سيناريوهات “صراع الهيمالايا” بين الصين والهند… نيودلهي تغازل أمريكا وتتفاوض على طائرات دون طيار
الصراع بين الصين والهند يشتد للدرجة التى جعلت من كليهما خطرا شديدا على القارة الآسيوية كلها، إذ يتوقع الخبراء اندلاع حرب لا تبقى ولا تذر بين الدولتين النوويتين فى أى لحظة، وإن كانت الظروف العالمية لا تهيئ لمثل هذا الصراع فى الوقت الحالى.
صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية تناولت كواليس الصراع، فى تقرير خطير نشرته الأسبوع الماضى، وقالت فيه إن الهند قد تنحاز إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهة الصين فى إشارة إلى ما يسمى بـ«صراع الهيمالايا».
طائرات بدون طيار
وأوضحت الصحيفة أن الهند تخطط لشراء مسيرات هجومية أمريكية متقدمة بدون طيار مسلحة على ارتفاعات عالية تتخطى 40 ألف قدم من نوع MQ-9B مجهزة بقدرات الحرب المضادة للغواصات، وكذلك الصواريخ المضادة للسفن والهجوم البرى، والتى لديها قدرة تحمل تتخطى الـ40 ساعة فى الجو مما يجعلها مفيدة للمراقبة البحرية الهندية فى المحيط الهندى ضد الوجود البحرى الصينى.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن الصفقة تكتسب زخمًا فى نيودلهى، ومن المحتمل الاتفاق عليها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وحال التوقيع عليها ستحتاج لموافقة الولايات المتحدة، ما يجعل الهند أول دولة ليست حليفة للولايات المتحدة تشترى النسخة المسلحة من الطائرات بدون طيار.
التوقعات التى نشرتها الصحيفة الأمريكية دفعت المتحدث باسم البنتاجون مارتى ماينرز للقول إن وزارة الدفاع الأمريكية لا تعلق على المبيعات العسكرية الخارجية المحتملة قبل إخطارها رسميا للكونجرس.
وعلى الرغم من المخاوف التى سيطرت على العالم بعد الحديث عن الصفقة المتوقعة، إلا أن وزير الخارجية الصينى تشين قانج، التقى وزير الشئون الخارجية الهندى سوبراهمانام جايشانكار وتعهدا بتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، وقال تشين: «إن الصين والهند، باعتبارهما جارتين واقتصادين ناشئين كبيرين تجمعهما مصالح مشتركة أكثر بكثير من الخلافات، موضحا أنه يتعين على الجانبين التمهيد لإحداث توافق بين قادة البلدين، والحفاظ على الحوار وحل الخلافات بشكل مناسب.
وتعزيز تحسين العلاقات الثنائية والمضى قدما فى العلاقات بثبات، لافتا إلى أن بلاده مستعدة لتسريع استئناف التبادلات والتعاون مع الهند فى مختلف المجالات، فضلا عن استئناف الرحلات الجوية المباشرة فى أقرب وقت ممكن، وتسهيل التبادلات الشعبية.
ومن جانبه، قال جايشانكار إن الجانب الهندى يوافق على أنه ينبغى فهم العلاقات الثنائية وتحسينها من منظور تاريخى ومن منظور استراتيجى، كما ينبغى إنشاء المزيد من منصات التعاون لتعزيز العلاقات بين الهند والصين على المسار الصحيح، مشيرا إلى أن الوضع الحالى على الحدود يستقر تدريجيا، لذا يجب على الجانبين العمل معا للحفاظ على السلام والهدوء فى المناطق الحدودية.
صراع الهيمالايا
وتعليقًا على ما أثير مؤخرًا من مخاوف مناصرة الهند لأمريكا فى مواجهة جارتها النووية الصين، عبر صراع الهيمالايا، قال عماد الأزرق، رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، إن الصراع الهندى – الصينى تاريخى يعود إلى عام 1947 عند استقلال الهند عن بريطانيا التى منحتها هضبة شمال شرقى البلاد، بينما ترى الصين أنها ملكا لها.
أضاف: حدة الصراع تتباين بين الجانبين بحسب الظرف التاريخى والسياسى، إذ بلغت ذروتها عام 1962 عندما وقعت حربا حدودية خاطفة بين الجانبين، هزُمت فيها القوات الهندية وسيطرت الصين على مرتفعات أقساى تشين التى تفصل بين البلدين.
وتابع: «كانت آخر مواجهة كبيرة بين البلدين فى عام 2017، حين بدأت الصين فى شق طريق عسكرى على تلة استراتيجية قرب حدودها تعرف بهضبة «دوكلام» والتى تربط بين أراض صينية وهندية وبوتانية، وانتهت تلك الواقعة بتراجع القوات من كافة الأطراف، ليبقى الصراع بين الطرفين قائما ومعرضا دوما للاشتعال فى أية لحظة.
وأوضح أن الهند بلا شك تجيد قراءة الوضع الدولى والصراع المشتعل حاليا على خلفية الحرب الأوكرانية – الروسية، والاحتشاد الغربى فى مواجهة روسيا، وانتهاز واشنطن هذا الوضع لممارسة ضغوط شديدة على بكين باعتبارها الحليف الاستراتيجى لروسيا للتأثير على التعاون المشترك بين موسكو وبكين.
وأكد أن الإدارة الأمريكية أصبحت تعتبر الصين المهدد الاستراتيجى الأول لها، ما دفع نيودلهى لاستغلال هذا الموقف للحصول على الطائرة المسيرة الأمريكية المتقدمة والتى ترى واشنطن فى ذلك ردا لاعتبار تكنولوجيتها فى مواجهة توسع روسيا فى حربها مع أوكرانيا بالاعتماد على الطائرات المسيرة الإيرانية.
استكمل: وفقا لذلك، فإن استعانة الهند بالولايات الأمريكية فى صراعها مع الصين أمر وارد فى إطار الوضع الجيوسياسى العالمى، وفى إطار التوجهات الأمريكية لتشكيل عدد من التحالفات والتكتلات فى آسيا والمحيط الهادى لمحاصرة الصين اقتصاديا وعسكريا ونفسيا، وهو ما وضح من خلال تكوين تحالف «أوكوس»، الذى يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وتحالف «كواد» الذى يضم كلًّا من الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، وغيرهما.
ولفت إلى أن إقدام الهند على شراء هذه النوعية من الطائرات المسيرة الأمريكية يؤشر على أنه ربما ينحرف الصراع الهندى – الصينى عن كونه صراعا حدوديا على أراض جبلية إلى صراع ممتد وشامل، لافتا إلى أن الصفقة المفترض إتمامها تتعلق بشراء الطائرات بدون طيار المتقدمة من نوع “MQ-9B” المجهزة بقدرات الحرب المضادة للغواصات، وكذلك الصواريخ المضادة للسفن والهجوم البرى، وهو ما من شأنه أن يعزز أيضًا جهود المراقبة البحرية الهندية فى المحيط الهندى.
وأوضح أن إجراءات شراء الأسلحة الأمريكية تأخذ بعض الوقت، إذ يجب أولا الحصول على موافقة عدد من لجان الكونجرس الأمريكى بغرفتيه قبل الموافقة النهائية، ويستلزم ذلك إجراء مناقشات، لافتا إلى أن الصفقة متوقع إتمامها فى النصف الثانى من العام 2023، إذا لم تكن هذه الإجراءات قد تمت وهو ما لم تتحدث عنه أى تقارير رسمية أو صحفية، موضحا أنها ستنتهى بشكل سلس وبدون أى تحفظ نظرا للعلاقات العسكرية الوطيدة بين البلدين.
ومن جانبه، قال الدكتور مهدى عفيفى، عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى، إنه لا يعتقد وقوع صراع بين الهند والصين فى المستقبل القريب، لافتا إلى أن أمريكا لن تسمح بذلك فى ظل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب عليهما من أزمات للعالم أجمع.
مناوشات القوى الكبرى
وتابع: ما يحدث مجرد مناوشات طبيعية بين القوى الكبرى لإثبات الذات ليس أكثر، فالصين والهند ليس لديهما استعداد لذلك حتى لا يتأثر النمو الاقتصادى لكليهما بشكل سلبى مما قد يدفع المواطنين للقيام بثورة، لكن فى حالة قيام صراع بين الطرفين وذلك مستبعد تماما فى الوقت الحالى لن تترك أمريكا الهند بمفردها نظرا للتعاون بين الطرفين فى مجالات كبرى.
وعن شراء المسيرات الأمريكية، أكد عفيفى أن ذلك أيضًا مستبعد، إذ تحاول أمريكا أن تنأى بنفسها عن هذا الصراع، إلا لو احتدم بشكل كبير، فى هذه الحالة من الممكن فعلا أن تحتاج الهند للمسيرات الحديثة التى لا تمتلكها سوى الولايات المتحدة الأمريكية، وهما نوعان فقط، وشراؤهما يحتاج أموالًا باهظة وتدريبات خاصة.
وأكد أنه من الممكن أن تتعاون أمريكا مع الهند لمواجهة الصين، مشيرا إلى أن الاتفاق بشأن تلك الصفقة المزعومة لن يكون ممكنا الاتفاق عليه، إلا فى حال وقوع صراع حقيقى بين الطرفين، موضحا أن الولايات المتحدة تتحفظ على بيع بعض الأسلحة بأى ثمن كان لضمان التفوق الأمريكى، وحتى لا تكشف أسرارها حال سقوطها وإعادة هندستها مرة أخرى.
وبدروها قالت تمارا برو، الباحثة فى الشأن الصينى، إن الهند والولايات المتحدة الأمريكية تتفقان على مواجهة الصين وكبح صعودها، موضحة أن لدى الهند مشكلات حدودية مع الصين، كما أن الأخيرة ترتبط بعلاقات صداقة باكستان والأخيرة على مشكلات كبير مع الهند.
وأشارت الباحثة إلى أن نيودلهى عضو فى تحالف «كواد» الرباعى، الذى يسعى للتصدى لنفوذ الصين فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، كما تجرى مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات بالإضافة إلى دول أخرى.
ولفتت إلى إجراء مناورات العسكرية بين الدولتين بالقرب من خط السيطرة الفعلية على الحدود المتنازع عليها بين الصين والهند، بعد نهاية الحرب الصينية الهندية عام 1962، كما يتبادل كبار المسئولين الزيارات التى تهدف لتعزيز التعاون العسكرى بين الجانبين، فأمريكا تعتبر الصين منافسها الوحيد وتسعى بشتى الطرق لمحاصرتها وتشكيل الأحلاف لمواجهتها وفرض العقوبات عليها لذلك من الطبيعى أن تقف أمريكا إلى جانب الهند.
وتابعت برو: «تشهد المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين الصين والهند خلال السنوات الماضية اشتباكات ومناوشات وبعدها تهدأ الأمور بين الطرفين، مضيفة: لا أعتقد أن الجانبين سيدخلان فى صراع عسكرى، لأن كليهما لا يريد الحرب، فالصين لا تود الدخول فى أى صراع مع الهند، وتريد التركيز على تحقيق النمو الاقتصادى لتعويض خسائرها من كوفيد19 الذى فرضت بسببه حظرا لمدة ثلاث سنوات، وكذلك أزمة العقارات والحرب الروسية الأوكرانية.
وعن المناقشات حول صفقات الطائرات بدون طيار بين أمريكا والهند، أوضحت الباحثة أنها بدأت عام 2017، وفى العام 2019 وافقت حكومة دونالد ترامب على الصفقة بيد أن المفاوضات تم تعليقها لفترة طويلة.
لكن على ما يبدو، فإن زيارة مستشار الأمن القومى الهندى أجيد دوفان لأمريكا فى يناير الماضى ولقائه المسئولين الأمريكيين ونظيره جاك سوليفان أعادت إحياء الصفقة التى تبلغ قيمتها أكثر من 3 مليارات دولار، والمتمثلة فى شراء 30 طائرة بدون طيار لتعزيز المراقبة على طول حدودها مع الصين وتتبع السفن الحربية الصينية فى منطقة المحيط الهندى، وستتعاون واشنطن مع نيودلهى أيضًا فى تطوير الطائرات المسيرة وتصديرها لدول أخرى فى المنطقة.
نقلًا عن العدد الورقي…،