«فيتو» تفتح الملف المسكوت عنه.. الموت المفاجئ يهدد الملاعب المصرية.. والأندية تستعين بسيارات نقل الموتى لإسعاف المصابين
تعددت الأسباب والقاتل معروف.. عبارة جسدت الكارثة الرياضية التى فجرتها وفاة لاعب الملاكمة رامز حسام الذى كان يدافع عن نادى السكة الحديد بطنطا متأثرا بإصابته بنزيف فى المخ ودخوله فى غيبوبة، جراء تلقيه ضربة قوية من منافسه فى ختام بطولة الجمهورية للشباب فى لعبة الملاكمة. رحيل رامز حسام لن يكون الأخير بين رياضيين سقطوا بسبب “العبث“ الذى نعيشه على صعيد الطب الرياضى، خاصة أن الأسباب تعددت والمتهم أو القاتل معروف وهو “الإهمال”، خاصة أن الحالات تكررت ولم يتحرك أحد.
براعم صغيرة تفقد أرواحها ضحية الجهل فى التعامل بشكل احترافى مع ملف الطب الرياضى الذى يحتاج إلى دورات ومحاضرات تثقيفية متنوعة ومتعددة من أجل خلق أجيال جديدة قادرة على إدارة هذا الملف بحنكة شديدة للحفاظ على سلامة أرواح أبطالنا الرياضيين، وهو الأمر الذى لن يتحقق بـ”الفهلوة “ والعبارات الرنانة فقط ولكنه يحتاج إلى تحرك على أعلى مستوى لضمان الوصول إلى مراحل متقدمة بشأن التعامل بجدية شديدة مع ملف الطب الرياضى فى مصر.
وإذا كان التعامل فى هذا السياق يحتاج إلى مشرط جراح خبير لإدارة هذا الملف فإن شواهد الأمور تؤكد أننا ما زلنا نحتاج إلى مزيد من الوقت للسير بخطوات ثابتة فى هذا الطريق، خاصة أنه مع دخول عام 2023 نجد بعض الملاعب الرياضية التى تحتضن مسابقات ومباريات وبطولات تخضع للإشراف الوزارى تعانى من غياب سيارات الإسعاف بها واستعواضها بسيارات نقل الموتى، كما أن هناك بطولات ومسابقات تقام فى الأساس دون تواجد سيارات الإسعاف أو الأطقم الطبية المكلفة بالتعامل مع الأزمات الصحية الطارئة التى يتعرض لها الرياضيون داخل الملاعب.
“فيتو” فتحت الملف المسكوت عنه وتوجهت إلى المسئولين للوصول إلى أسباب جوهرية لأزمة الموت المفاجئ الذى بات بمنزلة سرطان يهدد ملاعبنا المصرية التى تعانى من غياب الرقابة التامة على صعيد الطب الرياضى، الأمر الذى ترتب عليه رحيل العديد من الشباب الرياضيين الذين دفعوا ثمن إهمال المسئولين فى التعامل مع واحد من أخطر الملفات فى الشأن الرياضى وهو الملف الطبى.
ضوابط صارمة
فى البداية أكد الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة أن الوزارة وضعت ضوابط وإجراءات لممارسة النشاط الرياضى، وأبرزها حتمية توافر سيارات الإسعاف والطبيب المختص وتحديد أقرب مستشفى ومخارج الطوارئ وكل عناصر التأمين الواجبة فى جميع المباريات حفاظًا على سلامة اللاعبين، مع إخطار جميع الجهات المختصة.
وأضاف وزير الشباب والرياضة فى تصريحات خاصة لـ”فيتو”، أن تنفيذ تلك الشروط مسئولية الاتحادات المنظمة للمنافسات الرياضية، وأن هناك توجيها وتعميما للجميع بأن أي مباراة لا يتوافر فيها تلك الضوابط والشروط يتم إلغاؤها على الفور، لأن سلامة جميع الرياضيين هى الهدف الأهم.
وحول تحايل بعض الأندية فى دورى الناشئين ودورى المظاليم خاصة القسمين الثالث والرابع، بتواجد سيارات نقل الموتى بدلا من الإسعاف بسبب ارتفاع أسعار الإيجار واشتراطات الاتحادات تواجد إسعاف، زف الدكتور أشرف صبحى بشرى سارة بأن تلك الظاهرة فى طريقها للاختفاء بالاقتراب من توقيع بروتوكول تعاون مع هيئة الإسعاف لتوفير سيارات مجهزة فى كل المنافسات الرياضية بأسعار مخفضة للأندية والاتحادات، مؤكدا أن دورى مراكز الشباب سيكون بداية بروتوكول التعاون مع الإسعاف.
وتابع وزير الشباب والرياضة: “معدلات وفاة الرياضيين خلال المنافسات الرياضية فى مصر أقل كثيرا من النسب العالمية، ورغم ذلك نحاول بشكل جدى تقليلها والقضاء عليها تماما حفاظا على سلامة اللاعبين”.
وأضاف: “أرسلنا لجميع الاتحادات تعميما بضرورة تنفيذ إجراءات وضوابط ممارسة النشاط الرياضى، ومنها حتمية توافر سيارات الإسعاف والطبيب المختص، وكل عناصر التأمين الواجبة فى جميع المباريات حفاظًا على سلامة اللاعبين، ولن نتهاون فى تلك الأمور”.
واختتم أشرف صبحى تصريحاته بأن أي واقعة وفاة داخل الأندية ومراكز الشباب، يتم تشكيل لجنة تحقيق لمحاسبة أي مخطئ إن كان هناك تقصير، بجانب معرفة الأسباب التى أدت لذلك وتجنبها فى المرات القادمة.
الاعتراف بدور الأطباء بداية الإصلاح
من جانبه قال الدكتور أيمن زين، طبيب الفريق الأول لكرة القدم بنادى المقاولون، إن الأندية والمنتخبات وجميع المؤسسات والفرق الرياضية مطالبة بإعداد ملف طبى كامل وشامل عن لاعبيها قبل بداية كل موسم، خاصة أن هناك تغييرات تحدث على سبيل المثال وليس الحصر فى بعض عضلات الجسم، وأبرزها بالتأكيد عضلة القلب.
أضاف: الملفات الطبية التى من المفترض أن يتم العمل على إعدادها من قبل الأجهزة الطبية فى الأندية والمنتخبات الوطنية يجب أن تشمل جميع اللاعبين سواء الجدد أو القدامى، خاصة أن المتغيرات السابق ذكرها تحدث من السنة للأخرى فى ظل تضخم عضلة القلب بالنسبة للرياضيين، بالإضافة إلى وجود بعض الأمور التى تحتاج إلى متابعات دورية قبل البطولات القارية أيضًا، وقبل انطلاق أي موسم رياضى لتجنب حدوث أي أزمات طارئة فى عضلة القلب.
وقال: فى المقاولون نقوم بإعداد ملف طبى قبل بداية كل موسم للاطمئنان على سلامة الجميع، ونقوم أيضًا بعمل فحوصات طبية شاملة، أبرزها رسم قلب بالمجهود، وإيكو، وحال ظهور أي أزمات أو مشكلات بنتائج التحاليل نقوم بعمل فحوصات طبية متقدمة بشكل يمنح الفرصة للوقوف على أزمات صحية مبكرة، وأيضًا لحماية جميع اللاعبين طوال الموسم، خاصة أن عدم اتباع هذه الخطوات يمثل خطورة كبيرة جدا على حياة الرياضيين.
كوارث طبية فى الأندية والمنتخبات
وأوضح أن هناك بعض الفرق بالدورى لا تمتلك أجهزة طبية مؤهلة، وأخرى لا تمتلك من الأساس أجهزة طبية، وهذا الأمر يبقى كارثيا على كل المستويات، مؤكدا أن قانون الرياضة يجب أن يشهد تعديلا وتغييرا جذريا فى هذا الأمر، وأن يتم وضع لائحة واضحة وصريحة بشأن ضرورة خضوع جميع الرياضيين لفحوصات طبية شاملة قبل بداية كل موسم، وأن يتم عمل ملف طبى شامل لجميع الرياضيين، خاصة أن الرياضى يحتاج للحفاظ على صحته ليس فقط أثناء مسيرته داخل الملاعب، ولكن بعد اعتزال اللعبة التى يمارسها أيضًا، وهو الأمر الذى لن يتحقق سوى بإجراء فحوصات طبية شاملة للجميع بشكل دورى.
وأضاف: كل دكتور أو مسئول طبى تقع عليه مسئولية كاملة أمام المولى عز وجل قبل أن يكون الأمر أمام المجتمع بشأن الحفاظ على سلامة جميع الرياضيين المسئولين منه، وهذا الأمر يحتاج إلى متابعة دقيقة وشاملة ودورية من أجل الوقوف على أي أزمات صحية طارئة تهدد حياة الرياضيين.
وتابع: هذا الأمر لم ولن يتحقق سوى بعد وصول قناعات مؤكدة لدى المسئولين فى المؤسسات الرياضية بشأن الاعتراف بأهمية الأجهزة الطبية فى الأندية والمنتخبات، وأنها عنصر مهم ورئيسى فى المنظومة وليست مجرد عنصر مكمل داخل الجهاز الفنى، وهذا الأمر يحتاج أيضًا إلى منح الأطباء، وتحديدا الشباب منهم، كورسات ودورات تدريبية ومحاضرات شاملة فى هذا الصدد، خاصة أنه أمر مهم جدا لتطوير الطب الرياضى فى مصر.
وأضاف: شاهدت حالات وفاة فى الملاعب كان من الممكن إنقاذها قبل أن تفارق الحياة، والحديث هنا بعيدا عن الأقدار بشكل عام، ولكن أتحدث عن أمور صحية وطبية بحتة، ولكننا نعانى من التأخر فى هذا المجال بشكل واضح، والأمر لن ينصلح سوى بعد الاعتراف بأهمية الطب الرياضى.
وقال: شاهدنا من قبل إنقاذ حياة اللاعب الشهير إريكسون فى الملعب، وشاهدنا أيضًا رحيل أدهم السلحدار نجم الإسماعيلى فى الملعب، وغيرها من الحالات التى كان يمكن التدخل الطبى السريع فيها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
قانون الرياضة وتجاهل ملف الطب الرياضى
واتفق معه الدكتور أسامة غنيم وكيل الإدارة المركزية للطب الرياضى سابقا الذى بدأ حديثه بالتأكيد على أن الموت المفاجئ فى الرياضة المصرية وأزمة الطب الرياضى قتلت بحثا.
أضاف: سبق أن قدمت مذكرة ضمن قانون الرياضة فى المادة 17 لـ2017، ولكن تم استبعادها دون أسباب واضحة ومحددة، حيث طالبت بأن يكون هناك إجراء أساسى فى جميع مؤسسات الرياضة المصرية بشأن وجود كشف طبى شامل لأى رياضى من خلال وضع كود يتم تطبيقه أثناء اللقاءات يشمل التاريخ المرضى لجميع الرياضيين.
وأوضح: هناك ظاهرة تم الترويج لها مؤخرا فى الملاعب وهى ظاهرة الوفاة عن طريق بلع اللسان، مؤكدا أن هذا الأمر عارٍ تماما من الدقة، والأساسى أنه مجرد نزيف يحدث فى المخ يتسبب فى سد مجرى التنفس، مما يؤدى إلى ضعف عضلة اللسان، وهو ما يقود إلى الوفاة فى النهاية.
وقال: لا بد من وجود لائحة صحية تخضع لوزارة الشباب والرياضة فى التطبيق تعتمد على أن يشمل الجهاز الفنى جميع العناصر الطبية المتكاملة سواء طبيب أو علاج طبيعى أو معد نفسى مع العمل بشكل دوري على إجراء قياسات فسيولوجية تقوم بقياس كل عضلة فى جسم الإنسان، وأن يتم وضع برامج تدريبية للاعبين بشكل متدرج، وليس من المنطقى أن يتدرب جميع اللاعبين بنفس الجرعات التدريبية، خاصة أن عضلة القلب تختلف من الرياضى إلى الآخر.
وأوضح أن سيارات الإسعاف فى بعض الأحدث الرياضية لا تكون مجهزة بشكل دقيق والبعض يتجه إلى الاعتماد على سيارات نقل الموتى بدلا من سيارات الإسعاف وهو أمر كارثى يقود إلى احداث درامية نحن فى غنى عنها لو تم التعامل مع الأمر باحترافية.
وقال: كنت شاهد عيان فى إحدى البطولات فى فرنسا 93 حيث تعرض أحد الرياضيين لإصابة وتم استدعاء سيارة إسعاف له وتم إجراء عملية جراحية للرياضى داخل سيارة الإسعاف قبل وصوله من الأساس إلى المستشفى.
أضاف: إحنا بنخسر أولادنا حال استمرار ضبابية المشهد بشأن الطب الرياضى فى مصر، خاصة أن هناك منتخبات فى مصر لا تحتوى على أجهزة طبية ضمن منتخباتها بغرض توفير الأموال فقط.
وقال: الملاكمة تبقى من الألعاب القتالية التى يدرس فى الوقت الحالى إلغاءها وشطبها من الأولمبياد، حيث قد يكون أولمبياد باريس المقبل هو الأخير بالنسبة للعبة القتالية التى تشهد رحيل العديد من لاعبيها، وآخرهم رامز حسام.
أضاف: هناك لاعبون يتعرضون لإصابات خطيرة بسبب الضربة القاضية التى يتعرضون لها ويخسرون بسببها، حيث قد يمتد الأمر إلى ابتعادهم عن الحلبة لمدة تتراوح ما بين 6 إلى 12 شهرا كاملة.
وقال: «مافيش غير كرة القدم فقط اللى فيها أطباء وباقى المنتخبات لا تضم أجهزة طبية شاملة كما أرى أنه من الواجب أن يتم وضع بروتكول تعاون بين وزارتي الشباب والرياضة والصحة بشأن توفير 3 سيارات إسعاف على الأقل فى كل محافظة من أجل تغطية الأحداث الرياضية بها بشكل يضمن سلامة جميع الرياضيين بها».
دماء فى ملاعبنا
وشهدت الفترة الماضية سقوط عدد من الضحايا لتتحول الملاعب والصالات الرياضية إلى سرادق عزاء، حيث كان أبرزهم وفاة الملاكم رامز حسام متأثرا بضربات الخصوم خلال مشاركته فى المباراة النهائية من بطولة الجمهورية لمواليد عام 2006، وذلك فى الفترة من 4 إلى 9 فبراير الحالى، على خلفية معاناته من نزيف داخلى فى المخ، حيث شعر بآلام فى الرأس بعد ساعة من نهاية المباراة، ليتم نقله إلى المستشفى، ويخضع للأشعة التى أثبتت معاناته من نزيف داخلى فى المخ، قبل إعلان وفاته بعد يومين فى المستشفى.
صرخات الموت فى الأندية
خال الملاكم الراحل كشف تفاصيل صادمة حول وفاة رامز حسام، أنه عندما صرخ مستغيثا لإنقاذ بطل الملاكمة الراحل لم يجد مسعفين يلبون النداء، فاضطر إلى حمله على يديه إلى أقرب مستشفى بجوار النادى، قائلا: “لم نجد طبيبا فى الصالة عندما سقط رامز على الأرض، وأنه استأجر سيارة تاكسى وذهب ببطل الملاكمة الراحل إلى مستشفى طنطا لإجراء جراحة عاجلة، لأجل وقف نزيف المخ”.
وفى شهر ديسمبر الماضى، توفى اللاعب سامى سعيد أثناء مباراة كرة قدم بالقسم الثالث بين فريقى نادى السلوم ونادى مطروح وذلك بمركز شباب مطروح، وذلك نتيجة هبوط حاد فى الدورة الدموية، حيث تفاجأ لاعبو الفريقين بسقوط اللاعب الراحل فى الدقيقة 75 فى منطقة جزاء فريقه بمفرده، وعلى الفور هرع الجميع مسرعًا للاعب للاطمئنان عليه، ومحاولة إسعافه، ليتوفى ويعلن الحكم إلغاء المباراة حزنا على الفقيد، فى واقعة أعادت للأذهان وفاة محمد عبد الوهاب نجم الأهلى خلال تدريب الأحمر.
سيارة نقل الموتى تكشف المستور
الكارثة أن مصدرا بمنطقة الكرة بمطروح، أعلن أنه أثناء المباراة بملعب مركز شباب مطروح، كانت تتواجد سيارة نقل الموتى مدون عليها “إسعاف” وغير مُجهزة بالإمكانات اللازمة بأرضية الملعب بدلًا من سيارة الإسعاف، حيث تلجأ الأندية للتحايل على ضرورة وجود سيارة إسعاف، باستئجار سيارة نقل موتى بسبب ارتفاع إيجار سيارات الإسعاف.
كوارث الوفيات امتدت إلى السباحة، حيث شهد شهر يناير الماضى غرق الفتاة دنيا لؤى محمد عبد العظيم، الطالبة فى الفرقة الأولى فى كلية التربية الرياضية، خلال تدريبها فى حمام سباحة مركز شباب فاقوس بمحافظة الشرقية.
وفى أكتوبر الماضى، توفيت طفلة تدعى هنا وائل داخل حمام سباحة نادى الصفوة فى مدينة العاشر من رمضان، كما تكررت وفيات أكثر من شاب خلال ممارسة كرة القدم داخل مراكز شباب بردين بمحافظة الشرقية ومركز شباب النصر بالإسكندرية ومركز شباب الدلجمون بمحافظة الغربية، كما توفى عبده عاطف لاعب فريق مركز شباب القنايات أثناء مباراة الفريق مع نادى الرواد بالعاشر من رمضان بعد بلع لسانه.
نقلًا عن العدد الورقي…،