إجراءات الحكومة لدعم الصناعة تثير الجدل.. خبراء: 100 مليار دولار تصدير تحتاج لقدرات خاصة.. وعلاج الملفات العالقة أول خطوة
مؤخرًا، اتخذت الحكومة قرارات استثنائية، تهدف لدعم الاعتماد على منتج محلى قابل للتصدير والمنافسة، لكن القرارات الجريئة والحاسمة من وجهة نظر الحكومة، والتى تعتبر حجز الزاوية لتحفيز الصناعة المصرية، تباينت حولها ردود أفعال خبراء الاقتصاد.
وفى الوقت الذى أيدها فيه البعض، ذهب البعض الآخر إلى أنها ليست كافية والحوافز لا تحقق شيئا دون أن تكون هناك سياسة صناعية محددة يتم تنفيذها، ومساندة المشروعات والمنشآت الصناعية غير المرخص لها لتصحيح مسارهم وتقنين أوضاعهم للعمل فى ضوء سياسات واضحة.
يذكر أن الحكومة تسعى لتقنين أوضاع المنشآت الصناعية غير المرخصة ضمن حزمة قرارات استثنائية اتخذتها لتحفيز الصناعة بهدف تحقيق انعكاس إيجابى على اقتصاد البلاد، إيمانا بأن توفير كافة سبل الدعم وإزالة العقبات أمام المصانع الجديدة أو القائمة يحافظ على استمرار عملها ويعزز على الوفرة فى الأسواق.
ويهدف مشروع قانون تقنين أوضاع المنشآت غير المرخصة إلى التعاون والعمل بين الجهات ذات الصلة فى تصويب أوضاع المنشآت الصناعية ودمجها فى المنظومة الصناعية بما يتناسب مع المعايير المطلوبة، كما يهدف مشروع القانون المعروض على البرلمان الآن إلى سد الفجوة التى حدثت بانقضاء صلاحية إصدار التصاريح المؤقتة والتى انقضت بتاريخ 3/5/2019، حيث لم يعد ممكنا إصدار تصاريح تشغيل مؤقتة جديدة، فلجأت الحكومة إلى مقترح تفويض الهيئة العامة للتنمية الصناعية فى تيسير حصول المستثمرين على التراخيص، واتساقا مع توجيهات الدولة بشأن تقنين أوضاع المنشآت والمحال الصناعية غير المرخص لها تم إعداد مشروع القانون المعروض.
المنشآت الصناعية
ويرى الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ووزير التموين الأسبق أن تقنين أوضاع المنشآت الصناعية غير المرخصة ضمن حزمة قرارات استثنائية التى يتم اتخاذها من قبل الحكومة لتحفيز الصناعة بهدف تحقيق انعكاس إيجابى على اقتصاد البلاد أمر جيد أن تسعى الحكومة إلى تحقيق قدر من المرونة مع قطاع الصناعة، لكن يبقى التساؤل هل هذا كافٍ لتحقيق طفرة فى الصناعة، مضيفا: أعتقد غير كاف لأن إصدار تشريع الهدف منه مد تجديد الترخيص للمصانع غير المرخصة، لكن كيف ندفع هذا القطاع الصناعى للنهوض وتوفير فرص عمل وتقليل الاستيراد وزيادة التصدير هذا هو الهدف الذى نريده.
وأضاف عبد الخالق، أن كل تشريع الهدف منه علاج القصور، وهناك قانون صدر عام 2017 وانتهى فى 2019دون أن يتغير شيء، موضحا أهمية الحاجة إلى سياسة صناعية وليس مجرد إصدار تشريع، إذ لا بد أن يسبق التشريع سياسة صناعية بعيدة عن البيروقراطية وتعدد جهات الحصول على الترخيص خاصة أن الوزارة لدينا تسمى وزارة الصناعة والتجارة.
وتابع: كانت هناك محاولات لوضع سياسة صناعية فى السنوات الأولى من القرن الحادى والعشرين، وهناك ورقة وضعت فى 2003 تسمى الورقة الخضراء للسياسة الصناعية كانت نقطة البداية لوضع اللبنة الأولى فى 2004 للتنفيذ، موضحا أهمية الحاجة إلى وثيقة تحدد رؤى الحكومة والمجتمع بشكل عام، بحيث يتم تضافر كل الجهود لتحقيق الطفرة الصناعية المنشودة، بالإضافة إلى تحديد حوافز الصناعة وتحديد الأهداف فى مجال الإنتاج أو التشريع أو الاستغناء عن الاستيراد، مشيرا إلى أن الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك بعضها يتحقق بالتمويل والبنية التحتية والبعض الآخر بتدريب الأيدى العاملة ومجموع هذه الأشياء يشكل وثيقة محددة المعالم للنهوض بالقطاع الصناعى. مضيفا: لو قارنا بين الوضع لدينا والمتبع فى كل دول العالم التى حققت طفرة اقتصادية، سنجد أن هذه الآليات لا تتوفر لدينا.
وتساءل عبد الخالق: ماذا نحتاج من قطاع الصناعة أو توطين صناعة السيارات الكهربائية؟ وما هى التدابير التى ستتخذ على أرض الواقع لتغطية احتياجات السوق ثم التصدير، يقابل ذلك حزمة من الحوافز لكن للأسف الربط بين الحوافز والصناعة أمر غير موجود رغم انخفاض الضريبة الجمركية على التصنيع و30% على المكونات المستوردة، وهذا أمر معمول به منذ أكثر من 40 سنة، وللأسف حتى صناعة السيارات تعجز عن الاستغناء عن هذا الحافز والسبب أننا لم نحدد شروط لهذا الحافز.
وأضاف: الغريب فى هذا الأمر، غياب السياسة الصناعية، فرغم تشجيع المنشآت غير المرخصة على توفيق أوضاعها، إلا أننا سمعنا أن عددا كبيرا من المصانع التى أغلقت فى مصر من 2011، لا زالت مغلقة دون أن نسمع عن جهود لإعادة تشغيلها مرة أخرى، وبالتالى علينا ألا ننتظر مبادرات، وإنما وضع سياسات اقتصادية بعيدا عن التجاريين، وإذا أردنا أن ندخل مجال صناعة السيارات علينا أن نعطى حوافز فى صورة تمويل للموارد على أن يقابل التمويل إنتاج.
الدولة والمستثمرين
الدكتور علاء رزق رئيس المنتدى الاستراتيجى للتنمية والخبير الاقتصادى، يرى أن القرارات الاستثنائية من قبل الحكومة المصرية جاءت لتحفيز الصناعة فى ظل تباطؤ حركه الاستثمارات بسبب الأزمات العالمية المتلاحقة وعلى رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية ثم جاءت أخيرا كارثة الزلزال المدمر فى تركيا وسوريا والتى سوف تلقى بظلالها على معدلات النمو الاقتصادى فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتى من المتوقع أن تنخفض من 3.2%الى2.5% خلال هذا العام وهو ما يعكس حركه التباطؤ المتوقعة فى هذه المنطقة مستقبلا وبالتالى جاءت حزمه هذه القرارات الاستثنائية من قبل الحكومة والتى سوف تناقش فيه مجلس الشيوخ خلال هذه الأيام فى ظل سعى الدولة المصرية لمساندة المشروعات والمنشآت الصناعية غير المرخص لها على خلفيه القانون رقم 15 لسنة 2017 بشأن تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية.
وأضاف رزق أن تطور العلاقة الإيجابية بين الدولة والمستثمر، سيكون له مردود إيجابى على حركة الاستثمارات مستقبلا، ويضمن توفير الحد الأدنى من السلع والخدمات، بما يؤكد قدرة الدولة المصرية مستقبلا على احتواء مشكلة التضخم التى يمر بها الاقتصاد العالمى الآن، ورفع القوى الشرائية موضحا أنها آفه يعانيها العالم الآن.
وأشار إلى أن إعادة تشغيل المصانع المعطلة بسبب هذا الإجراء الاستثنائى يساعد على تحقيق انفراجه أمام المنشآت الصناعية المتأخرة فى التشغيل بسبب صعوبة الحصول على التراخيص، كما يؤكد قدرة الدولة على دمج هذه المنشآت الصناعية غير المرخصة فى المنظومة الصناعية فى ضوء المعايير المطلوبة وبما يسهم فى سد الفجوة التى حدثت بانقضاء صلاحية إصدار التراخيص المؤقتة، والتى انقضت فى 3 مايو 2019.
واستطرد فى حديثة قائلا: الأهم فى هذا التوجه من قبل الدولة أنها على يقين بأن الحفاظ على استمرارية المشروعات هو من صميم تحقيق الأمن الاجتماعى فى المجتمع فتوفير الدعم لهذه المنشآت الصناعية غير المرخصة مع إزالة العقبات أمام المصانع الجديدة والقائمة منها سوف يسهم بقوة فى الحفاظ على استمرارية هذه المنشآت مستقبلا، وبما يضمن تعزيز الوفرة فى السلع والخدمات فى الأسواق المحلية، ويضمن أيضًا تقنين أوضاع هذه المنشآت من خلال العمل بين الجهاد ذات الصلة، وعلى رأسها الهيئة العامة للتنمية الصناعية من أجل تصويب أوضاع هذه المنشآت ودمجها فى المنظومة الصناعية.
وتابع: هذه الحزمة من القرارات الاستثنائية ستسهم مساهمة كبيرة فى تحقيق الإطار العام للمادة 28 من الدستور التى تسعى من خلالها الدولة إلى زيادة تنافسية الاقتصاد المصرى عبر تعظيم الصادرات والوصول إلى 100 مليار دولار صادرات خلال السنتين القادمتين، وهذا لن يكون إلا من خلال تذليل كافة العقبات أمام القطاع الصناعى تحديدا، وتحديث الصناعات التحويلية لتحقيق القيمة المضافة لضمان الوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجى.
تنظيم الاستيراد الطريق لتقليل الفجوة الدولارية
وأشار إلى ضرورة العمل فى نفس الوقت على تنظيم الاستيراد لتقليل الفجوة الدولارية نظرا لأن الاستيراد الآن قد وصل إلى مستويات لا تتفق أبدا مع توجهات الدولة نحو التقشف، ولا مع الأزمة التى يعانى منها العالم الآن، والتى تتجه مع كافة الحكومات على مستوى العالم إلى تنظيم عمليات الاستيراد لتحقيق الوفرة الدولارية، وفى نفس الوقت العمل على تنظيم وتحديث المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من أجل تعظيم قدرة الدولة على تحقيق التنافسية الملائمة.
أما الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، فيرى أن القرارات الاستثنائية التى يتم اتخاذها من قبل الحكومة لتحفيز الصناعة، خطوة إيجابية الهدف منها فتح المجال أمام الفرص الاستثمارية، فى ظل توجه الدولة لجذب استثمارات خارجية، وتقليل فاتورة الاستيراد وزيادة التصدير، موضحا أن لقرارات الاستثنائية ضرورة لتحقيق هذا الهدف وعلى رأسها ترخيص المنشآت غير المرخصة لدمجها فى الاقتصاد الرسمى للدولة.
وأضاف الشافعى أن العالم يتقدم بسرعة مذهلة فى مجال الصناعات، وبالتالى آن الأوان أن تكون لنا صناعتنا الوطنية من خلال منتج محلى مميز وقادر على المنافسة، يصل إلى 50% من الدخل القومى بدلا مما يمثله الآن 13% وتوفير احتياجات المواطن وصولا إلى 100 مليار دولار تصدير.
بدوره قال أحمد معطى، الخبير الاقتصادى، إن الإجراءات التحفيزية التى اتخذتها الحكومة لدعم الصناعة والزراعة تُعد من الأمور شديدة الأهمية فى الفترة الحالية كونها قاطرة التنمية، وهو ما أكدته الأزمة الروسية الأوكرانية، وباتت الحكومة تفتتح مصانع بشكل دورى، ولعل آخرها مصنع «سايلو» للصناعات الغذائية ومن قبله مصنع للرمال السوداء، مشيرًا إلى أنه رغم افتتاح هذه المصانع إلا أن كثرة عدد سكان مصر يحتاج إلى النمو بشكل أسرع، ولذلك فإن التسهيلات الأخيرة عن طريق الضرائب والقوانين والتشريعات والرخصة الذهبية والإفراجات الجمركية، وهذا ما يشجع المستثمرين فى الصناعة على الدخول من جديد على السوق المصرى.
وأضاف معطى، فى تصريح خاص لـ»فيتو»، أن الإفراجات الجمركية الأخيرة طمأنت المواطنين على الأمن الغذائى وأزالت الخوف من نقص البضائع فى السوق المصرى، وكل هذه الإجراءات تعطى نوع من الطمأنينة للمستثمر للدخول من جديد فى عجلة الإنتاج وهو ما يزيد من الناتج المحلى وتخفيض فى معدلات البطالة من خلال فتح فرص عمل جديدة وهذا ما يعود بالنفع على الاقتصاد المصرى بالكامل لأن الصناعة تعمل على تشغيل الجميع.
وألمح إلى أهمية إزالة حاجز بيروقراطية الأوراق من خلال الرخصة الذهبية، وتوفير الدولار للصناعة والمواد الخام وهو ما تعمل عليه الحكومة بشكل كثيف وتعطى له الأولوية، مشيرًا إلى أهمية توفير عمالة ماهرة بعدد كبير من خلال تدريبهم والعمل على زيادة المحور فى التعليم الفنى بشكل أكبر وأسرع وزيادة حوافز العمال.
المنتج المحلي
ومن جانبه أكد هانى جنينة، الخبير الاقتصادى، أن الاعتماد على المنتج المحلى للوصول إلى 100 مليار دولار صادرات سلعية هو أمر صعب للغاية، لأنه يتطلب عمل توسعة فى الطاقة الإنتاجية وإنشاء خطوط إنتاج، ولكن إذا كان المقصود زيادة الصادرات السلعية والخدمية من خلال الاعتماد على الخدمات فى مجال السياحة، سيكون الأمر أسهل كثيرًا.
وأضاف جنينة، فى تصريح خاص لـ»فيتو»، إذا ما تحدثنا عن الصادرات السلعية فقط سيكون الاعتماد على المنتج المحلى فقط أمر صعب للغاية، إذ نحتاج إلى إنشاء خطوط إنتاج وتطوى الصناعة، مما يعنى أن الوصول إلى التصدير يحتاج إلى ما يصل إلى 10 سنوات للوصول إلى الرقم المطلوب، ولكن أقصر طريق هو جذب مستثمر أجنبى، ينقل خبراته ونشاطه من البلد المتواجد به إلى مصر السوق التصديرى المفتوح بجانب قلة التكلفة.
وأشار جنينة إلى أن التجربة المغربية فى صناعة السيارات بدأت منذ 10 سنوات تقريبًا ووصلت إلى أرقام غير مسبوقة حاليًا، وذلك نتيجة جذبها للشركات العالمية وفتح مصانع لها بالمغرب، وهذا ما حدث أيضًا فى تركيا، من خلال جذبهم للمصانع الأوروبية، مؤكدا أن أسهل طريق لزيادة الصادرات هو جذب الشركات العالمية لإنشاء مصانع لها بمصر من خلال تقديم التسهيلات الخاصة بجانب الاستفادة من اتفاقية زيرو جمارك للتصدير إلى الاتحاد الأوروبى والمغرب والوطن العربى، وهذا ما يتماشى ما رؤية الدولة فى تشجيع الاستثمار.
وألمح جنينة، إلى أن وجود العديد من المعوقات التى تواجه القطاع الصناعى فى مصر على رأسها تكلفة الأرض المطلوبة لإنشاء مصنع بها، موضحا أن الدولة بدأت فى تذليل هذه العقبة وأكد على ذلك الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، الذى صرح مؤخرا أن الأرض ستكون مرفقة فقط بدون تكلفة ويتبقى أن نرى تنفيذ هذا الأمر على أرض الواقع، بجانب وجود مشكلة أخرى وهى بطء إعطاء التراخيص التى لا زالت تتطلب موافقة عدة جهات.
وألمح جنينة إلى أهمية تعاون رجال الأعمال مع الدولة لتحمل ظروف المرحلة الراهنة لنعبر بالبلد إلى بر الأمان، وحل أزمة عدم توفر الدولار بالصورة الكافية، مشددا على أهمية انخفاض أسعار الفائدة العام المقبل عالميا، ما سيؤدى بالتالى إلى تخفيض مصر سعر الفائدة فى مصر واستقرار الأوضاع الاقتصادية عالميًا ومحليًا.
نقلًا عن العدد الورقي…،