حدوتة مصرية
برحيل الإذاعية القديرة فضيلة توفيق أو أبلة فضيلة تكون قد انتهت واحدة من أجمل قصص الطفولة التي عشتها أنا وجيلي، وأجيال كانت قبلنا، وأجيال جاءت بعدنا، اليوم انتهت أجمل حدوتة مصرية، وطُويت آخر صفحة من صفحات موسوعة الحكايات والقصص التعليمية، التي عشنا عمرنا كله نستمد منها القيم والأخلاق والمبادئ التربوية، بصوت جميل وأداء بسيط، نفذ إلي قلوبنا وعقولنا، ورسخ فينا ما نتمنى أن يستقر في وجدان أبنائنا.
ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنني استشعر حين أنعي هذه السيدة العظيمة، أنني أنعي صوتًا استقر بداخلي، وساهم في تشكيل خيالي عن كل معاني الخير والجمال، فكان صوتها بالنسبة لي أشبه بصوت الضمير، الذي أتمنى أن يظل حيًا ولا يخبو أبدًا.
برحيل أبلة فضيلة أجد نفسي أبكي حال الأجيال الجديدة التي لم تتربى علي صوتها، وأجد نفسي مشفقًا علي هذه الأجيال، التي لا أجد جيلي أفضل منها، ولكن أجده أكثر حظًا لأنه نشأ قبل عصر الانترنت والسوشيال ميديا، وهو العصر الذي كنا قبله نشكو حظنا العاثر الذي أوجدنا في زمن الإعلام الموجه، الذي يختار لنا ما نسمعه ونشاهده، فامتد بنا العمر حتى عشنا في فوضى إعلامية جعلتنا نردد قول الشاعر: رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه.
اليوم حين يواري جثمان السيدة فضيلة توفيق التراب، أخشى أن تكون فضائلنا وأخلاقنا هي التي تُدفن تحت ركام الترند واللايك والشير، والسعي خلف زيادة نسبة المشاهدات، وحصيلة الإعلانات، وأناشد الأعلى للإعلام وأجهزة الرقابة أن تضطلع بدورها حماية لهذا الوطن وصيانة لأخلاقه.
رحم الله أبلة فضيلة التي كانت خير عونًا لأمي وأبي ومدرستي في تربيتي، واسأل الله أن يجعل ما زرعته فينا من محبة للوطن واحترام لتاريخه وقبول للآخر، في ميزان حسناتها.