لغز “الكعكة الصفراء”.. نووي القذافي شبح يهدد ليبيا بعد اختفاء براميل يورانيوم
لم يكن أحد يصدق أن برنامج ليبيا النووى سيعود إلى الساحة من جديد، بعد مرور 20 عاما على تفكيكه فى عهد الرئيس الأسبق معمر القذافى، ولكنها ألغاز وتعقيدات المصالح ولوغاريتمات الصراعات على الساحة الدولية، ولاسيما المنطقة العربية.
تفكيك البرنامج النووى الليبى
فى عام 2003، سلمت ليبيا المواد والآليات المستخدمة فى البرنامج النووى فى صفقة مع إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن، إلا أنها احتفظت بشكل غير معلن بمادة الكعكة الصفراء، بالإضافة لوقود شحن الصواريخ البالستية المخزنة فى مدينة غريان، والذى تحول لتركة ثقيلة للحكومات المتعاقبة، بسبب ضعف الأجهزة الأمنية، وعدم توفر الخبرات الكافية للتعامل مع هذه المواد شديدة السمية والخطورة.
الكاتب الليبى أبو القاسم عمر صميدة كشف تفاصيل مثيرة فيها الكثير من تفصيلات القضية ضمن كتاب أصدره يحمل عنوان «الملف النووى الليبى والخروج بالورقة الحمراء»، وتحدث فيه عن تمكن ليبيا من تصنيع جهاز طرد مركزى عالى الدقة عام 2001، وعمل وحدات صغيرة لتخصيب اليورانيوم كبديل عن المفاعلات النووية، وذلك بمساعدة عالم ألمانى كبير وآخر سويسرى.
كانت ليبيا بدأت فكرة التسلح النووى فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى، ولكن فى الإطار السلمى، وفى عام 1995 استدعى العقيد الليبى السابق معمر القذافى عددا من المسئولين الليبيين، وطلب منهم الإجابة عن سؤاله: هل نستطيع إنتاج سلاح نووى؟ لرغبته فى تحقيق توازن قوى بين العرب وإسرائيل، فكانت الإجابة: نعم نستطيع.
هنا بدأت فعليا ليبيا تستعد لتجهيز مشروعها النووى ومستلزماته، وكان لا يعرف بتفاصيل ملف المشروع النووى الليبى إلا عدد قليل جدا من المسئولين، على رأسهم المهندس معتوق محمد معتوق وزير التعليم وقتها، والمسئول السياسى للمشروع النووى، إذ حرص القذافى على ألا يطلع رئيس الوزراء الليبى ولا رئيس الاستخبارات على المشروع النووى.
انتهى العلماء الليبيون من كافة التجارب النووية وتشغيل منظومة تركيب اليورانيوم وتفكيكها على البارد، بعد سنوات من العمل المتواصل، ولم يتبق إلا إذن القذافى لبدء صناعة القنبلة النووية فى عام 2002؛ بهدف أن تكون ليبيا دولة لديها منظومة سلاح نووى كاملة عامة، لكن على نحو مفاجئ وفى عام 2005 تفاجأ العلماء الليبيون بتسليم بلادهم ترسانتها النووية للغرب على شاشات الفضائيات.
الأزمة من جديد
انتهى نظام القذافى، وتغيرت بنية الدولة الليبية السياسية، لكن فجأة عادت أزمة الكعكة الصفراء، اليورانيوم الموجود منذ عهد القذافى وتشرف عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتضيف لمشكلات الواقع الليبى المستمرة منذ اندلاع الثورة على القذافى فى 2011.
وتكشف وكالة الطاقة الذرية المزيد من التفاصيل، مؤكدا اختفاء 10 أسطوانات تحوى نحو 2.5 طن من اليورانيوم سبق الإعلان عن أنها مخزنة فى الموقع، ولكن تمكن الجيش الليبى من ضبط كميات اليورانيوم التى تم تهريبها على مسافة تبعد حوالى 5 كيلومترات عن المستودع فى اتجاه الحدود التشادية.
وأكدت وكالة الطاقة الذرية أن الموقع لا يخضع لسيطرة الهيئة النووية الليبية حاليا، والفحص كان مقررا فى 2022، لكنه تأجل لأسباب أمنية لتحدث المفاجأة غير المتوقعة.
كانت تقارير سابقة تحدثت عن وجود كميات كبيرة من خام اليورانيوم المركز المعروف بـ«الكعكة الصفراء»، مُخزنة فى موقع غرب مطار مدينة سبها بنحو 6 كيلومترات.
صناعة السلاح النووي
وتثار مخاوف من وصول هذه المادة المشعة إلى أيدى الجماعات الإرهابية بعد ضبط وافد أفريقى حاول سرقة 3 براميل منها، خاصة فى ظل التوترات الأمنية المتلاحقة التى تشهدها مدينة سبها، بالإضافة للمخاوف البيئية المتعلقة بظروف تخزينها.
يقول اللواء محمد عبد الواحد، الخبير العسكرى، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية اكتشفت موقع اليورانيوم فى الأراضى الليبية خلال فترة 2011، بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافى.
وأضاف الخبير العسكرى، أنه يتوقع موقع اختفاء اليورانيوم فى إحدى قرى منطقة فزان الليبية، مشيرا إلى أن هذا اليورانيوم يطلق عليه «الكعكة» أو «العجينة الصفراء».
وأوضح محمد عبد الواحد، أن هذه العجينة التى تتحدث عنها وكالة الطاقة الذرية، هى عبارة عن خليط من النظائر المشعة، من ضمنها اليورانيوم 238، وهو موجود بنسبه 99.3% من العجينة، واليورانيوم 235 المشع بنسبة 7.%، وتأخذ شكل بودر مغلف بمادة الزنك لحمايتها من حدوث تسرب إشعاعى.
مكونات العجينة الصفراء
وتابع اللواء عبد الواحد، بأنه عند تسخين تلك العجينة عند درجة حرارة تصل لـ56 درجة مئوية تتحول إلى الغاز، ثم يتم وضعها فى أجهزة الطرد المركزى لزيادة نسبة يورانيوم 235 المشع، لافتا إلى أن الجيش الليبى وحكومة شرق ليبيا طالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى وقت سابق بزيادة الحماية حول موقع هذا اليورانيوم إلا أنها لم تستجب لذلك.
وأشار عبد الواحد إلى أن هناك تخوفا عالميا من أن يقع هذا اليورانيوم فى يد إحدى الفصائل أو المليشيات المتواجدة فى ليبيا، مما يدفعها لمحاولة صناعة قنبلة قذرة أو قنابل اليورانيوم المنضب، مما يشكل تهديدا كبيرا للمواطنين فى الأراضى الليبية، خاصة أن مثل هذه المواد المشعة تسبب أمراضا خطيرة جدا على حياة الإنسان.
ونوه الخبير العسكرى، إلى أن الأمم المتحدة من الممكن أن تحل أزمة هذا اليورانيوم، عن طريق إما بيعه لإحدى الدول التى تمتلك برامج نووية ومنح أمواله للحكومة الليبية، أو إعدامه خاصة مع عدم وجود استقرار أمنى فى ليبيا.
واستطرد: «إلا أن هذه الحادثة قد تكون لعبة أمريكية لإعادة تسليط الضوء على الأزمة الليبية من جديد.
تهييج الأوضاع فى ليبيا
من جانبه قال الدبلوماسى الليبى، رمضان البحاح، إن هناك تسويقا لدعاية وكذبا ممنهجا صنعته وكالات المخابرات الغربية لإضفاء شرعية التدخل والتنقيب على ثروات للشعب الليبى بغية نهبها بعد استكمال النهب الممنهج للأموال، سواء التى جمدت فى بنوكها أو التى تم السطو عليها بذريعة أنها أموال القذافى زورا وبهتانا.
وأضاف البحاح أن الغرب ضالع فى عمليات كذب وتضليل ممنهج ويعترفون به كلما نفذوا مؤامراتهم بعديد الذرائع، كما حدث قبل وأثناء تدمير العراق باسم وجود أسلحة دمار شامل وأسلحة كيميائية، على إثرها تم تفتيش العراق وترابه ذرة ذرة، وبالنهاية لم يستطيعوا إثبات وجودها، وبعد أن نفذوا خططهم قالوا بكل بساطة بأن التقارير لديهم كانت غير دقيقة وغير صحيحة، وحينها لم نسمع كلمة تجريم واحدة لما حدث من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، ولم نسمع بمحكمة الجنايات الدولية قد جرمت أمريكا وحلفاءها على هذه الجرائم البشعة.
واستطرد: «نحن ندرك أن حكومات الغرب وعلى رأسها أمريكا ضالعة فى مثل الجرائم، وتصنع هذه الأكاذيب المفبركة لمصلحتها». مضيفا: «لقد دمرت ليبيا ونظامها بذريعة قتل المدنيين وأثبتت التحقيقات كذب هذا الادعاء سواء ليبيا أو مصر أو تونس فى ما سموه بثورات الربيع العربى، وأن جرائم القتل كانت من أطراف مجهولة اتخذت من المبانى المحيطة بالميادين وكرا لها، وأطلقت النار على المتظاهرين وقتلتهم، وسوقت قنوات الكذب التى سخرت لتسويق هذه الجرائم وإلحاقها بقوات الأمن والجيش».
وأكد البحاح أن أمريكا موجودة بقوة فى ليبيا ولم تغادرها، بل صدر قانون من البرلمان الأمريكى سموه «قانون استقرار ليبيا»، يعطى الحق للقوات الأمريكية فى البقاء مدى الحياة بذريعة الحفاظ على الأمن القومى الأمريكى، ولم نسمع بأى اعتراض عليه من الأمم المتحدة، مع أنه قانون معيب مخالف لاتفاقية جنيف وكافة الأعراف الدولية، لأنه يفوض القوات الأمريكية للتدخل فى أى وقت بدون الحاجة إلى موافقة دولية أو حتى من أى حكومة أمريكية ويجعل من ليبيا محمية أمريكية.
نقلًا عن العدد الورقي…،