رئيس التحرير
عصام كامل

كواليس ‭ ‬‮صراع القرن بين واشنطن وبكين.. الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجر‭ ‬التنين‭ ‬الصيني‭ ‬لـ«حرب‭ ‬بالوكالة‮»‬‭

أمريكا والصين، فيتو
أمريكا والصين، فيتو

لا‭ ‬تتوانى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬تصفية‭ ‬أعدائها‭ ‬أو‭ ‬منافسيها‭ ‬حال‭ ‬تعديهم‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬لها،‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المدافع‭ ‬والدبابات‭ ‬والصواريخ‭ ‬والقنابل‭ ‬النووية‭ ‬حال‭ ‬استلزم‭ ‬الموقف،‭ ‬لكن‭ ‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬شعارها‭ ‬الضرب‭ ‬بأيدى‭ ‬الغير‭ ‬حتى‭ ‬تتجنب‭ ‬أن‭ ‬تنزف‭ ‬قطرة‭ ‬دم‭ ‬واحدة‭.‬


جرت‭ ‬أمريكا‭ ‬منافستها‭ ‬الصين‭ ‬لحرب‭ ‬ضروس،‭ ‬لإنهاكها‭ ‬عسكريا‭ ‬واقتصاديا،‭ ‬إذ‭ ‬بدأت‭ ‬واشنطن‭ ‬فى‭ ‬التحرك‭ ‬عبر‭ ‬3‭ ‬نقاط،‭ ‬لتشكيل‭ ‬هلال‭ ‬حدودى‭ ‬لمحاصرة‭ ‬بكين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬3‭ ‬دول‭ ‬آسيوية‭: ‬الفلبين‭ ‬واليابان‭ ‬وتايوان‭.‬

 

حرب الوكالة

وأصبحت‭ ‬حرب‭ ‬الوكالة‭ ‬هى‭ ‬السيناريو‭ ‬الأقرب‭ ‬للحرب‭ ‬القادمة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والصين،‭ ‬وذلك‭ ‬فى‭ ‬مسعى‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬لتفريغ‭ ‬الصين‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬فى‭ ‬سيناريو‭ ‬شبيه‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استنزافها‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬جارتها‭ ‬أوكرانيا‭.‬


وذكرت‭ ‬تقارير،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دعما‭ ‬أمريكيا‭ ‬لتكثيف‭ ‬تسليح‭ ‬اليابان‭ ‬والفلبين‭ ‬وتايوان،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬حددت‭ ‬استراتيجية‭ ‬لاستنزاف‭ ‬الصين‭ ‬التى‭ ‬تراها‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬اقتصادها‭ ‬ومصالحها‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وجرها‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬تتصدرها‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتكلف‭ ‬قطرة‭ ‬دم‭ ‬واحدة،‭ ‬مثل‭ ‬المواجهة‭ ‬الحاصلة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭.‬


وخلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬زاد‭ ‬نشاط‭ ‬أمريكا‭ ‬فى‭ ‬3‭ ‬نقاط‭ ‬قريبة‭ ‬للغاية‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬هى‭ ‬اليابان‭ ‬والفلبين‭ ‬وتايوان،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬فسره‭ ‬متخصصون‭ ‬بأنه‭ ‬يهدف‭ ‬لتشكيل‭ ‬جبهة‭ ‬لحصار‭ ‬الصين؛‭ ‬استعدادا‭ ‬لسيناريو‭ ‬توريطها‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬مفتوحة‭ ‬تستنزف‭ ‬فيها‭ ‬اقتصادها‭ ‬وقدراتها‭ ‬العسكرية‭.‬


والدول‭ ‬الثلاث‭ ‬هى‭ ‬الأكثر‭ ‬إخلاصا‭ ‬لأمريكا‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهى‭ ‬تشكل‭ ‬هلالا‭ ‬ممتدا‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬الصين،‭ ‬ويسهل‭ ‬استفزازها‭ ‬ضدها،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬منها‭ ‬يجمعها‭ ‬بالصين‭ ‬أزمة‭ ‬ملكية‭ ‬أراضى‭ ‬ومناطق‭ ‬متنازع‭ ‬عليها‭ ‬مع‭ ‬بكين‭.‬

 

بحر الصين الجنوبي

قالت‭ ‬لـ«فيتو‮»‬‭ ‬الدكتورة‭ ‬نادية‭ ‬حلمى،‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬بجامعة‭ ‬بنى‭ ‬سويف،‭ ‬الخبيرة‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬الشئون‭ ‬السياسية‭ ‬الصينية‭ ‬والآسيوية‭ ‬قالت‭ ‬ل‭ ‬‮«‬فيتو‮»‬،‭ ‬إن‭ ‬مشكلة‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى،‭ ‬تتعلق‭ ‬بوجود‭ ‬خلافات‭ ‬حول‭ ‬تقسيم‭ ‬الحدود‭ ‬البحرية‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬كتايوان‭ ‬والفلبين‭ ‬واليابان،‭ ‬ويعتبرون‭ ‬أبرز‭ ‬حلفاء‭ ‬لواشنطن،‭ ‬حيث‭ ‬تدعى‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬بأن‭ ‬لها‭ ‬الحق‭ ‬فى‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية،‭ ‬ولازالت‭ ‬الخلافات‭ ‬مشتعلة‭ ‬حول‭ ‬جزر‭ ‬سبراتلى‭ ‬وبراسيلى،‭ ‬لذا‭ ‬أصدرت‭ ‬الصين‭ ‬خريطتها‭ ‬المشهورة‭ ‬المعروفة‭ ‬بـ‭(‬الخطوط‭ ‬التسعة‭)‬،‭ ‬وأكدت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬حقوقها‭ ‬التاريخية‭ ‬فيها‭.‬


وأضافت‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬عملت‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الجزر‭ ‬الصناعية‭ ‬على‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬فى‭ ‬المنطقة،‭ ‬والتى‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭ ‬تحذر‭ ‬من‭ ‬وجودها،‭ ‬لكن‭ ‬الصين‭ ‬تؤكد‭ ‬مشروعية‭ ‬سياستها‭ ‬تجاه‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى‭.‬


أهمية‭ ‬منطقة‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى

ويعد‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى‭ ‬أهم‭ ‬منطقة‭ ‬مائية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمى،‭ ‬حيث‭ ‬يمر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬نحو‭ ‬ثلث‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬وهو‭ ‬أيضًا‭ ‬البحر‭ ‬الأخطر‭ ‬الذى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والصين‭.‬


وفى‭ ‬الوقت‭ ‬الحالى،‭ ‬يثير‭ ‬بناء‭ ‬الصين‭ ‬لـ«ثلاث‭ ‬جزر‭ ‬صناعية‭ ‬فى‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى‮»‬‭ ‬مخاوف‭ ‬تايوان‭ ‬كحليفة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حيال‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ينبغى‭ ‬عليها‭ ‬تمديد‭ ‬مدرج‭ ‬جزيرة‭ ‬تايبينج‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬طائرات‭ ‬حربية‭ ‬أكبر‭.‬


عسكرة‭ ‬منطقة‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى

ولا‭ ‬تكتفى‭ ‬الصين‭ ‬ببناء‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬وجزر‭ ‬صناعية‭ ‬فى‭ ‬حدودها‭ ‬البحرية‭ ‬فى‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى،‭ ‬بل‭ ‬تضمن‭ ‬مناهجها‭ ‬الدراسية‭ ‬خرائط‭ ‬تظهر‭ ‬أن‭ ‬حدود‭ ‬الصين‭ ‬تلامس‭ ‬سواحل‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬ويتعلم‭ ‬أطفال‭ ‬المدارس‭ ‬الصينية‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬أن‭ ‬حدود‭ ‬بلادهم‭ ‬تمتد‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬ميل‭ ‬حتى‭ ‬ساحل‭ ‬ماليزيا‭.‬


وتستند‭ ‬بكين‭ ‬فى‭ ‬ادعاءاتها‭ ‬ودفاعها‭ ‬رسميا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النشاطات‭ ‬الصينية‭ ‬فى‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألفى‭ ‬عام،‭ ‬وبالتالى‭ ‬فإن‭ ‬لها‭ ‬أساسا‭ ‬فى‭ ‬القانون‭ ‬الدولى،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬القانون‭ ‬العرفى‭ ‬للاكتشاف‭ ‬والاحتلال‭ ‬والمسمى‭ ‬التاريخى‭.‬


وترد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬رسميا‭ ‬بأن‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى،‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولى،‭ ‬هو‭ ‬مياه‭ ‬مفتوحة‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬المشاع‭ ‬البحرى‭ ‬لآسيا‮»‬،‭ ‬أى‭ ‬أنه‭ ‬لجميع‭ ‬الدول،‭ ‬ويوافقها‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الرأى‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬أستراليا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬واليابان،‭ ‬وتؤكد‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬أى‭ ‬أساس‭ ‬قانونى‭ ‬فى‭ ‬مطالبها‭ ‬التى‭ ‬تشكل‭ ‬أكبر‭ ‬تهديد‭ ‬لحرية‭ ‬البحار‭ ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.‬


وبسبب‭ ‬الخلافات‭ ‬الصينية‭ - ‬الأمريكية‭ ‬بشأن‭ ‬أنشطة‭ ‬بكين‭ ‬حول‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى،‭ ‬عمدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬فى‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أمنية‭ ‬ودفاعية‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬حلفائها‭ ‬الإقليميين‭ ‬المجاورين‭ ‬للصين‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬الإندو‭-‬باسيفيك‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الأمريكى،‭ ‬أو‭ ‬آسيا‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الصينى‭.‬


وفى‭ ‬الوقت‭ ‬الحالى،‭ ‬هناك‭ ‬تنافس‭ ‬أمريكى‭ ‬صينى‭ ‬حول‭ ‬الجزر‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬فى‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى،‭ ‬مع‭ ‬مشاركة‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬فى‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبى‭ ‬الصينى‭ ‬فى‭ ‬عدة‭ ‬مناورات‭ ‬وتدريبات‭ ‬عسكرية‭ ‬باستخدام‭ ‬عدة‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬السفن‭ ‬وعشرات‭ ‬الطائرات‭ ‬الحربية‭ ‬فى‭ ‬مناورات‭ ‬بحرية‭ ‬ذات‭ ‬توجه‭ ‬قتالى‭ ‬فى‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬حفيظة‭ ‬ومخاوف‭ ‬واستفزاز‭ ‬واشنطن‭.‬


وهذا‭ ‬ذاته‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬الجنرال‭ ‬الصين‭ ‬‮«‬تيان‭ ‬جونلى‮»‬،‭.‬


وجاء‭ ‬الرد‭ ‬الأمريكى‭ ‬على‭ ‬الانتشار‭ ‬العسكرى‭ ‬الصينى‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى‭ ‬عبر‭ ‬تعزيز‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكى‭ ‬من‭ ‬تواجده‭ ‬فى‭ ‬الإقليم،‭ ‬وذلك‭ ‬فى‭ ‬مسعى‭ ‬لردع‭ ‬الصين،‭ ‬والتى‭ ‬تنفذ‭ ‬عملية‭ ‬تحديث‭ ‬وتوسيع‭ ‬مطردة‭ ‬لقدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والنووية‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭.‬


ويرى‭ ‬خبراء‭ ‬أن‭ ‬الخلاف‭ ‬لن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬المواجهة‭ ‬المسلحة‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين،‭ ‬بل‭ ‬ستستمر‭ ‬حالة‭ ‬عسكرة‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبى‭ ‬ومحاولة‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين‭ ‬زيادة‭ ‬حلفائهم‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬عبر‭ ‬اتفاقيات‭ ‬وتحالفات‭ ‬وخلافه‭.‬
 

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية