الكاتب أحمد بهجت: رمضان أفضل شهور العام
لكل منا ذكريات خاصة في حياته ولشهر رمضان خاصة ذكريات لا يمكن نسيانها مهما طال العمر ويسرد الأدباء ذكرياتهم الطويلة مع شهر رمضان سواء من خلال اعمالهم الادبية مثل الأديب نجيب محفوظ فى الثلاثية أو في مؤلفات خاصة عن ذكريات رمضان، وفي كتابه "مذكرات صائم"، كتب الكاتب الكبير أحمد بهجت مقالًا يحكي فيه ذكريات أول يوم في رمضان، يقول فيه:
جاء شهر رمضان أخيرا أحسن وأجل شهور السنة، فمرحبا بأفضل الشهور، أشعر بأن القاهرة كلها، تدخل قلبي بمآذنها الألف وقبابها المزخرفة وأحيائها وحواريها القديمة.. أحب هذا الشهر حيث تكتسي بيوت المدينة في هذا الشهر شيئا من الجلال والرقة، وفوانيس رمضان تضيء أركان الدكاكين، والأطفال يضربون البمب.
شهر الحب لجميع الكائنات
وقد استيقظت الحارة التي أسكن فيها، واستيقظ معها قلبي.. أشعر في الليلة الأولى من شهر رمضان أنني أرى من خلال النفس، كل نفوس الآخرين، أحس نحو الكائنات كلها بالحب، وأشعر بالرفق والضعف إزاءَ قصصِ الحب الإنسانية والحيوانية والنباتية وحتى الجمادية.
في شهر رمضان أشعر بأن كل شيء في الدنيا يقوم على الحب، هو الناموس المسيطر الحاكم على باقي الدنيا، وتعيدني إلى الواقع أصوات زوجتي وهي تمارس قيادتها في المطبخ استعدادا للسحور.
عم حنفى المسحراتي
ويأتي السحور على دقات طبلة عم حنفي العربي المسحراتي وهو يقول "اصحى يانايم وحد الدايم"، ومع أطباق الفول المدمس وكوب الشاي ينتهي سحور الليلة الأولى من شهر رمضان بمدفع الإمساك، وبينما اقترب أذان الفجر اتجهنا إلى مسجد الحسين نصلي الفجر ونستمع إلى القرآن الكريم، المسجد مكان يشبه الروح والريحان، قلت: السلام عليك ياسيدنا ياحفيد رسول الله، ثم قرأت الفاتحة وصليت ركعتين تحية المسجد، ثم جلسنا نستمع إلى القرآن.
ذكريات الليلة الأولى
ذكريات ليلة شهر رمضان التي مازالت محفورة في الذاكرة، انتهينا من السحور وجاء أول أيام شهر رمضان، حيث الصيام ثم الذهاب إلى العمل، وأنا نعسان، والعودة إلى البيت وأنا جوعان في انتظار مدفع الإفطار.
تذكر أفضل خلق الله
وانطلق مدفع الإفطار، وبدأت العمليات العسكرية، مددت يدي إلى ثلاث بلحات جافة تضعها زوجتي على المائدة، تعودت أن أفطر على البلح عملًا بسنة رسول الله، هذا ما بقي من الإسلام في بيتنا.. تذكرت أفضل خلق الله كيف كان يصوم ويفطر.. شهر رمضان عند المسلمين الأولين كان شهرًا نزل فيه القرآن، وكان شهرًا يتخفف فيه البدن من البدن، وتلتقي فيه الرحمة بالإخلاص، والجوع بالحب، وكان شهرًا تعاود فيه الروح اتصالها بخالق الروح.. انتهيتُ من الطعام، أحسستُ بوخمٍ شديدٍ ورغبةٍ في النوم، فلم أكد أدخل غرفة النوم حتى دخلت زوجتي الغرفة، ومعها طبقٌ من الكنافة والقطايف.. كان لا يوجد في عهود الإسلام الأولى لا كنافة ولا قطايف، كان رسول الله إذا شبع استغفر الله لأن في المسلمين جائعًا لم يشبع.
دخلت الكنافة والقطايف تاريخ المسلمين حين خرج الحب من القلوب، وصار الإسلام سبحة معطلة وفانوسا أثريا، وكلمات تتمتم بها الشفاه، وبرامج تسلية وفوازير.
صخب ما بعد الإفطار
اتكأت على فراشي ورحت أدخن، ثمة دوار يشبه دوار الحب الأول، أبنائي يجلسون حول جهاز الراديو، ومن بعده التليفزيون ساعة الافتتاح، وهات يا دوشة.. عدت أحاول النوم عبثا، فجأة سألني ابني الأصغر: لماذا نصوم شهر رمضان ؟ قلت: علشان الأغنياء تحس بجوع الفقراء، فقال: ولماذا يصوم الفقراء؟! قلت له: إن الصوم في حقيقته هو نوع من الحب، هو العبادة الوحيدة التي لا تظهر على صاحبها فهي بين العبد وربه، وثوابها لا يعلمه إلا الله لأنه يبنى على النية وهي غير مرئية.