وحش التضخم.. سيناريوهات الأيام القادمة.. وسياسيون: الحكومة سبب “غول الأسعار”
لا يوجد أخطر على مصر الآن من التضخم الذى وصل إلى ٠٤ ٪ وفقا للبنك المركزى المصرى، وحش مفترس ينتظر الأسر المتوسطة والكادحة، وأثاره لن تتوقف عند حد ارتفاع الأسعار ما لم تتوخ الحكومة الحذر، وتحارب بآليات مختلفة الزيادات المستمرة فى الأسعار وتتصدى لتداعيات انخفاض قيمة العملة وعدم استقرارها.
لا جديد حتى الآن، مازالت مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم، والأسر ذات الدخل المنخفض تتضرر بشكل غير مسبوق جراء الزيادات المستمرة، وأصبح الغالبية يعتمدون على الدعم الحكومى للسلع الأساسية.
ما الذى يمكن أن تفعله الحكومة خلال الفترة المقبلة، وأى سياسات يجب أن تتبع خلال تنفيذ بنود الاتفاق مع صندوق النقد الدولى على حزمة إنقاذ لتخفيف الأزمة، مقابل تنفيذ مصر عدد من الإصلاحات الاقتصادية، بما فى ذلك التحول إلى سعر صرف مرن قد ينتهى بارتفاعات جديدة فى العملة، ومعها تضخم ومعاناة للمواطن الفقير.
للإجابة عن هذه الأسئلة، كان ملف «فيتو» مع الخبراء والنواب وأصحاب الرأى.
سيناريو وحيد
في البداية، يرى المهندس فريد زهران، رئيس حزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، أن المشهد الاقتصادى الحالى للدولة المصرية، وتزايد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، أصبح حالة ملموسة للمواطن المصرى، موضحا أن البلاد أمام سيناريو وحيد، وهو أننا مقدمون على موجات متتالية من التضخم وغلاء الأسعار دون وجود توقعات حقيقية بحدوث تراجع عن موجة الغلاء.
وأضاف زهران فى تصريح لـ«فيتو» أن التصدى لتزايد التضخم ورفع الأسعار يحتاج إلى إجراءات محددة والمزيد من المراجعة المستمرة لخطوات دعم برامج الحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى مراعاة برامج الحماية الاجتماعية وضمان وصول الدعم الاجتماعى لمن يستحق، وبالتوازى مع اتخاذ هذه الإجراءات يجب مراجعة السياسات الزراعية والصناعية للحد من الاستيراد وتوفير الجزء الأكبر من احتياجاتنا من السوق المحلى وكبح الزيادة فى معدل التضخم التى ينتج عنها تآكل تأثير برامج الحماية الاجتماعية الجديد.
وتابع زهران: يجب توفير بيئة تنافسية من شأنها جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، خاصة أن المستثمر أصبح يخشى الدخول للسوق المصرى الذى يحكمه ثقافة الأمر المباشر، مضيفا: وعلى الحكومة اتخاذ خطوات جادة فى هذا الشأن إلى جانب جدولة الإنفاق الحكومى، ما يسهم فى ضخ رأس المال الأجنبى، وتوفير سيولة للاستثمار فى القطاع الصناعى وزيادة الإنتاج.
وأكد رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى ضرورة اتخاذ عدد من الخطوات حتى نصل إلى نتائج مأمولة منها، لافتا إلى أهمية رفع الأجور، وزيادة الدعم النقدى للفئات الأولى بالرعاية، وعدم زيادة أي أعباء جديدة على المواطنين من خلال تثبيت أسعار الكهرباء والوقود، والامتناع عن فرض أي رسوم جديدة غير مباشرة.
ولفت إلى ضرورة إيجاد تعاون بين الحكومة ومجلس النواب وعمل مراجعة عاجلة للموازنة العامة للدولة وخطة التنمية وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق والمشروعات الكبرى وإيجاد التمويل اللازم لزيادة بنود الحماية الاجتماعية بجانب الصحة والتعليم لتخفيف العبء الهائل على المواطن فى هذين البندين.
أزمة هيكلية
أما المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصرى، فيرى أن التضخم وغلاء الأسعار أزمة هيكلية، وليست عابرة وبالتالى، موضحا أن الأمر لا يحتاج لمسكنات، إذ يعنى استمرار المشكلة وزيادة الأزمة استفحالا مثل كرة الثلج، ما لم يتم إعادة النظر فى السياسات التى يدار بها الاقتصاد المصرى.
وأضاف شعبان أن السياسة الاقتصادية يجب أن تقوم على منهج الإنتاج وتحفيز الصناعة والزراعة وتوفير احتياجات المجتمع من غذاء وسكن وعلاج.
ويؤكد شعبان أن المشكلة أكبر من وزراء الحكومة، بل فى السياسات التى يطبقونها، وبالتالى الاستمرار فى انتهاج هذه السياسات يجعلنا لا نستطيع ملاحقة التضخم ورفع الأسعار.
الحكومة السبب
من ناحيته يرى الدكتور جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ووزير التموين السابق، أن خفض التضخم والسيطرة على غول الأسعار يقتضى تخفيض الإنفاق الحكومى فى الموازنة، مشيرا إلى أن زيادة التضخم تؤدى إلى تآكل قيمة الجنيه المصرى، لافتا إلى أهمية وضع ملف إعادة فتح المصانع المتوقفة على رأس أولويات الدولة وجعله بندًا رئيسيًا فى مفاوضات جذب استثمارات جديدة لمصر.
وأشار جودة عبد الخالق إلى أن هناك قطاعات يجب الارتكاز عليها لتوفير عملة صعبة من جهة والحد من الواردات من جهة أخرى وإعادة تشغيل المصانع التى أغلقت أو تم خفض طاقتها الإنتاجية، الأمر الذى يغنينا عن الاستيراد أو على أقل تقدير الحد منه، وتطبيق اقتصاد حرب.
وعن ما تنتظره البورصة من تطبيق هذه السياسات، أوضح أنها ستنتعش، وسيزيد فيها التداول والاستثمار من خلال شراء الأسهم، وتابع: يجب إعادة النظر فى بعض المشروعات ذات الميزانية الضخمة.
بدورها، قالت الدكتورة هدى أبو رميلة، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأهرام الكندية أن التضخم المتزايد، أحد أهم الظواهر المقلقة عالميا ليس فقط لانعكاساتها الاقتصادية بل لتداعياتها السياسية والاجتماعية التى تفرز حالة من عدم اليقين العام والأمان بشأن المستقبل، إذ أصبح الارتفاع اليومى لأسعار السلع والخدمات الأساسية للمواطن بمنزلة تذكير يومى له بالقلق وعدم الأمان بشأن المستقبل خاصة الطبقة الوسطى والفقيرة والمهمشة نظرا لقدراتهم المتواضعة على حماية أنفسهم من مخاطر المستقبل.
وأضافت أن هناك رابحين وخاسرين من ارتفاع التضخم، على رأسهم الفئات العاملة المتميزة ذات القدرة القوية على المساومة فى الأجور، والذين يمكنهم حماية دخولهم الحقيقية بالتفاوض على أجور أعلى.
واستكملت: هناك المنتجون، الذين إذا ارتفعت أسعار منتجاتهم بشكل أسرع من التكاليف، ينعكس ذلك على هوامش ربح أعلى، بجانب المجموعات الثرية التى تتربح من تضخم أسعار الأصول (مثل الأسهم والممتلكات).
أما الخاسرون المحتملون من ارتفاع التضخم، فهم المتقاعدون ذوو الدخل الثابت، إذ يخفض التضخم القيمة الحقيقية لمعاشاتهم التقاعدية ومدخراتهم، وكذلك العمال فى وظائف منخفضة الأجر مع القليل من القوة التفاوضية، والمقرضون إذا كانت أسعار الفائدة الحقيقية على القروض سلبية، والمدخرون إذا كانت العوائد الحقيقية على الودائع المصرفية التجارية سلبية.
نقلًا عن العدد الورقي…،