالمية، وما تبع ذلك من قفزات متتالية فى أسعار السلع الغذائية والمنتجات بشكل عام، عن ضرورة ترتيب أولويات مصر لكبح جماح الارتفاعات القياسية المستمرة فى الأسعار.
الحكومة من جانبها عملت على خطة لتنفيذ مشروعات ذات أولوية فى القطاعين الصناعى والزراعى لمواجهة الأزمة المتسارعة، وتقديم حوافز ودعم لتعزيز القطاع الغذائى ولجم جنون أسعار اللحوم والدواجن والمنتجات الغذائية الأخرى، غير أن خبراء اقتصاد وسياسة ونواب انتقدوا تحركات الحكومة فى هذا الملف، وقدموا مقترحات وآراء تعد بمثابة “روشتة” للتعامل مع التحديات الحالية التى باتت هاجسا مقلقا لكثير من المواطنين، مع محدودية دخل معظم الأسر المصرية.
“فيتو” فتحت ملف أزمة ترتيب أولويات مصر فى هذه المرحلة من خلال استعراض تفاصيل خطة الحكومة فى هذا الشأن وإجراء حوارات مع عدد من النواب والساسة والاقتصاديين فى هذا الصدد، فإلى التفاصيل:
مبادرات دعم القطاع الصناعي
يقول عمرو فتوح، نائب رئيس لجنة الصناعة والبحث العلمى بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن الحكومة أطلقت عددا من المبادرات لدعم القطاع الصناعى، ولعل أبرزها مبادرة «ابدأ»، بهدف تعميق وتوطين الصناعات المحلية، وأيضًا مبادرة دعم قطاعى الصناعة والزراعة بنحو 150 مليار جنيه سنويًا، والتى من المتوقع أن يكون لها مردود إيجابى على زيادة معدلات الإنتاج والتصدير عندما يتم تفعيلها بشكل جيد.
وأضاف فتوح لـ«فيتو» أن مبادرة دعم الصناعة ستساهم فى توفير فرص تمويلية للشركات بفائدة 11% ثابتة لمدة 5 سنوات، بهدف توفير تمويل رأسمال العامل من خامات ومستلزمات الإنتاج بجانب السلع الرأسمالية لخطوط الإنتاج والآلات والماكينات، موضحا أن القطاع الصناعى ما زال يواجه العديد من الأعباء التى تتطلب أهمية العمل على حلها بما ينعكس إيجابيا على الأداء الصناعى.
وأشار فتوح إلى أن المرحلة الحالية تحتاج إلى توفير كل الدعم للصناعة الوطنية من خلال رفع الأعباء الأخرى فى الضرائب والجمارك بما يسهم فى تعزيز التنافسية بالأسواق الخارجية وتوفير العملة الصعبة.
انخفاض الأسعار
وفيما يتعلق بتوقعات تراجع أو انخفاض الأسعار، وما يتم إطلاقه من مبادرات لدعم القطاع الصناعى، أشار نائب رئيس لجنة الصناعة والبحث العلمى بجمعية رجال الأعمال المصريين إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج التى يتم استيرادها من الخارج، فضلا عن تباطؤ الإفراج الجمركى فى الموانئ عن المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، داعيا إلى ضرورة إعفاء خطوط الإنتاج من الجمارك والضرائب فى إطار استراتيجية لتحويل أى مستورد إلى مصنع.
ولفت إلى أهمية وضع أولوية لقائمة من الصناعات للسلع الأجنبية التى لا تصنع فى مصر، بحيث تكون فرصة للعمل على هذا الملف، فضلا عن منحه كافة الحوافز والامتيازات للاستثمار وتوطينها محليا، لافتا إلى أن هذا يمكن أن يتم من خلال عدد من الآليات تتمثل فى أولوية إصدار التراخيص والأراضى الصناعية المرفقة بشكل سريع بعيدًا عن كافة أشكال البيروقراطية.
وعلى جانب آخر، قال محمد المهندس رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات إن ما يهم الصناع، هو تنفيذ ما يطلق من مبادرات على أرض الواقع، موضحا أن طرح العديد من المبادرات أمر جيد وإيجابى، ويستلزم أن يكون لها تفعيل حتى نرى النتائج الإيجابية للتنفيذ.
وأشار المهندس إلى أن من أهم المبادرات التى تم إطلاقها مؤخرا لدعم الصناعة مبادرة ابدأ ودعم القطاع الصناعى بفائدة 11٪ موضحا أن مبادرة الوطنية «ابدأ» تهدف إلى دعم الصناعة المصرية وتطويرها وتشمل صناعات مستوردها، وتعمل على توطين هذه الصناعات بدلا من استيرادها.
وقال إن غرفة الصناعات الهندسية من أهم الغرف الصناعية التى كان لها دور مهم فى ملف تعميق المنتج المحلى، مشيرا إلى أن مبادرة ابدأ تهدف أيضًا إلى تعميق المكون المحلى والصناعة المحلية من خلال منتجات تصنع فى مصر لأول مرة، وأخرى تصنع لدينا، ولكن نستورد منها كميات كبيرة، مضيفا أن مبادرة «ابدأ» تهدف إلى رفع نسبة مساهمة المكون الصناعى فى الناتج المحلى وتقليل الفجوة الاستيرادية وتهيئة العمالة لاحتياجات سوق العمل؛ فضلا عن توطين الصناعات الحديثة.
وحول تأثير تلك المبادرات على تراجع أسعار الصناعات أو المنتجات بالسوق المحلى قال المهندس إنه يجب أن ننظر إلى الموضوع نظرة شاملة، موضحا ضرورة أن لا يقتصر النظر على إطلاق مبادرة لتخفيض الأسعار سريعا أو على المدى القصير.
البيروقراطية المصرية
وتابع بأن القطاع الصناعى بحاجة إلى ترجمة ما يطلق من مبادرات على أرض الواقع فضلا عن القضاء على البيروقراطية التى يواجهها الصناع فى التعامل مع الجهاز الإدارى، بالإضافة إلى التحديات التى يواجهها الصناع والتى تتمثل فى ارتفاع مستمر فى أسعار الدولار فضلا عن استيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج من الخارج وتوقف العمل بنظام الاعتمادات المستندية فى التعامل مع الاستيراد مما أثر بالطبع على الأسعار بالسوق المحلى، بالإضافة إلى الأزمة التى واجهها القطاع نتيجة تأخر الإفراج الجمركى على السلع فكل هذه العوامل تؤثر بالطبع على الأسعار.
وقال وليد جاب الله الخبير الاقتصادى، إن اختيار المشروعات فى الاقتصادات الحرة يكون وفقا لاحتياجات السوق، والقطاع الخاص يكون له الدور الأكبر، ومن الواضح أن مصر فى احتياج كبير خلال الفترة الحالية إلى الكثير من مشروعات الأمن الغذائى سواء بالتوسع فى القطاع الزراعى أو فى الصناعات الغذائية وغيرها من الصناعات المتنوعة، والعمل على تحقيق ذلك من خلال استراتيجية لإحلال الواردات، بحيث يتم إنتاج أكبر قدر من الواردات فى الداخل المحلى والقطاع الزراعى لديه نسبية من أجل مزيد من التوسع.
وأضاف جاب الله فى تصريح خاص لـ «فيتو»، أن هذا الأمر لا يمكن أن نخاطب به الحكومة وحدها، فالقطاع الخاص مسئول أيضًا ومطالب بالتوسع فى تلك المشروعات، وهناك الكثير من الحوافز التى تقدمها الدولة لدعم القطاع الخاص والتوسع من أنشطة القطاع الصناعى والزراعى، كما أن احتياج المواطن للمنتج نفسه هو حافز لمزيد من الإنتاج.
وألمح إلى أن الحكومة تقوم بالكثير من المجهودات وتتابع مشروعات التوسع الزراعى ومنها مشروع الملون ونصف فدان والاستزراع السمكى ومشروعات تربية الماشية وغيرها من مشروعات التوسع الزراعى والصناعى بقطاعاتها المختلفة بما فيها الصناعات الغذائية، ولكن لا يمكن أن تقوم الدولة بالدور كاملا فلا يزال دور القطاع الخاص لم يكتمل وهو مطالب ببذل مزيد من الجهد وزيادة حجم نشاطه فى القطاعات الإنتاجية خلال الفترة القادمة.
وكل ما يمكن أن تقوم به الدولة هو دعمهم وتقديم التسهيلات والتيسيرات والحوافز لهم ليتوسعوا فى المجالين الصناعى والزراعى، وبما فيها الصناعات الغذائية، مما يحقق الأمن الغذائى خلال فترة القادمة من خلال زيادة المعروض بصورة تؤدى إلى أن يكون هذا المعروض ملبيا للطلب المحلى للحد من الواردات وينخفض مع استخدام العملات الأجنبية فيتحسن سعر الصرف.
بجانب تطوير الأداء الحكومى والتواصل مع كافة أطراف المنظومة من مستثمرين وخبراء وإنشاء دراسات الجدوى لعمل المزيد من المشروعات لإنهاء هذا الملف الشائك بشكل كامل.
نقلًا عن العدد الورقي…ـ