الخطة “حشد” مناورة الإخوان الأخيرة لإسقاط رئيس تونس.. وحركة النهضة تأمر أتباعها بالمشاركة
تحاول «الإخوان» استغلال الفرصة الأخيرة لها فى إسقاط الرئيس التونسى قيس سعيد، إذ تتخفى فى التظاهرات التى دعا لها الاتحاد العام للشغل، وأكثر من جهة على خلاف مع الرئيس، ودفعت أنصارها للظهور بقوة وسط المتظاهرين، فى محاولة لإعادة سيناريو 2010 الذى أسقط الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على، فالحشد الآن بمنزلة المناورة الأخيرة لإسقاط الرئيس، قبل أن تتحلل الحركة وتنتهى، وتصبح فى غياهب التاريخ.
ماذا تريد الحركة؟
جماعة الإخوان التى تمثلها فى تونس حركة النهضة، وزعيمها راشد الغنوشى، انقلبوا رأسا على عقب بعد اشتعال الأحداث فى البلاد، وبعد أن كانت الحركة الإخوانية ترفض الدفع بأنصارها فى التظاهرات طوال الأشهر الماضية خوفا من الفتك بها وتسريع المواجهة الصفرية بمفردها مع الأجهزة الأمنية، أصدرت أمرًا لأتباعها بالمشاركة بقوة فى المسيرات الاحتجاجية ضد الرئيس قيس سعيد.
شاهد القرار الذى أصدرته الحركة، يؤكد أن باب التصعيد قد فتح على مصراعيه خاصة بعد الضربات القاتلة التى تلقتها خلال الأشهر الماضية فى ساحات القضاء وتوقيف أهم قياداتها بتهم تتعلق بعدد من الملفات، تتراوح بين الإرهاب وغسيل الأموال والإتجار فى العملة والتمويل الخارجى المشبوه.
خلال الأشهر الماضية، كانت الحركة تناور سياسيا، تهاجم وتشجب وترفض القرارات القضائية والحكومية بحقها، لكنها فى الوقت نفسه تحافظ على شعرة معاوية مع الدولة حتى لا تصل إلى لحظة الصدام بالخروج للشارع، وحسب مصادر، اعتمدت على أسلوب الحرب بالوكالة.
صدّرت النهضة فى الصدام مع الدولة عدة وكلاء أبرزهم كان أحمد نجيب الشابى، قائد ما يسمى بجبهة الخلاص الوطنى، قبل أن تتصدى الدولة للمخطط وتستهدف عددا من قادة الجبهة وتنهى على مخططها، وهنا لم يعد أمام «النهضة» بديل عن الانخراط مباشرة فى الصراع لاسيما أن علاقة قيس سعيد أصبحت متوترة للغاية بعدد من القوى السياسية والكيانات السياسية والنقابية التاريخية فى البلاد، على رأسها الاتحاد العام التونسى للشغل وأمينه العام نور الدين الطبوبى.
الغنوشى لم يحاسب بعد
يقول الهادى الطرابلسى، الكاتب والباحث التونسى فى شئون جماعات الإسلام السياسى، إن الغنوشى لم يحاسب بعد، ومهما فعل الآن للتخفى خلف المظاهرات المزعومة لن يستطيع تحقيق مآربه، موضحا أن التوانسة يعرفون جيدا الآن أن القيادى الإخوانى جاء إلى تونس من منفاه لا ليحكم بل ليتسلم «الجائزة» أو الغنيمة التى قدمها له التنظيم الدولى وحلفاؤه وممولوه مقابل تعاونه وتشجيعه لمجاهدى تونس، على حد قوله.
يوضح الطرابلسى فى تصريحات خاصة، أن المتطرفين الذين يرعاهم العنوشى، كان مخططا لهم أن يأويهم فى معسكر كبير لتدريب الجهاديين، ولكن الله أنقذ تونس من بين أيديهم، ولا سبيل لإعادتهم مرة أخرى، مهما كان الخلاف حول طريقة إدارة الرئيس قيس سعيد للبلاد.
ما يقوله الطرابلسى، ينطبق على الأسباب التى سردتها الأجهزة الأمنية خلال حملة توقيف القيادى التاريخى فى الحركة الحبيب اللوز الذى ألقى القبض عليه قبل أيام، إذ يعرف الحبيب أنه من صقور الحركة المشهور عنهم رجعيتهم الشديدة، ويكشف عن ذلك مواقفه المثيرة للجدل خاصة بشأن القتال فى سوريا.
تاريخ الحبيب يحمل الكثير من المفارقات التى لا تبتعد كثيرًا عن مشكلات الإخوان فى العالم، إذ عقب خسارة الحركة للحكم فى تونس بعد 2013، وبدلا من محاسبته ومعرفة الأسباب التى أدت لسقوط الحركة، تم الدفع به إلى الظل، وتكليفه بأخطر ملفات الجماعة على الإطلاق -الملف الدعوى- الذى يدار من قبل جمعية الدعوة والإصلاح كواجهة دعوية للحركة.
لم يكن الحبيب وحده الذى يحمل آراء متطرفة فى قضية الجهاد، وتحوم حوله الشبهات التى تحقق فيها أجهزة الأمن حول علاقته بتسفير الشباب التونسى إلى سوريا وغيرها من البلدان التى ينشط فيها التيارات الجهادية، بل جرى احتجاز وزير العدل الأسبق نور الدين البحيرى، وفوزى كمون مدير مكتب رئيس الحركة راشد الغنوشى، والقيادى البارز السيد الفرجانى والقيادى المستقيل عبد الحميد الجلاصى.
قيس سعيد ليس العدو الوحيد للإخوان
الاتهامات بحق الحركة والتحقيقات الموسعة مع أعضائها، تقول عنها النهضة -ذراع الإخوان فى تونس- أنها ملفقة بسبب العداء الصريح بينها وبين رئيس الدولة، وتستند على ما تعتبره تلفيقات من قيس سعيد لخصومه من خارج تيار الإسلام السياسى، وهى الاتهامات التى يعتبرها الرئيس تصحيح لمسار الثورة، ومكافحة الفساد والفوضى فى البلاد.
لكن ما يبدو لافتا إلى أن قيس سعيد ليس وحده فى المواجهة والحرب على إخوان تونس، بل هناك جهات وكيانات شعبية عدة فى البلاد ترغب بشدة فى فتح ملفات الإخوان وعلاقاتها بالتيارات الدينية المتطرفة العابرة للحدود، على رأسها الحزب الدستور الحر، ورئيسته عبير موسى.
الحزب المحسوب على إرث الحبيب بورقيبة، الزعيم التاريخى للبلاد، ومؤسس الحداثة فى تونس، لم يكتف بمواجهة الإخوان داخليا، والتأكيد على أهمية فتح كل المسكوت عنه، بل انخرط فى حملات خارجية تهدف لفتح ملفات الإخوان وتيارات الإسلام السياسى فى المنطقة.
وتوجه الحزب قبل أيام بخطاب رسمى مفتوح إلى مجلس وزارة الداخلية العرب الذى انعقد مطلع مارس فى تونس، وأعاد اتهام الإخوان بالمسئولية عن تغلغل التنظيمات الحاملة للفكر الظلامى وذات العلاقة بالجرائم الإرهابية فى تونس، خلال فترة سيطرتهم على الحكم ومؤسسات الدولة منذ عام 2011.
طالب «الدستور الحر» ورئيسته عبير موسى، وزراء الداخلية العرب بوضع ملف تغلغل التنظيمات المشبوهة فى تونس على طاولة الحوار، وإصدار توصية عاجلة للدول التى ترعاها بترحيلها من الأراضى التونسية والتوقف عن تمويلها، كما أهاب الحزب بالدول العربية كافة، بتفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات حول الأشخاص والتنظيمات الظلامية ذات العلاقة بالجرائم الإرهابية لتسهيل عمل العدالة فى كل البلدان والتعجيل بمحاسبة المتورطين فى إهدار الدم العربى فى تونس وليبيا ومصر والعراق وسوريا وغيرها من المناطق العربية التى عانت الويلات من الهجمات الإرهابية وتسفير الشباب للقتال فى بؤر التوتر.
فى نفس السياق، يقول ماهر الهذيلى، الكاتب والباحث التونسى، إن حركة النهضة لا يعنيها الشعب التونسى بالأساس حتى تنصهر فى مظاهراته ضد السلطة، موضحا أن محصلة أعمالها منذ أكثر من عشرة سنوات، نشر فكر الإخوان فى تونس بشكل مؤسسى، فالحركة فصيل لا ينفصل عن حركة الإخوان المسلمين فكرا ومنهجا ومشروعا مهما ادعت عكس ذلك.
يؤكد الباحث أن الحركة الإخوانية لا تؤمن بالدولة المدنية، ولا التداول السلمى للسلطة، وتعتمد مبدأ التقية بالانخراط فى العملية الانتخابية لتتمكن من المجتمع، بعد أن تسقط الدولة المدنية لفائدة مشروع الدولة الدينية الشمولية، التى لا تعترف بغير منظومتها فى الحكم، والتشاور أو الشورى لا يكون إلا من خلال المنظومة وأنصارها من التيارات الدينية، والباقى سيصنف ضمن فئات محددة، فإما مرتد أو كافر، وسيكون المرجع الوحيد للشعوب «مرشد الإخوان».
أضاف: حرصت أذرع الإخوان طوال حكمها فى تونس على شراء ذمم إعلاميين ونخب سياسية، من أجل تأزيم الوضع وخلق صراعات من داخل القوى المدنية لإسقاطها وتشويهها أمام الجمهور، وصنع مدونين وخلق منصات تواصل اجتماعى تبث الفتنة وتحاصر أى قلم وطنى تقدمى وتشويهه من خلال برامج تلفزيونية غارقة فى الإسفاف والانحلال.
واختتم الباحث مؤكدا أن تونس تعيش مرحلة دقيقة من تاريخها وتمثل لها نقطة اللاعودة، فإما دولة مدنية تضمن العدالة وحرية المعتقد والفكر، أو دولة الملالى على غرار إيران، على حد قوله.
نقلًا عن العدد الورقي…،