غضب الصيادلة.. فوضى سوق الدواء تدمر مستقبل الصيدليات في مصر
يعيش الصيادلة أوضاعًا صعبة تقترب من حافة الانفجار، عقوبات ضخمة على أبسط المخالفات، ومحاضر تقصم الظهر، وتضرب مستقبل الاقتصاد الصيدلى فى البلاد، وتدفع الصيدليات جزءا غير عادل من فوضى سوق الدواء المصرى حسب قول الكثير منهم، إذ خلال الفترة الماضية، تعرض عدد منهم إلى عقوبات مغلظة سواء بالسجن أو تكبيلهم بغرامات مالية كبيرة إثر تحرير محاضر ضد الصيدليات والصيادلة من قبل مفتشى هيئة الدواء.
من جهتها توضح الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بوزارة الصحة، أن العقوبات المقررة وفق قانون مزاولة مهنة الصيدلة تصل إلى ما يقرب من ٤٠ مخالفة متنوعة، ما بين مزاولة مهنة بدون ترخيص أو وجود أدوية منتهية الصلاحية أو أدوية مغشوشة أو عدم وجود مدير صيدلية مسئول أو إدارة أكثر من صيدلية فى وقت واحد أو عدم وجود لافتة على الصيدلية.
مستحضرات مجهولة المصدر
وتشمل لائحة المخالفات جلب مستحضرات مجهولة المصدر، وكذلك المخالفات البسيطة التى يحرر من خلالها محاضر ضد الصيادلة يرونها مجحفة ضدهم، إذ تتسبب فى فرض غرامات مالية كبيرة أو سجن الصيادلة، لهذا يطالبون بتعديل قوانين مزاولة المهنة ووضع بنود تحمى الصيادلة من أخطاء المهنة التى لا ذنب لهم فيها، وتوقف محاضر التفتيش المجحفة ضدهم.
من جانبه قال الدكتور حاتم البدوى، رئيس شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية، إن الصيادلة ضحايا فوضى سوق الدواء فى مصر، إذ يحتكم فى قضايا الصيدلة قوانين مزاولة المهنة والغش التجارى، لافتا إلى أن المشكلة ليست فى العقوبات ولكن فى الضبطيات نفسها هى الأساس، وبناء عليها تكون العقوبات.
وأوضح لـ«فيتو» أمثلة على معاناة الصيادلة، منوها بأن الصيدلية تطلب مجموعة أدوية بمبالغ يومية ٤ أو ٥ آلاف جنيه، وإذا دخل منها عبوة مدون عليها سعر قديم، وجرى بيعها فى الفاتورة بسعر جديد، يحرر التفتيش هنا محضرا ضد الصيدلية بيع بسعر مخالف، موضحا أن بعض الأدوية توجد على أرفف الصيدليات تغير سعرها عدة مرات، ومع ذلك يحرر محضر للصيدلى ويعاقب بسنة حبس و١٠ آلاف جنيه غرامة.
وتابع: العينات المجانية ممنوع بيعها، فمثلا مندوب شركة إذا ترك عبوة على المكتب فى الصيدلية للدعاية للمنتج، وجاء مفتش صيدلى ووجدها يحرر محضرا ضد الصيدلية، لافتا إلى ضرورة إلزام المفتش بأن يتحرى الدقة أولا ويتأكد من وجود 30 عبوة مجانية قبل تحرير المحضر، وتوضيح إن كانت حملة التفتيش بناء على شكوى أو بلاغ أو تفتيش اعتيادى.
غرامات مالية
من جانبه قال الدكتور ثروت حجاج، عضو مجلس نقابة الصيادلة، تحت الحراسة، إن المخالفات التى تحدث داخل الصيدليات متنوعة منها مخالفات بسيطة يمكن التعامل معها ولفت نظر مديرها الصيدلى، ومخالفات قوية يجب أن يخضع صاحبها للعقوبة المشددة، إلا أنه مؤخرًا لم يعد يوجد عقوبات هزيلة، بل أصبح التفيش يفرض على الصيدليات غرامات مالية كبيرة فى مخالفات بسيطة.
وتابع حديثه لـ«فيتو» مؤكدا أن المفتش الصيدلى يحرر فى أغلب المحاضر ضد الصيدليات قضايا غش تجارى، وتتراوح غرامتها ما بين ٢٠ إلى ٥٠ ألف جنيه، وهى غرامات كبيرة ومجحفة للصيادلة، موضحا أن محضرين فى العام الواحد بإمكانهما إغلاق الصيدلية نهائيا، لأنها لن تستطيع دفع المقابل المادى لكل الغرامات.
وعن إجراءات التفتيش على الصيدليات، قال الدكتور ثروت حجاج إن المفتش الصيدلى معه ضبطية قضائية بموجبها يفتش على الصيدليات، ويكون معه عدد من المنشورات لأصناف تم الإبلاغ عنها بأنها مغشوشة أو بها أخطاء فى الإنتاج، ولو وجد منها أى عبوة دواء يتم تحريز العبوات وتحرير المحضر ضده وتوجه اتهامات للصيدلى بالغش التجارى.
وأكد أن أغلب العقوبات مبالغ فيها بسبب عدم وجود قانون يحمى الصيادلة من الخطأ المهنى، متسائلا: كيف للصيدلى أن يعرف عبوة الدواء غير السليمة ضمن آلاف العبوات؟ ولو عرف ذلك لتخلص منها فورًا، بدلا من تحرير محاضر له.
وأضاف عضو مجلس نقابة الصيادلة أن الصيدليات المخالفة ترتكب مخالفات تضر بالمجتمع، وهذه يجب تطبيق أقصى العقوبات عليها على شاكلة بيع الأدوية المخدرة، لكن حالات صرف حقنة تسببت بحساسية، أو وصف دواء سبب حساسية، كيف للصيدلى أن يعرف ذلك وهو خطأ مهنى وارد حدوثه، موضحا أن النقابة أول من يعاقب المخالفين وفق لائحة آداب المهنة، وتطبق عقوبات تصل لإسقاط العضوية أو وقف الصيدلى سنة.
وأوضح أن طمس تاريخ الصلاحية أو قص تاريخ الصلاحية جرائم يجب معاقبة مرتكبها، بينما وجود عبوة منتهية منسية لا يجب محاسبة الصيدلى عليها مطالبا بضرورة تعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلة ووضع مواد تخص التعامل مع الأخطاء المهنية.
عقوبات مجحفة
من جانبها قالت الدكتورة نجوى هاشم نقيب صيادلة الجيزة، إن العقوبات مجحفة ضد الصيادلة، وأصبح الصيدلى مجبرا على التواجد فى الصيدلية ليل نهار لمنع تحرير محضر ضده بتغيبه عن الصيدلية، موضحة أن ضبط عبوة دواء منتهية الصلاحية فى الصيدلية ليس معناها أنه يبيع الأدوية منتهية الصلاحية، إذ لا يمكن التخلص منها فى القمامة، لأنه يمكن تجميعها مرة أخرى وبيعها من أصحاب النفوس الضعيفة مشددة على أهمية وضع آلية للتخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية قبل معاقبة الصيدلية على أى عبوة فيها لأن الشركات ترفض إرجاع تلك الأدوية له.
ولفتت هاشم إلى أن الصيادلة ضحايا عدم وجود قانون يحميهم من أخطاء المهنة، فالصيدلى الذى يحصل على حكم بـ6 أشهر نتيجة بيع شامبو فى صيدلية وصفه طبيب جلدية أو كتبه على روشتة وتسبب فى آثار جانبية يساءل عنه الصيدلى، متسائلة: ما ذنب الصيدلى هنا؟ أو لماذا يحاسب صيدلى آخر وحبسه ٦ سنوات لوجود شريطين ترامادول فى منزله للاستخدام الشخصى مع حالة مصابة بالسرطان لديه؟
وأضاف: هل معنى ذلك أنه يتاجر فى الترامادول، رغم أن التفتيش فى الصيدلية لم يثبت وجود أى أدوية مخالفة لديه، مؤكدة أن من يثبت أنه يبيع ترامادول بكميات كبيرة يستحق العقاب الشديد، ولكن شريط من أجل الاستخدام العلاجى لا يجب عقابه، وأيضًا الصيدلانية التى تم حبسها بعد إعطاء حقنة تسببت فى وفاة طفلة.
وأكدت نقيب صيادلة الجيزة، أنه بدلا من حل المشكلات الأصلية للمهنة سواء التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية أو الأدوية المغشوشة حتى لا يتم حبس الصيادلة وتوقيع عقوبات قاسية عليهم.
وأضافت أن الصيادلة بحاجة إلى تعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلة وحماية الصيادلة من الأخطاء المهنية وعدم التعامل معهم كأنهم مجرمون، مضيفة أن المهنة لم يعد فيها حماية رغم أن الصيادلة يعرضون أنفسهم للمخاطر فى التعامل مع المرضى.
أوضحت أن القانون يعاقب من يبيع بسعر زيادة عن التسعير الجبرى، ولكن من يبيع أقل من التسعير لا يعاقب، وتوجد نماذج تبيع بأسعار أقل من السعر فى سبيل المنافسة بسبب تزايد عدد الصيدليات.
من جانبه قال الدكتور هانى سامح المحامى والخبير القانونى، إن هناك عددا من القوانين التى تحكم العمليات الدوائية داخل الصيدلية على رأسها قانون مزاولة مهنة الصيدلة الصادر عام 1955 وتصل عقوباته بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتى جنيه لكل من زاول مهنة الصيدلة بدون ترخيص أو حصل على ترخيص بفتح صيدلية بطريق التحاليل أو باستعارة اسم الصيدلى.
وكذلك يعاقب قانون الصيدلة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة كل من فتح أو أنشأ أو أدار مؤسسة صيدلية بدون ترخيص ويعاقب بالحبس وبالغرامة كل من أقام صناعة أخرى فى مؤسسة صيدلية غير المرخص له بإدارتها.
وقال سامح، إن أى مخالفة أخرى لأحكام قانون الصيدلة أو القرارات الصدارة تنفيذا له، يعاقب مرتكبها بغرامة لا تقل عن جنيهين ولا تزيد على عشرة جنيهات وفقا للقانون الصادر فى 1955.
وعن جرائم المخدرات والأدوية المؤثرة على الحالة النفسية مثل الترامادول والزانكس والبريجابلين، أوضح الخبير القانونى أن العقوبات تتراوح بين الجنح للأدوية المؤثرة على الحالة النفسية وعقابها بالحبس الذى يكون بين السنة والخمس سنوات أو الجنايات للأدوية المخدرة والتى تصل عقوبتها إلى الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه.
نقلًا عن العدد الورقي…،