رئيس التحرير
عصام كامل

الأخطبوط والبغول أهم سر في ملف تمويل الإخوان.. كامل وندا ونصر الدين أبرز الممولين.. عشر إيرادات شركات رجال الأعمال للجماعة.. 20 مليار دولار عوائد استثمارات في الخارج


الحديث عن مصادر تمويل الجماعة ومدى مشروعيتها وخضوعها لرقابة الأجهزة الرقابية كان بمثابة خط أحمر لا يمكن تجاوزه، ومن يتجرأ ويتجاوز هذا الخط يتهم بأنه يتدخل فيما لا يعنيه، أو أنه يعمل لصالح جهات أمنية تريد التشكيك في الجماعة وتقليل رصيدها وشعبيتها في الشارع السياسي ولكن بعد سقوط حكم الإخوان الفاشل أصبح المناخ يتيح كشف المستور فيما يتعلق بأسرار وخبايا الجماعة التي تأسست منذ أكثر من 80 عاما.


وما يظهر من ثروات وأموال جماعة الإخوان في مصر وباقي دول العالم، لا يزيد على كونه الجزء الظاهر من "جبل الثلج"، يختفي معظمه تحت الماء، وهو ما أكده في تقرير له الصحفي الأمريكي فرح دوجلاس، الذي عمل في السابق مديرًا لمكتب صحيفة "واشنطن بوست" في غرب أفريقيا، وهو يعد من أوائل التقارير التي كشفت عن مصادر تمويل الإخوان.

وأشار دوجلاس في تقريره إلى أن الإخوان نجحوا بالتوازي مع بداية ظاهرة البنوك الإسلامية الحديثة، في بناء هيكل متين من شركات "الأوف شور"، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من قدرتها على إخفاء ونقل الأموال حول العالم، فهي شركات يتم تأسيسها في دولة أخرى غير الدولة التي تمارس فيها نشاطها، وتتمتع هذه الشركات بغموض كبير يجعلها بعيدة عن الرقابة، مؤكدا أن الفرضية الأساسية للجوء الإخوان لشركات "الأوف شور"، هي الحاجة لبناء شبكة في الخفاء، بعيدًا عن أنظار الذين لا يتفقون معها في الأهداف الرئيسية، وعلى رأسها السعي لتأسيس الخلافة الإسلامية.

ولتحقيق هذه الغاية حسبما يقول دوجلاس، اعتمدت إستراتيجية الجماعة، على أعمدة من السرية والخداع والخفاء والعنف والانتهازية، لذا خاطبت النيابة العامة أربعة دول وهم سويسرا وتركيا وبريطانيا وأمريكا لتجميد أموال قيادات لاتهامهم في قضايا غسيل أموال.

وتتعدد مصادر أموال الجماعة ومن أبرزها قائمة رجال الأعمال، ومما لا شك فيه أن الشارع المصري لا يعرف أسماء عدد كبير من رجال الأعمال الذين يقومون بتمويل الجماعة من أبرز قادة تمويل الإخوان هو "إبراهيم كامل" مؤسس بنك دار المال الإسلامي "دي إم إي"، وهناك أيضا يوسف ندا، وغالب همت ويوسف القرضاوي، في بنك «التقوي» في ناسو، وأيضًا إدريس نصر الدين مع بنك «أكيدا الدولي» في ناسو.

وتحصل الجماعة أيضا على نسبة من أرباح شركات رجال الأعمال الإخوانيين تحت بند التبرعات حيث تحصل الجماعة على نسبة عُشر الإيرادات من شركات رجل الأعمال صفوان ثابت عن مجموعة شركات "جهينة"، كما تحصل على نسبة عُشر الإيرادات من مجموعة شركات الراحل عبدالمنعم سعودي رئيس اتحاد الصناعات السابق وصاحب توكيل للسيارات ونسبة العُشر من إيرادات مجموعة إنتربيلد التابعة لآل حداد، ونسبة العُشر من أرباح مدحت الحداد رجل الأعمال الإخواني بالإسكندرية ورئيس مجلس إدارة الشركة العربية للتعمير ومدير عام الشركة العربية للاستيراد والتصدير، ونسبة العُشر من أرباح رجل الأعمال ممدوح الحسيني صاحب شركات الاستثمار العقاري، ونسبة العُشر من أرباح رجل الأعمال أحمد شوشة الشريك المتضامن في شركة المدائن للإنشاءات والتصميمات وعضو مجلس إدارة شركة الملتقي والتي من خلالها تم تنفيذ العديد من المشروعات الصناعية والمستشفيات والأبنية التعليمية والإدارية والخيرية والمساجد والأبراج السكنية وهو عضو مؤسس وعضو مجلس إدارة شركة الملتقي العربي وعضو مؤسس في شركة الطباعة والنشر، ونسبة العُشر من أرباح رجلي الأعمال الشاطر ومالك التي وصل حجمها في العام الماضي إلى 20 مليون جنيه بالكامل دفعها خيرت الشاطر وحسن مالك.

وتساعد الجماعة أصحاب هذه الشركات على احتكار المصالح العقارية للإخوان أنفسهم من بناء المدارس والمؤسسات والعقارات والفيلات لأعضاء الجماعة، كما تحصل الجماعة على نصف مليار دولار نسبة عائد على استثماراتها في دبي وتركيا وهونج كونج التي تصل جملتها إلى 20 مليار دولار ويتم تحويل هذه العائدات سنويًا في صورة سندات في بنوك سويسرا بحيث تحمل هذه السندات أسماء شركات صورية تم إنشاؤها خصيصًا لهذا الغرض لتحصل على خطابات ضمان واعتمادات وهمية يتم عن طريقها تحويل الأموال للخارج.

هناك أيضا عوائد المجموعة المالية التي يديرها خيرت الشاطر للاستثمار في أسواق دبي وقطر ومكتب إدارة المحافظ المالية في دبي الخاص بخيرت الشاطر والذي يضارب في البورصات العالمية وهو مكتب غير رسمي لكن الأعمال الرسمية تتم ورقيا من خلال عدد من المكاتب الأخري.

بالإضافة إلى الشركات المملوكة لحسن مالك لاستيراد الأثاث من تركيا "استقبال" وهي شركات الهدف منها توفير الطريق لدخول أموال الإخوان المستثمرة في الخارج تحت غطاء شرعي وعمليات تصدير واستيراد مشروعة وعوائد أسهم الإخوان في الشركات اليابانية المتخصصة في السيارات والأجهزة الكهربية وهي في النهاية عوائد تظهر في شكل عوائد على إيداعات وأسهم شخصية لكن في مجموعها تمثل تمويلًا ضخمًا للغاية.

وتوجد أيضا عوائد أسهم الإخوان في شركة "دايو" الكورية وهي الشركة التي تم شراء معظم أسهمها عن طريق أحد أفرع التنظيم الدولي للإخوان "مجموعة الأردن" وقاموا بشراء أسهم الشركة أثناء الأزمة المالية التي تعرضت لها شركة "دايو" منتصف التسعينيات ويقدر إجمالي إسهام الجانب الإخواني المصري في الصفقة بأكثر من مائة مليون دولار.

وكذلك عوائد الاستثمارات في البنوك العالمية وتحديدا بنوك "سوسيتيه جنرال" وبنك "باري با"وكشف مسئول كبير في الحكومة الأمريكية أن أصول الجماعة دوليًا تتراوح ما بين 50 و100 مليار دولار لأنه من الصعب تقدير قيمة هذه الأصول بدقة، لأن بعض الأعضاء يملكون ثروات ضخمة.

وهناك أيضا غسيل الأموال وهو الجزء الأكثر وضوحا في تمويل الإخوان، من خلال بنوك "الأوف شور" في جزر البهاما التي خضعت لتحقيقات سريعة بعد أحداث 11 سبتمبر، اذ أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن بنكي "التقوي وأكيدا" الدوليين متورطان في تمويل عدد من الجماعات الأصولية من بينها حركة حماس وجبهة الخلاص الإسلامية والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر وجماعة النهضة التونسية فضلا عن تنظيم القاعدة. 

وظل بنك التقوي بجزر البهاما في المحيط الأطلسي أو مؤسسة "ندا" التي يشرف عليها "يوسف ندا" أحد أهم رموز جماعة الإخوان منذ أكثر من خمسين عامًا مع السوري غالب همت أهم مصادر تمويل الجماعة في مصر وباقي أفرع تنظيم الإخوان في العالم العربي، فمن خلال تلك المؤسسة تدفقت المليارات لتنظيم الإخوان في كل دول العالم بعد أن نجح يوسف ندا وعبر تلك المؤسسة أيضًا أن يقيم شبكة علاقات واسعة على اتساع الكرة الأرضية مع سياسيين واقتصاديين وزعماء ورؤساء دول وقادة حركات إسلامية في كل بقاع العالم مما جعل مشروعاته تنتشر في دول العالم لدرجة أن الصحافة العالمية تصفه بـ"الشخصية الأخطبوطية الخطيرة".

واختار الإمبراطور يوسف ندا جزر البهاما مقرًا لمؤسسته المصرفية الضخمة لأنها من الجزر التي تتيح العمل بنظام " الأوف شور" أو عدم الرقابة الحكومية على العمليات المصرفية والاستثمارية، واشتهرت تلك الجزر بهذا النظام وأصبحت مقرًا لكل عمليات غسيل الأموال في العالم، وارتبطت جزر البهاما بأقذر عمليات غسيل الأموال، وهي واحدة من ألف جزيرة تقع جنوب المحيط الأطلسي بالقرب من ساحل أمريكا الجنوبي، ويعتبرها رجال الاقتصاد واحدة من أهم الجزر التي نشأ بها "البغول" أو كبار مهربي المخدرات الذين يستثمرون أموالهم في العقارات ويقومون بنقل الأموال إلى خارج البلاد بواسطة شركات استثمار أجنبية عُرفت باسم "شركات الدُّمي"، التي توجد في دول لا يمكن للسلطات الحكومية فيها الاطلاع على دفاترها، ثم تقوم هذه الشركات المستترة بعقد اتفاقيات قروض لإعادة الأموال مرة أخري إلى المهربين أو البغول.

ويجري تبييض تلك الأموال في تلك الدول وإعادتها مرة أخرى إلى "البغول"، لاستخدامها كما لو كانت مشروعة تماما، و"البغول" تعبير أطلقه رجال الاقتصاد على كل من يحصل على دخل غير مشروع من مصادر أخرى كالرشوة أو الاختلاسات أو الدعارة أو عمولات السلاح أو تهريب الأموال إلى الخارج، ويقوم باستثمار دخله في شراء السلع النفيسة والشيكات المصرفية ثم ينقلونها إلى الخارج، وخصوصا إلى تلك الدول التي تفرض نظام حسابات سرية لا تسمح بالكشف عن حقيقة الدخل أو تتبع حركته داخل البنوك والتي تعرف بالدول «الملاذ» المصرفي، التي يبلغ عددها قرابة 31 دولة، أشهرها جزر البهاما، وجزر المالديف، وجزر الفوكلاند، وجزر الباريادوس، ليبيريا، بنما، أورجواي، جزر الكايمان، سنغافورة، هونج كونج، لوكسمبرج، هولندا، مملكة تونجا، إذ يجري تبييض الأموال في تلك الدول وعودتها مرة أخري إلى "البغول" لاستخدامها، كما لو كانت مشروعة تماما.

وربما كان كل ذلك وراء الحياة غير العادية في تلك الجزر، فالإقامة هناك تحتاج طبقة المليونيرات ليس فقط لأنها جزر ساحرة الجمال ولكن لأن كل المقيمين بها أباطرة الأموال في العالم، ومجال غسيل الأموال في جزر البهاما هو العمل الوحيد للمستثمرين هناك وأن غسيل الأموال يشمل أشكالًا أخرى من الأنشطة مثل: تهريب السلع من المناطق الحرة، وتهريب السجائر، وتهريب السلاح أو الاتجار في العملات الأجنبية، أو أنشطة الرشوة والفساد الإداري والتربح من الوظائف العامة، أو الدخول الناتجة عن السرقات أو الاختلاسات من أموال عامة، ثم تهريب هذه الأموال إلى الخارج أو الدخول الناتجة عن تزييف النقد سواء البنكنوت أو العملات المعدنية.

وكل هذه الدخول تعتبر غير مسجلة في الحسابات الوطنية للدول، ومن ثم يصعب الوصول إلى أرقام حقيقية عن حجمها أو مقاديرها باعتبارها أنشطة مدرجة ضمن أنشطة الاقتصاد الخفي، وتقلص حجم الاستثمار في بنك التقوي بجزر البهاما لأدني مستوياته وأصبح مقصورًا فقط على تحويل بعض من عوائد أرباح الإخوان للفروع الأكثر فقرًا داخل التنظيم الدولي للإخوان بمعني أنه تحول إلى سلة مراسلات فقط، بعد أن تم كشف أمره في أحداث 11 سبتمبر. 

وبرغم كشف المستور عقب أحداث سبتمر، إلا أن الشبكة المالية للإخوان من الشركات القابضة والتابعة امتدت وتنوعت وشملت عددًا من المصارف الصورية، وغيرها من المؤسسات المالية التي تنتشر في "بنما وليبيريا، جزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان، وسويسرا، وقبرص، ونيجيريا، والبرازيل، والأرجنتين وباراجواي"، وأغلب هذه المؤسسات مسجلة بأسماء أشخاص مثل ندا ونصرالدين والقرضاوي وهمت، الذين يقدمون أنفسهم بشكل عام كقادة في الجماعة.

وهناك أيضا وسيلة أخرى تمثلت في أهم مصادر تمويل الجماعة في الداخل هي "الاشتراكات" التي تقوم الجماعة بتجميعها من أعضائها كل على قدر استطاعته وتتراوح نسبة الاشتراكات بين 7% و8% و10% حسب مرتبات ودخل أعضاء الجماعة وهناك لجنة مسئولة عن تجميع أموال الإخوان وصرفها في الأنشطة التي تقوم بها الجماعة، وتؤكد مصادر من داخل جماعة الإخوان أن نسبة الاشتراك التي يتم دفعها للجماعة والتي تبدأ من 7% من المرتب أو الدخل الشهري لكل عضو يتم تقسيمها كالتالي: 5% من ذلك الدخل لأنشطة الجماعة و1% أنشطة حزب "الحرية والعدالة" و1% لدعم حركة حماس في فلسطين.

ويؤكد نشطاء حقوقيون أن العضو العامل في الجماعة هو فقط الذي يدفع الاشتراك الشهري وعليه فإذا كان عدد أعضاء الجماعة العاملين نحو 850 ألف فرد حسب تصريحات بعض قيادات الجماعة.

الجريدة الرسمية