رئيس التحرير
عصام كامل

عيون الدولة فى عهد عمر


كان عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- يبذل جهدا كبيرا حتى لا يخفى عليه أمر من أمور الدولة.. رغم اتساع الدولة في عهده، ودخول أمم جديدة في الإسلام، بالإضافة إلى أجناس وطوائف أخرى تحت مظلة الدولة الإسلامية..


عيّن عمر في كل إدارات الدولة مَنْ كان يكتب له الأخبار.. وهؤلاء كانوا بمثابة عيون للدولة الإسلامية.. يرصدون الحوادث ويراقبون الولاة، وضوابط ما يحدث في المجتمع، والخروقات التي قد تحدث.. حتى يقف أمير المؤمنين على حقيقة الأوضاع في كل بلد، ويستطيع محاسبة مَنْ يقصر من ولاته وقضاته وعماله ومفتيه.

ورغم أن الولاة الذين كان يعينهم عمر من الصحابة، والمشهود لهم بحسن الإيمان، ومن الذين يرضى عنه الناس.. إلا أنه كان يراقبهم أيضا في كيفية إدارتهم لشئون الولاية التي يحكمونها، وطريقة تعاملهم مع شعوبهم، فإذا رأى تقصيرا من هؤلاء عزلهم، وجاء بآخرين مكانهم.

اختيار عمر للولاة كان ينصب في الأساس على الكفاءة.. ثم يضع عليهم رقيبا؛ لمراقبة تصرفاتهم المالية وإدارة شئون البلاد؛ للوقوف على ما يحدث فيها ومعرفة أخبارها.

كما أنه كان يفتح الباب على مصراعيه أمام الرعية لشكواهم وشئونهم مع الوالى.. فقد كان النعمان بن عدى حاكما لنيسان.. وعندما استساغ طعم العز والجاه كتب إلى زوجته برسالة فيها هذا البيت:
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ** تنادٍ منا بالجوسق المتهدم
ومعناه: "أن أمير المؤمنين سيغضب منا لو علم بأننا نتنادى في هذه القصور الفخمة".. فعزله عمر.. وكتب له "نعم.. لقد ساءنى هذا".. ليعلم النعمان أنه قد علم بشأن هذا البيت الذي كتبه لزوجته.. ليكون النعمان عبرة لغيره.

كذلك جاءت شكوى ضد حاكم البصرة أبى موسى الأشعرى إلى الفاروق.. فكتب عمر بيان الشاكى بيده.. واستدعى أبا موسى.. وحقق معه بنفسه.. وكانت التهم أن الأشعرى خصص 60 من أبناء دهاقين الفرس من الأسرى لنفسه، وجارية تقدم له الطعام صباحا ومساءً.. مع أن هذا النوع من الطعام لا يتوفر لعامة المسلمين.. وأنه قد ترك أمور حكمه في يد زياد بن سمية، وأن زياد يسيطر على كل شىء في البصرة..

وانتهى التحقيق الذي أجراه عمر بنفسه مع أبى موسى الأشعرى إلى زيف التهمة الأولى، أي أنه لم يحصل على 60 من أبناء الدهاقنة لنفسه.. ورد "الأشعرى" على التهمة الثالثة بأن زياد بن سمية رجل سياسة وتدبير.. وقد اختاره لذلك مستشارا له.. فطلب عمر زيادا وامتحنه بنفسه.. وأدرك الفاروق أن ابن سمية رجل داهية.. ولذلك خاطب عمر حكام البصرة ليجعلوا زيادا مستشارا لهم.

وعندما عرضت التهمة الثانية الحاصة بالجارية، لم يستطع أبو موسى أن يرد بأى حجة.. فأخذ عمر الجارية منه.. فقد كان رضى الله عنه يحاسب عماله محاسبة شديدة، خاصة عندما نما إلى علمه أنهم يسعون إلى الفخر أو التعالى..

وللحديث بقية إن شاء الله..
الجريدة الرسمية