اتفاقية أوكوس.. كلمة السر فى التهديد بـاندلاع حرب عالمية ثالثة.. وأسطول غواصات نووية يقف بالمرصاد للصين
ليس من قبيل المصادفة التحذير الدائم فى التقارير الإعلامية بالشرق والغرب من احتمالية اندلاع حرب عالمية جديدة فى أى لحظة، إذ تحافظ الدول الكبرى على شعرة معاوية للبقاء على حافة السلام والحرب أيضًا لوضع المنافس فى حرب نفسية تمكن الأقوى استعدادا من فرض أجندته ومصالحه على العالم.
لم يتوقف الحديث فى الآونة الأخيرة عن احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة بين القوى الدولية الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة وروسيا والصين، إذ كان آخر هذه الإشارات انطلاق سباق محفوف بالمخاطر بين روسيا وأمريكا على حطام المسيرة الأمريكية «MQ - 9» التى غرقت فى البحر الأسود جراء تصادم جوى مع مقاتلة «سوخوى -27» فى حادث يعد أول مواجهة مباشرة بين البلدين منذ بدء الحرب الأوكرانية قبل أكثر من عام.
اتفاقية أوكوس
ضمن مبررات تصعيد الصراع الخطة المشتركة «اتفاقية أوكوس» بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا لإنشاء أسطول جديد من الغواصات التى تعمل بالطاقة النووية بغية مواجهة نفوذ الصين فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، والذى بموجبه ستحصل أستراليا على أول غواصات تعمل بالطاقة النووية.
الاتفاقية دفعت الصين للتنديد ببرنامج التعاون الضخم، محذرة من أنها تمثل طريقًا خاطئًا ومحفوفا بالمخاطر، وقد تؤدى إلى احتمال نشوب نزاع مسلح بين أمريكا والصين، ومن ناحية أخرى أثار إعلان الجيش الأمريكى سقوط مسيرة بالبحر الأسود عقب تحرش مقاتلات روسية بها مخاوف من تصاعد التوترات بالمنطقة.
وغداة سقوط المسيرة الأمريكية بات الجيشان يتبادلان الروايات والاتهامات عن المسئولية تجاه ما حدث بعد تعزيز فرص وقوع تصعيد.
وبثت تلك الواقعة الخوف لدى الكثير، خشية وقوع حرب عالمية ثالثة، وجعلت العديد يتساءل حول: هل نشهد حربا ثالثة فى القريب العاجل؟ وذلك بعد تأكيد دبلوماسيين من حلف شمال الأطلسى (الناتو) فى بروكسل أن الأمر قد يؤدى إلى تصعيد ومواجهة مباشرة تشمل الناتو.
تحالف الغواصات النووية
أما على الجانب الآخر، فكشف ما يسمى تحالف الغواصات النووية «أوكوس»، بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا، مدى هشاشة التحالفات السياسة الدولية، بطريقة من الممكن أن تتسبب فى اندلاع حرب عالمية بين ليلة وضحاها، والتى على غرارها عبر الأوروبيون عن تضامنهم مع فرنسا فى أزمة الغواصات، واصفين تخلى أستراليا عن صفقة ضخمة تقدر قيمتها بـ 67 مليار دولار.
فى إطار تحالف أمريكى ــــ أسترالى جديد بأنه غير مقبول، بينما أبدت الصين معارضة حازمة لصفقة الغواصات الثلاثية لأستراليا، فيما حاولت كانبيرا تبرير هذه الصفقة بالحاجة الضرورية إلى هذه الغواصات النووية، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الصينية، وانج وين بين: «إنها لا تصب فى صالح المجتمع الدولى، وأن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا تمضى فى طريق خطير»، ليس ذلك فحسب، بل وصفت الصين ذلك الاتفاق بأنه يشكل مخاطر انتشار نووى بالمنطقة، ويحفز سباق التسلح.
وردا على تلك المخاوف من احتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة بين تلك القوى العظمى المتمثلة فى أمريكا والصين وروسيا قالت الدكتورة هدير سعيد الباحثة فى الملف الصينى، لا شك أن حادثة الاصطدام أضافت إلى التوترات الأمريكية الروسية التى تزايدت بالفعل خلال الفترات الأخيرة على خلفية الحرب الأوكرانية خاصة أنها وقعت فى جنوب غرب شبه جزيرة القرم، المجال الجوى فى شأن عمليات موسكو العسكرية فى أوكرانيا.
تصعيد غير محسوب
كما أن تضارب رواية كل من أمريكا وروسيا حول حقيقة ما حدث، يبقى الحقيقة فى حالة غموض لكنه لا ينفى الصدام بين الطرفين، الذى قد يؤدى إلى تصعيد غير محسوب، خاصة بعد تأكيد المتحدث باسم الأمن القومى فى البيت الأبيض جون كيربى أن الولايات المتحدة لن تتوانى عن التحليق فى المجال الجوى الدولى وفوق المياه الدولية، بما فى ذلك فوق البحر الأسود وتعهد موسكو بالرد إذا حدث شيء من هذا القبيل مرة أخرى، مما يزيد من احتمال توسع الصراع بين روسيا والولايات المتحدة مستقبلًا، ويضع البلدين على حافة المواجهة العسكرية فى مرحلة ما.
من ناحية أخرى، تأتى الحادثة الأخيرة، وسط مخاوف طويلة الأمد فى شأن احتمال انتشار الصراع فى أوكرانيا على نطاق أوسع فى المنطقة، بخاصة أن المسئولين الروس، بمن فيهم الرئيس بوتين، يصدرون بشكل روتينى تهديدات غامضة بالانتقام من الولايات المتحدة وأعضاء آخرين فى الناتو ودول أخرى فى شأن المساعدات العسكرية وغيرها من أشكال الدعم لأوكرانيا، ولهذا فإن المغامرات غير المحسوبة وسوء تقدير رد الفعل يمكن أن يتسبب فى كوارث خطرة.
على صعيد آخر، تؤكد تفاصيل الخطة المشتركة لتحالف الأوكوس المعلن عنها مؤخرًا، والتى ستحصل بموجبها أستراليا على أسطول جديد من الغواصات التى تعمل بالطاقة النووية، بغية مواجهة نفوذ الصين المتزايد فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ (الإندوباسيفيك)، على أهمية تلك المنطقة كمسرح رئيسى للتفاعلات الدولية والصراع العالمى خلال الفترة المقبلة؛ إذ بات فى حكم المؤكد أن الصراع مع الصين سيمثل المحطة التالية، وأن هذا الصراع بات يمثل المحدد الرئيسى لعمليات إعادة هندسة الأبنية الأمنية، والإنفاق العسكرى، وعمليات التسليح.. إلخ.
تورط الصين
ومن غير المستبعد إمكانية تورط بكين وواشنطن فى مواجهة غير مباشرة أو محدودة، فى حين يظل خيار المواجهة العسكرية الشاملة مستبعدًا فى المدى المنظور، تتجنب بكين الاصطدام مع واشنطن، مما قد يؤثر على تحقيق طموحاتها العالمية ويعوق استمرار عملية تنميتها الاقتصادية.
كما أنها تفتقر حاليا، وخلال السنوات القادمة، للقدرات والخبرة التى تمكنها من خوض مواجهة مباشرة، وهو ما يجعل بكين أكثر حذرًا فى مواجهة مساعى الاحتواء الأمريكية المتزايدة، لكنها أيضًا ستستمر فى تكثيف أنشطتها العسكرية فى هذه المنطقة لاختبار مدى فاعلية التحالف الأمنى الجديد.
وعلى الجانب الآخر، تستطيع الصين أن تستخدم روابطها الاقتصادية القوية فى تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، بالإضافة إلى بناء علاقات مع دول جزر المحيط الهادئ والتى ربما ستشكل حلبة المنافسة فى السنوات القادمة بين الولايات المتحدة والصين.
ومن جانبها قالت الدكتورة نادية حلمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنى سويف حول أهمية الحادث بالنسبة لمستقبل عمليات الطائرات الأمريكية المسيرة فوق البحر الأسود، كان إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية (إم.كيو-٩) أول حادث مباشر بين أمريكا وروسيا منذ بدء حرب أوكرانيا.
أضافت: أدى ذلك إلى تدهور العلاقات المتوترة بالفعل بين واشنطن وموسكو وتبادَل البلدان اللوم علنا، كما جاء حادث تحطم الطائرة المسيرة الأمريكية فوق المياه الدولية فى البحر الأسود، ليثير احتمال حدوث مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشأن أوكرانيا.
وتابعت بأنه ليس غريبًا قيام الجانب الروسى بعرقلة مهام حلفاء أوكرانيا الذين يساعدونها قدر الإمكان، ولذلك تركز واشنطن على ما حدث للطائرة المسيرة الأمريكية ومدى إمكانية تفكيكها والاستفادة منها روسيا.
التخوف الأمريكي
وأوضحت أن التخوف الأمريكى من وقوع تكنولوجيا المراقبة الحساسة للطائرة المسيرة الأمريكية فى أيدى روسيا، ذلك فى الوقت الذى تريد فيه واشنطن الاستمرار فى عملياتها لمساعدة أوكرانيا، لكنها حريصة على تجنب استخدام القوة، وفى ذات الوقت تخاطر بالوقوع فى مواجهة مباشرة مع موسكو.
وستؤثر تلك التوترات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على الحرب الدائرة فى أوكرانيا، بالنظر لأهمية الأسلحة والمقاتلات الأمريكية فى مساعدة أوكرانيا على الصمود فى وجه الغزو الروسى.
وتأتى خطورة اتفاقية أوكوس النووية بالنسبة للصين، بأنها ستكون المرة الأولى على الإطلاق حول العالم، التى تبحر فيها ثلاثة أساطيل معًا وبتنسيق كامل، وهى الأساطيل الأمريكية والبريطانية والأسترالية، عبر المحيطين الأطلسى والهندى فى منطقة الإندو-باسيفيك بالمفهوم الأمريكى أو آسيا المحيط الهادئ بالمفهوم الصينى، تحت شعار الحفاظ على حرية الملاحة.
نقلًا عن العدد الورقي…،