لغز الموازنة..سياسيون يطالبون بضرورة ترشيد النفقات.. وإطالة وقت تنفيذ المشروعات الكبرى
يترقب المصريون الموازنة العامة الجديدة للدولة 2023/2024، ويعرف الجميع أن الحكومة تكافح بشدة لسد العجز فى الحساب الجارى ومواجهة الضغوط المستمرة والتحديات الاقتصادية المتزايدة التى يقتضيها وضع العملة الوطنية فى مسار حر -حسب قوانين العرض والطلب- أمام الدولار والعملات العالمية، فى وقت تتزايد فيه التداعيات الكارثية للصراع العالمى الذى خلفه الصدام بين روسيا وأوكرانيا، وكلاهما يشكل أهمية ضخمة لمصر فى السياحة ومصادر العملة الأجنبية، واستيراد القمح وعدد من السلع الأساسية الأخرى.
فكيف ستتعامل الحكومة ووزارة المالية مع الملفات الشائكة فى هذه الموازنة، خاصة بعد أن دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى حوار وطنى حول ملف الموازنة يتوقع أن ينطلق خلال الأسابيع المقبلة؟.. وماذا عن ملف الحماية الاجتماعية فى الموازنة الجديدة؟.. وما هى الأولويات التى يمكن التركيز عليها فى هذه الموازنة التى أصبحت أشبه بلغز أو فخ بسبب التحديات المتصاعدة؟
«فيتو» فتحت هذا الملف وأجرت حوارا مع الخبراء والمتخصصين لاستشراف المستقبل وفك شفرات القرارات الحكومية المتوقعة وتأثيراتها وانعكاساتها على المواطنين.فإلى التفاصيل:
أولويات الإنفاق الحكومي
وفي البداية أكد عدد من السياسيين وقادة الأحزاب السياسية أن تحديات الموازنة تتطلب إعادة نظر فى أولويات الإنفاق الحكومى، مع ترشيد الإنفاق فى العديد من بنود الموازنة العامة للدولة وخفض الاستيراد لأدنى مستوياته، وزيادة حجم التصدير لأعلى مستوى وغيرها من المقترحات التى نوردها فى السطور التالية.
ويرى المهندس فريد زهران، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى، أن هناك خللا واضحا فى أولويات الإنفاق الحكومى، وهناك مشكلات وتحديات تواجه الموازنة العامة للدولة لعام 2023-2024، فالقفزات المتتالية لسعر الدولار وارتفاع حجم الديون جعلنا فى حاجة لمراجعة السياسات الاقتصادية، على أن تتضمن هذه المراجعة إعادة النظر فى المشروعات بحيث يتم وقف أى مشروعات كبرى ليس لها جدوى اقتصادية واضحة، وخاصة المشروعات التى قيد التنفيذ، وتعاد جدولة مدة تنفيذها الزمنية.
وأضاف “زهران”، يجب أيضًا تأجيل أو إطالة الفترة الزمنية لمشروعات البنية الأساسية غير الملحة، بالإضافة إلى أن هناك بنودا بالموازنة يجب ترشيدها مثل المستشارين فى الوزارات وتضخم الجهاز الاستشارى، كل هذا يجب أن يتوقف فى إطار ترشيد الإنفاق الحكومى، وهذا من شأنه توفير مبالغ طائلة تستخدم فى رفع مخصصات الصحة والتعليم بالموازنة، وهذا هو جوهر الإصلاح الاقتصادى.
وأكد زهران أن مواجهة مشكلة عجز الموازنة والعمل على خفض الديون، يتطلب إنعاش الاقتصاد المصرى والعمل على جذب استثمارات جديدة، لكن هذا الأمر يحتاج إلى بيئة تنافسية، وللأسف هذا غائب نتيجة نمط العمل بالأمر المباشر، وهو ما يجعل رأس المال المحلى والأجنبى يحجم عن المشاركة فى الاستثمار، رغم أن هذا هو الحل لتوفير عملة صعبة وزيادة الإنتاج للتصدير والمساهمة فى سداد الديون.
المشروعات القومية
جودة عبد الخالق، وزير التموين الأسبق، يرى من جانبه أن المشكلات الاقتصادية التى تواجه الموازنة العامة، يجعل المطالبات بوقف المشروعات القومية الكبرى منطقى لأن مصر تمر بظروف صعبة، وهذا يرجع لسببين، الأول خارجى يتعلق بجائحة كورونا وتأثيرها على الاقتصاد العالمى، وما تلاها من الحرب الروسية الأوكرانية، والسبب الثانى داخلى بسبب السياسات التى طبقت ونتج عنها تراكم سريع للديون، وأثرت على الوضع المالى للدولة، فأصبح هناك أرقام يجب التوقف عندها، ففى موازنة 2022/2023 بلغت مدفوعات الفوائد 650 مليار جنيه، وبلغت أقساط الدين العام 967 مليار جنيه، وبالتالى فكثير من الأرقام التى أعلنت فى الموازنة تحتاج إلى المراجعة.
وأضاف «عبد الخالق»، هناك عجز خارجى وداخلى كبير، تخطت النسبة المريحة لإدارة الاقتصاد، مشيرا إلى أنه فى ظل المعطيات الحالية هناك جزء من المشروعات القومية التى تنفذ بالتوازى مطلوبة ومفيدة وجزء آخر يمكن تأجيله، وبالتالى يجب ترتيب الأولويات فيما يخص الإنفاق من الموازنة على المشروعات القومية، مع الوضع فى الحسبان أن هناك عمالة مصدر رزقها هذه المشروعات.
وتابع وزير التموين الأسبق، لا بد أيضًا من وضع سقف للدين العام وإعلان الالتزام به، فلا يوجد بلد لديه إدارة رشيدة تترك الدين العام بلا رقابة، ففى أمريكا تتعطل الحكومة لحين إقرار الكونجرس للميزانية وتحديد حجم الدين.
أما بالنسبة للموازنة العامة، فهناك بنود يجب إعادة النظر فيها وإلغاء بعضها، منها بند سرى يتبع مكتب كل وزير للإنفاق منه على مكتبه، كذلك الإعلانات والاحتفالات والرحلات المستمرة للخارج، بالإضافة إلى تخفيض الإنفاق على المشروعات التى تقيمها الدولة سواء من الموازنة أو خارج موازنة الدولة، ودراسة مدى أهميتها وجدواها فى الوقت الحالى والعائد منها “لازم نربط الحزام ع البطن”.
صندوق النقد الدولي
وأكمل، هناك بديل لصندوق النقد الدولى، وهناك برامج بديلة لكن الحكومة لا تهتم لأنه لا يحقق أهداف المستثمرين فى الخارج والمتربحين فى الأسواق ومن يتحكمون فى دخول الأموال الساخنة إلى البلاد للاستفادة من سعر الفائدة الأعلى ثم الخروج بمكاسبهم دون دفع ضرائب.
وأكد جودة عبد الخالق، المفكر الاقتصادى، أن الموازنة لم تحدد مخرج من أزمة الديون، إنما وضعت الحل فى أخذ المزيد من الدين، وبذلك يصبح حجم الديون كبيرًا، والأهم من ذلك هو عبء الديون، والتى تتمثل فى شقين: الأول مدفوعات الفوائد على الدين وقيمته تتراوح بين 650 إلى 660 مليار جنيه، والشق الثانى هو أقساط الدين المستحق سدادها، وهى بمقدار 965.4 مليار جنيه وعند جمعهم يزيد على تريليون و500 مليار جنيه، وإذا كانت الاستخدامات فى الموازنة العامة 2 تريليون هنا سيذهب أكثر من تريليون و500 مليار جنيه إلى خدمة الدين، والباقى يتم توزيعه على الأجور والخدمات الاجتماعية والاستثمارات وباقى المصادر.
أما المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصرى، فقال إن المشكلات التى تواجه الموازنة العامة للدولة فى 2023-2024 تتطلب إعادة النظر فى بنود الموازنة لتقليل حجم الاستيراد للحد الأدنى، وتعظيم حجم التصدير للحد الأقصى حتى يمكن تقليل حجم الديون والسيطرة عليها، إلى جانب ضرورة الحد من التضخم وارتفاع الأسعار التى تجاوزت كل الحدود وأصبحت تهدد السلام الاجتماعى مشيرا إلى أنه يجب أن يوضع التعليم والصحة على رأس أولويات الإنفاق الحكومى لانهما أمن قومى يهددان بخسائر جسيمة فى المستقبل، بالتوازى مع ضرورة العمل على رفع مستويات الأجور وفتح مجالات العمل للشباب والابقاء على ما تبقى من شركات قطاع الأعمال العام لأنها تخدم القطاع الأكبر من المواطنين.
نقلًا عن العدد الورقي…،