ثمن الحرب..عام على الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا..وخسائر اقتصادية تاريخية للعالم
لا يصدق من يتابع المجزرة الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وحلفاء كل طرف، أن المعركة تمت اليوم عامها الأول، دارت جنازير الدبابات ودانات المدافع، ولازالت الحرب مشتعلة، ومعها انقسم العالم لأحلاف متضاربة فى المصالح والأهداف، وفرضت تحولات جيوسياسية ومبادئ جديدة فى العلاقات الدولية، بجانب خسائر اقتصادية غير مسبوقة فى التاريخ الحديث، والتي جاءت فى وقت يعانى فيه سكان الكوكب من تداعيات فيروس كورونا .
وتسببت حرب روسيا وأوكرانيا فى إحداث تغييرات فى أجزاء من النظام العالمى، وظهرت مؤشرات مؤخرا على اتجاه عالمي جديد للدول التى تريد الانصهار فى كتل جديدة، إذ دفعت الحرب الصين والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى للبحث عن موطأ قدم لهم فى بلدان لم تكن ضمن خارطتها خلال الفترة الزمنية الحالية، فى محاولة منها للبحث عن نفوذ وحلفاء.
تراجع الدور الأمريكى
وأظهرت الأزمة الأوكرانية تراجع الدور الأمريكى، واكتشف العالم أن القطب العالمي الأوحد «أمريكا» غير قادر على ممارسة دوره، وفقد قوة الردع التى كان يجب أن تمنع روسيا من دخول نزاع عسكرى مع أوكرانيا، فمن يصدق أن الولايات المتحدة التى لم تواجه روسيا مباشرة فى حرب أوكرانيا ستدخل مباشرة فى حرب مع الصين دفاعًا عن تايوان، وضد سياسة «الصين الواحدة»، كذلك ارتفعت الأصوات المتسائلة عن المدى الذى يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تساند به أوروبا، حال تعرضها لأزمة حقيقية أو مواجهة عسكرية مع الروس.
كما كشفت الحرب عن تحول أفريقيا والمحيط الهندى والمحيط الهادئ وآسيا الوسطى والقوقاز والبلقان إلى ساحات معركة على النفوذ بين القوى الكبرى فى العالم.
التعددية القطبية
من جانبه قال الدكتور محمد فراج، الخبير فى الشأن الروسى، إن الدور الأمريكى تراجع ولم يعد مثلما كان بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة الاتحاد السوفيتي، ولكنه لم ينته أيضًا، مشيرا إلى أن الحرب أسفرت عن ميلاد حقيقي لعملية التعددية القطبية.
وأوضح فراج أن التصدى العسكرى الروسى القوى تجاه التمدد الغربي نحو حدوده أسهم فى تعزيز عملية التعددية القطبية، وأضعف الموقف الأمريكى، مشددا على أن تقدم موسكو العسكرى فى أوكرانيا اعترفت به كييف والغرب بعدما أعلنوا سيطرة موسكو على أكثر من 21% من مساحة أوكرانيا.
وأضاف الخبير فى الشأن الروسى: «العام الماضى كشف عن تطور فى علاقات القوى الدولية الكبرى ما أتاح لنا الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب وانتهاء وضع الأحادية القطبية المتمثلة فى هيمنة الولايات المتحدة والغرب على العلاقات الدولية ، لافتا إلى أن روسيا نجحت فى إبعاد القوى العسكرية الأمريكية والأطلسية عن بحر أزوف بالكامل، بالإضافة إلى السيطرة على الجزء الأكبر من السواحل الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، وكل هذه التحركات لها أبعاد جيوسياسية على العالم.
واستطرد فراج: العام الماضي عزز من تحالف روسيا والصين من جهة، وزيادة تبعية أوروبا للولايات المتحدة من جهة أخرى، مؤكدا أن خطوة أمريكا بشأن رفع نسبة الفائدة فى بنوكها، بالإضافة إلى توافر الطاقة داخل أراضيها، دفعت العديد من الشركات الأوروبية للاتجاه إلى واشنطن وهو انتصار كبير لها، واصفا إياه بـالانتصار على الحلفاء، وهو ما سيتسبب فى خسائر فادحة للاقتصاد الأوروبي، مستشهدا بتقدير صندوق النقد الدولى لخسائر أوروبا بأكثر من تريليون دولار.
التكتلات الاقتصادية
وبشأن التكتلات الاقتصادية كشف فراج عن وضع روسيا موطأ قدم لها فى العديد من المناطق بعد اعتمادها على تصدير المنتجات إلى الصين والهند ودول شرق آسيا الصاعدة، بالإضافة إلى توسعها فى التعامل بالعملات الوطنية مع بكين ودول أخرى فى العالم الثالث مثل دول الخليج العربى، وهو ما يرسم ملامح علاقات اقتصادية مختلفة فى العالم، بعد أن كان الدولار هو المهيمن على الاقتصاد العالمى.
وكشف فراج أن الصين حققت خلال السنوات الماضية من خلال مبادرة «الحزام والطريق» تغلغلا اقتصاديا وسياسيا واسع النطاق، إذ أصبحت الشريك الأول للاقتصادات الأفريقية، كما نجحت روسيا أيضًا فى تحقيق تقدم كبير فى علاقتها السياسية والاقتصادية والعسكرية فى القارة السمراء، خصوصا فى منطقة الساحل والصحراء.
وتابع فراج: استطاعت روسيا التوسع عسكريا فى تلك المنطقة على حساب الغرب، خصوصا فرنسا، وتم طرد القوات الفرنسية من مالى وبوركينا فاسو، والاستعانة بقوات فاجنر الروسية بدلا عنها فى مواجهة الأنشطة الإرهابية الواسعة للقاعدة وداعش، بالإضافة إلى اتفاقيات الإمداد بالسلاح والتدريب العسكرى.
واستشهد الخبير فى الشأن الروسى بقيام أكثر من 40 دولة أفريقية بالامتناع عن التصويت ضد روسيا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لافتا إلى أن هذه التغيرات أجبرت الولايات المتحدة على البدء فى حملة واسعة للتوجه نحو أفريقيا كان من أبرز ملامحها عقد مؤتمر «أمريكا - أفريقيا» فى واشنطن وتخصيص عشرات المليارات من الدولارات للاستثمار فى أفريقيا.
واختتم الخبير فى الشأن الروسى حديثه قائلا: «التعددية القطبية فى العلاقات الدولية هى ظاهرة تحقق مصالح كل الدول الصغيرة والمتوسطة لأنها تتيح أمامها الفرصة لتنويع خياراتها الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والثقافية، بما يتيح لها فرصة أوسع لتحقيق مصالحها فى إطار التنافس بين القوى الكبرى.
فيما قال اللواء محمد عبد الواحد خبير الأمن والشئون الدولية أن روسيا كانت ترغب فى تأمين أمنها القومى من خارج حدودها، وبالتالى تم إرغامها على القتال، فيما نجد أن الناتو والولايات المتحدة كان لديهما أهداف جيوسياسية، وهى إبعاد روسيا عن أمن أوروبا بالكامل، بعد أن توصلوا إلى أن التواجد الروسى يشكل تهديدا على مصالح أمريكا وأوروبا.
وأضاف الخبير الأمني: البوصلة الاستراتيجية التى تبناها الاتحاد الأوروبى منذ 3 أو 4 سنوات، وكان آخر اجتماع لها قبل الحرب بشهر، كانت تؤكد على أن التواجد الروسى والصينى فى أوروبا يهدد القيم السياسية فى القارة العجوز.
وتابع محمد عبد الواحد: «المستفيد من هذه الحرب فى المقام الأول الولايات المتحدة»، لافتا إلى أنها استطاعت فك الارتباط بين روسيا ودول أوروبا، كما أوقفت مشروعات متعددة من بينها «نورد ستريم»، كما استطاعت إعادة حلف شمال الأطلسى «الناتو» إلى ما كان عليه من قبل وتوحيده ضد روسيا، بالإضافة إلى استفادتها من الترويج لاقتصادها وبيع أسلحة بالمليارات.
وأوضح عبد الواحد أن محاصرة روسيا جيوسياسيا داخل حدودها وجعلها منشغلة دائمًا بمشكلاتها الداخلية والإقليمية كانت من ضمن الاستراتيجية الأمريكية التى تهدف إلى قطع أذرع روسيا خارج الإقليم، نظرا لتمددها فى أماكن جغرافية جديدة مثل سوريا وليبيا ومنطقة الساحل الأفريقى، وزيادة تواجدها العسكرى عن طريق شركة «فاجنر» العسكرية فى كل من: (السودان والنيجر ومالى وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى وموزمبيق)، بالإضافة إلى فنزويلا.
وأوضح الخبير فى العلاقات الدولية أن أمريكا تسعى لطرد «فاجنر» من هذه المناطق بعد أن أثرت بالسلب على النفوذ الأمريكى والنفوذ الغربى.
القارة السمراء
وأشار الخبير الأمنى وخبير العلاقات الدولية إلى أنه مما لا شك فيه أن القارة الأفريقية منذ فترات التحرر الوطنى، وهى تعانى من حالات استقطاب شديدة تمثلت فى 3 مراحل، الأولى صراع واستقطاب بين الكتلة الغربية بقيادة أمريكا والاتحاد السوفييتى من جهة أخرى، والثانية بعد انهيار الاتحاد السوفييتى، إذ أصبحت أفريقيا تحت الهيمنة الأمريكية والأوروبية، والثالثة بعد 11 سبتمبر أصبحت هناك سيطرة أمريكية كاملة تمثلت فى تواجد عسكرى كبير داخل القارة.
واختتم عبد الواحد مؤكدا أن كل هذه التغيرات الجيوسياسية تعود بمكاسب لقارة أفريقيا، لافتا إلى أن الشركاء الجدد طرحوا فكرة المكاسب المشتركة بين جميع الأطراف سواء سياسيا أو اقتصاديا، وأن الدول الأفريقية ليست تابعة لهم، كذلك أصبح لدى القارة السمراء تنوع فى الاختيار، وأصبحت تحقق مصالحها دون قيود أو شروط أو أى انتهاك لسيادتها.
نقلًا عن العدد الورقي…،