جمال الغيطاني يحكي عن الطفولة والشباب والعفاريت في رمضان
لكل مسلم ذكريات لا تُنسى، هناك ذكريات ايام الدراسة والشباب واللهو واللعب في المدرسة وذكريات الأعياد، الا ان الذكريات عن شهر رمضان بسهراته ولياليه الجميلة وسط الغناء والتواشيح والطرب وأيضًا حالات التعبد والتقرب الكبيرة إلى الله عز وجل بالدعاء والصلاة لنيل رضائه.
ويحكى الأديب جمال الغيطاني ذكرياته مع رمضان فى يومياته بجريدة الأخبار يقول فيها:
يمثل شهر رمضان لكل مسلم وخاصة المصرى امتزاج حب الإيمان والتقرب إلى الله مع حب الحياة والتمتع بها، وقد حضرت شهر رمضان فى العديد من دول العالم ولكنى لم أرَ جمال ذلك الشهر سوى فى مصر خاصة فى الأحياء القديمة ومنها الحسين والأزهر.
وبالنسبة لى يعد شهر رمضان من العلامات الفارقة البارزة منذ أن وعيت به وبما يرتبط به من مباهج، ففى طفولتى كنت انتظر قدوم أول أيامه كما انتظر حلول ضيف عزيز يصحب معه كل جميل، تصورته بخيالى شيخا مهيبا، كل مايمت اليه أبيض وحتى الان مازال له فى مخيلتى شئ مهيب، ويرجع ذلك الى اتساع المخيلة وانطلاقها ولأن أسماء الشهور الهجرية منتشرة فى مسمعى كلها ربما أكون فى طفولتى المبكرة رأيت شيخا مهيبا جليلا مهذبا اسمه الشيخ رمضان، ومن ملامحه تكون تصورى هذا،هذا الشيخ الجليل يجئ بعلامات معينة منها الاعلان عن أول أيام الصيام.
وعندما يهل رمضان أتذكر طفولتى وشبابى وكنافة أمى اليومية التى لم أذق مثلها أبدًا، وذكريات انتظار أذان المغرب وسماع صوت الشيخ محمد رفعت رحمه الله فى الإذاعة لرفع الأذان، وبعد الأذان والإفطار يصطحبنى والدى إلى الجامع لصلاة التراويح بالحسين ثم الخروج إلى الشارع واللعب بالفوانيس المضاءة بالشموع.
وهناك مشتروات رمضان من سوق السكرية ببوابة المتولى بالغورية وهو يعج بأنواع الياميش وقمر الدين وكانت وكالة "قوصون" بشارع باب النصر بمثابة مقر لتجار الشام لبيع الفستق والخروب والتمر والجوز واللوز وما يعرف بتجارة المكسرات التي كنا لا نتذوقها الا في رمضان.
أول شئ يراودنى عندما يحل رمضان كل عام ذلك الشعور العميق بالاطمئنان فطبقا لما يقوله أبى ويؤكده ان العفاريت تحبس فى رمضان.. وبذلك يمكن لنا نحن الاطفال أن يمتد لعبنا ومرحنا فى الحارة الى ساعة متأخرة من الليل كنا نسكن حارة عتيقة من حارات القاهرة القديمة اسمها درب الطبلاوى ،وكانت حارة سد، الغرباء الذين يدخلون اليها على امتداد اليوم معروفون محددون معظمهم باعة خضر وصحف ولوازم البيوت.
ولأن العفاريت تفقد حريتها فى رمضان فهذا يعنى الحرية والانطلاق واللعب مع الأقران الى مابعد منتصف الليل بسرعة أيضا تبدأ ملامح الحياة فى التغير, باعة الفول لكل منهم موقع معلوم ويبدأ طواف باعة الزبادى هو من لوازم السحور، يحمل كل منهم طاولة خشبية مستديرة فوق رأسه، كان الزبادى يباع وقتئذ فى أوان صغيرة من الفخار, اسم الواحدة (سلطانية) مازلت أذكر مذاقه.
أما المسحراتى فكان يخرج بالليل حاملًا طبلته الشهيرة يدق عليها ينبه الناس إلى السحور، وكم استمتعنا ونحن صغار بحكاوى المسحراتى وهو يدق على طبلته ومعه طفل يحمل له القنديل المضاء بالشمعة، كان المسحراتى ينادى على البيوت بأسماء أصحابها وكانت هناك عطية من العملة او الحلوى له مقابل ذلك.
تجمعنا مائدة واحدة في إفطار وسحور رمضان، أجلس الى جوار أمى وأبى واشقائى ذلك الشعور بالجمع، باللمة لا يكون الا فى شهر رمضان.، كنت وانا صغير يكون الافطار حتى الظهر،ولكن بعد السابعة كنت أصر وأواصل الصيام.. كان ذلك يشعرنى بالمساواة مع الكبار وعند الغروب يكتسب الافطار مذاقا خاصا فى الافطار فلا يخلو يوم من مرق وخضار ولحم أما الحلوى فتتحول من طبق حلو المذاق، إما كنافة أو قطائف.
كنا ننتظر أن ينطلق المدفع فوق هضبة المقطم حتى منتصف الخمسينيات كان ممكنا للمدينة كلها أن تصغى اليه وترتفع صيحة جماعية (هيه) ثم يسود صمت بعد انتهاء أذان المغرب حيث ينشغل كل بإفطاره.
أجلس أمام المائدة أمد يدى الى كوب قمر الدين لكن أبى ينهرنى (انتظر حتى يقول المؤذن.. أشهد أن لا اله الا الله) بالشهادة, حتى نهاية الخمسينيات لم يكن التلفزيون قد بدأ بعد، وكانت الاذاعة بمفردها، تقدم القراء للقرآن الكريم، مسلسل ألف ليلة وليلة، وفوازير آمال فهمى.
يلى الأفطار انطلاقنا الى الحارة واللعب آمنين من شر العفاريت ثم نعود الى البيت حيث الكنافة والقطائف والمكسرات،أغالب النوم حتى أستمع الى المسحراتى كان يحفظ أسماء السكان ويعرف الابناء والاحفاد، ويستخدم طبلة صغيرة وعصا ويقول من ضمن الاسماء (اصحى يابو جمال وحد الله..)
عند الفجر يتجمع الرجال بعد الوضوء للذهاب الى مسجد سيدنا الحسين لاداء صلاة الفجر، ولطالما صحبت والدى للصلاة فيه، واستمرت هذه العادة في سن الشباب، وكان كبار المقرئين يأتون إلى مساجد الجمالية فقد سمعت الشيخ مصطفى إسماعيل وعمرى اثنى عشر عامًا فى مسجد صغير بالجمالية اسمه مسجد سيدى مرزوق.
وفى العشر الاواخر نبدأ شراء ملابس العيد وبعد التمام تتبدل بواعث السرور، فيجئ العيد يعنى بهجة أخرى ولعبة يحرص الوالد على شرائها لكل منا واستعدادات تبدأها أمى منذ فترة مبكرة لإعداد الكعك والبسكويت والغريبة .
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.