لغز الانتخابات الليبية.. تحركات دولية لإيجاد رئيس للدولة الغنية.. وأمريكا كلمة السر
تشهد الدولة الليبية فى الآونة الأخيرة اجتماعات دولية عديدة وتحركات أممية واسعة على أصعدة مختلفة، أملًا فى إيجاد حل فعال لتحريك الأوضاع المتجمدة فى البلاد، كما أنها خطت خطوات قد تؤدى لانفراجة، شريطة مرونة الأطراف السياسية، وذلك لحلحلة أزمة الانتخابات التى تعثرت بفعل القوة القاهرة بعد نحو عام كامل على إطلاق الأمم المتحدة لمبادرة تهدف لحل الأزمة الليبية، دون أن ترى النور.
ولمواكبة هذا الحَراك أيضًا، دفعت الولايات المتحدة والبعثة الأممية فى ليبيا التحركات المحلية الهادفة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وترجم أولى تلك التحركات اللقاء الذى جمع بين رئيس مجلس النواب الليبى المستشار عقيلة صالح بمقر البرلمان فى مدينة بنغازى شرقى البلاد، مع المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية ريتشارد نورلاند والقائم بالأعمال بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية ليزلى أوردمان، والذى ناقش تطورات الأوضاع فى ليبيا وسبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى أقرب موعد، والتأكيد على وفاء مجلس النواب بكافة التشريعات اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من خلال التعديل الدستورى الثالث عشر وقوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، واستعداده لإجراء أى تعديل لازم إذا ما اقتضت الحاجة لذلك، إلى أنه لا توجد أى عائق لإجراء الانتخابات من جانب التشريعات اللازمة لإجرائها.
لكن فى المقابل، اشترط رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، تنظيم استفتاء شعبى على التعديل الدستورى، واتهم رئيسى البرلمان ومجلس الدولة بالعمل على عدم تمكين الليبيين من الانتخاب، بينما رأى رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشرى أن هناك حاجة لتشكيل حكومة موحدة ومصغرة بمدة زمنية محددة تتولى الإشراف على الانتخابات، كما دعا إلى ضرورة تغيير المفوضية العليا للانتخابات، لذا تزداد هذه الخلافات بشأن الطريق المؤدى للانتخابات أكثر بعد إعلان شروط الترشح للرئاسة، حيث يرفض مجلس الدولة بشدة ترشح العسكريين ومزدوجى الجنسية، بينما يدعو البرلمان إلى السماح للجميع بالمشاركة وترك الخيار لليبيين، كما أبدت حكومة فتحى باشاغا استغرابها من تجاهلها، معتبرة أن محاولة تجاوز الأجسام السياسية الرسمية أمر لا يساعد فى الوصول إلى حلول ناجحة ومرضية، ويضع البعثة فى موقف متناقض وغير محايد.
خطة باتيلي
ومن ناحية أخرى سارعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى إعلان دعمها لخطة باتيلى فور إعلانها، كما نادت السفارة الأمريكية فى ليبيا القادة الليبيين لأخذ خطة الممثل الخاص للأمم المتحدة فى ليبيا بروح بناءة، بينما أكدت سفارة بريطانيا فى طرابلس دعمها الخطة الهادفة إلى الاتفاق على الخطوات التالية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وطالبت المتواجدين فى السلطة بضرورة تقديم التنازلات لإنجاح العملية الانتخابية.
وعلى الرغم من الدعم الملحوظ من قبل أمريكا وبريطانيا إلى أن التوافق الدولى بشأن تلك المبادرة الأممية لا يزال بحاجة إلى إجماع دولى، خاصة أن روسيا، اللاعب الأبرز فى ليبيا، ترى أنه لا ضرورة للتعجيل فى الانتخابات، وهو ما يؤكد غياب التوافق الدولى حتى هذه اللحظة، فموسكو لاعب قوى فى ليبيا ولديها قوات فاجنر فى شرق وجنوب البلاد، ولها تأثير على بعض المسئولين فى الدولة.
وبشأن ما إذا كانت ليبيا ستتمكن من إجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام، شدد المحلل السياسى الليبى إدريس إحميد على ضرورة وجود حل «ليبي-ليبى» أولًا بعيدًا عن التدخلات الخارجية، وذلك نظرًا لما تشهده البلاد من «صراع روسي- أمريكى»، بجانب الخلافات الواضحة داخليا بين الأطراف الرافضة لشروط الترشح للانتخابات، مرجعًا ذلك إلى عمق الأزمة الليبية وانعدام الثقة بين الأطراف السياسية وأنه فى حال أرادت البلاد إجراء انتخابات؛ فلا بد من أن يكون هناك حل ليبي- ليبى واضح، بجانب الانخراط فى مصالحة وطنية حقيقية بين الأطراف المتصدرة للمشهد السياسى، بحيث تصل إلى اتفاق، لأنه فى ظل تلك الفوضى والانقسام لا يمكن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية العام الجارى.
فصل جديد من الأزمة
من جانبه، قال محمد فتحى الشريف رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات، إن الأزمة الليبية تشهد فصلا جديدا من فصول الحل والذهاب إلى الانتخابات من خلال طرح جديد للمبعوث الأممى للدعم فى ليبيا عبد الله باثيلى بالتنسيق مع أمريكا وأوروبا ومباركة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبعض الدول الفاعلة.
وتابع بأن مساعى الولايات المتحدة الأمريكية لصناعة تقارب مع الفرقاء فى ليبيا شرقا وغربا (طرابلس – وبنغازى) تهدف إلى أن تعود بقوة إلى الملف الليبى الذى أدارته من خلف الستار لفترات طويلة، وظهر ذلك واضحًا بعد زيارات لمسئولين أمنيين بارزين، منهم مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز إلى طرابلس وبنغازى، ولقاء رئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة فى طرابلس، والمشير خلفية حفتر القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية فى بنغازى.
وأضاف: الزيارة المعلنة لمدير الـ«سى آى إيه»، والتى تعد الأولى لمسئول أمريكى أمنى منذ العام 2012 عندما قتل سفيرهم وثلاثة آخرين فى بنغازى، دليل قوى على أن هناك تنسيقا بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتقليص الدور الروسى فى ليبيا، وهو أحد فصول التغيير فى إدارة الملفات بمنطقة الشرق الأوسط من قبل أمريكا وأوروبا بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
وأكد أن الأطروحات الجديدة فى معالجة الأزمة الليبية سوف تتجنب أخطاء الماضى وستكون أكثر فعالية وهذا يتوقف على نجاح أمريكا ومن خلفها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا فى معالجة إشكالية من يقود المرحلة الانتقالية، وكذلك ما أنجزته القاهرة من توافق غير مسبوق حول القاعدة الدستورية، وهى نقطة إيجابية جديدة فى الملف الليبى تضاف إلى نجاحات الدولة المصرية فى معالجة الملف الليبى، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار فى أكتوبر (2020).
الصراع الروسى الأمريكي
وحول الصراع الروسى الأمريكى قال الشريف، إن الولايات المتحدة الأمريكية تجرى حاليا تنسيقا أمنيا مع كافة الأطراف فى ليبيا بهدف تقليص الدور الروسى وخاصة فى المنطقة الشرقية، لأن ما قامت به تركيا فى الفترات السابقة فى الغرب الليبى كان بتنسيق كامل ومباشر مع الولايات المتحدة، وأمريكا الآن تحاول أن تنسق مع الجيش الوطنى والمشير حفتر والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الشريك الأساسى فى العملية السياسية المقبلة بشكل أكبر على حساب موسكو، ولكن تقليص دور روسيا فى ليبيا لن يكون سهلا، وخاصة أن روسيا حاليا تريد أن تسيطر وتهيمن من خلال أجهزتها الاستخباراتية ولن تقع فى أخطاء الماضى.
نقلًا عن العدد الورقي…،