لغز الموازنة.. خبراء: برنامج صندوق النقد الدولي والتحديات الاقتصادية يؤثران في الأولويات
فى ظل التحديات الاقتصادية المحلية والعالمية غير المسبوقة، تتعرض وزارة المالية وهى تعد مشروع الموازنة الجديدة لضغوط كبيرة خاصة بعد الارتفاع الكبير الذى شهده الدولار أمام الجنيه المصرى والمطالب بالتوزيع العادل لاعتمادات الموازنة بشكل يراعى الاستجابة لمتطلبات النمو والتنمية لكل المناطق وشرائح المجتمع، مع التركيز على الأولويات التنموية، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية.
ورغم التحديات الكبيرة التى تواجه الموازنة العامة للدولة، تسعى وزارة المالية إلى إعداد موازنة تستهدف تسجيل معدل نمو بنسبة ٥,٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وتحقيق فائض أولى مستدام يصل إلى نحو ٢٪ فى المتوسط، ووضع معدلات العجز والدين فى مسار نزولى، بجانب خفض عجز الموازنة ليكون فى مستويات ٥٪ على المدى المتوسط، مع استهداف تراجع معدل المديونية الحكومية إلى أقل من ٨٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى مع نهاية ٢٠٢٧، وهو ما أكده الدكتور محمد معيط وزير المالية فى العديد من المناسبات.
توجيهات رئاسية
وأكد وزير المالية أنه تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية سيتم إطلاق حوار مجتمعى حول الموازنة الجديدة ٢٠٢٣/ ٢٠٢٤ خلال الأسابيع القليلة المقبلة؛ وذلك لتحديد أولويات الإنفاق العام، فى ظل ظروف استثنائية يشهدها الاقتصاد العالمى، وتفرض ضغوطًا بالغة الصعوبة على موازنات الدول بما فيها مصر، سواءً من حيث الارتفاع غير المسبوق فى أسعار السلع والخدمات؛ نتيجة لاضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، أو ارتفاع تكلفة التمويل.
بدوره قال هانى توفيق الخبير الاقتصادى، إن الموازنة العامة للدولة ما هى إلا أرقام توضع فى بداية العام المالى ومن ثم تتغير بعد ذلك مع كل جديد يطرأ على الساحة، وهو أمر مرن وليس أرقاما ثابتة لا تتغير، مشيرًا إلى أن الأزمة مستمرة ما دمنا نستهلك أكثر مما ننتج، ونستورد أكثر مما نصدر لأنه سينتج عجزا فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات، ويستمر انخفاض سعر الجنيه.
الأموال الساخنة
وعن عودة الأموال الساخنة ودورها فى دعم الاقتصاد، قال توفيق، فى تصريح خاص لـ«فيتو» إنه يمكن تجميع بعض الأموال الساخنة مثلما فعلنا السنوات الماضية، وهو ما ساعد فى تقوية العملة المحلية، ولكن مثلما دخلت هذه الأموال سريعًا من الممكن أن تخرج سريعًا، وهو ما حدث، وبالتالى إذا لم يكن هناك بديل ووسائل لزيادة الإيرادات من الدولار أو العملات الأجنبية سيظل حينها تراجع الجنيه أمام الدولار بصورة تدريجية لحين ضبط الأوضاع.
وأكد أن قيمة الجنيه المصرى لن تزيد إلا عن طريقين، الأول: هو زيادة الاستثمار الأجنبى المباشر، والثانى التصدير لأن مصادر مصر من العملات الأجنبية الآن هى قناة السويس وتحويلات العاملين فى الخارج أو من السياحة، ولكن هذه الأموال محدودة النمو فيها، والاستثمار الأجنبى المباشر لن يأتى إلا بحل مشكلات الاستثمار المحلى المتوفر بالفعل.
وعن زيادة نسبة الدين فى الموازنة ألمح الخبير الاقتصادى أن نسبة الدين ليست المشكلة فى حد ذاتها، ولكن المشكلة فى مدى القدرة على السداد، فأمريكا واليابان والصين كان لديهما 300% ديونا، ولكن هذه دول منتجة وتقترض كى تفتح مصانع وتنتج وتصدر وتسدد الديون المطلوبة.
وأكد أهمية وجود لجنة عليا ومجالس قومية متخصصة ومطبخ حزبى يضع أولويات الدولة، وينظر إلى الموارد المحلية المتوفرة لدينا، وماذا نحتاج لأن نقترض من أجله، أما إذا تم توجيه كل الاقتراض إلى البنية التحتية وغيرها ومن المشروعات التى لا تدر دخل على المدى القصير ستستمر الأزمة، ولكن من المفترض خلق توازن فى الاقتراض؛ بغرض الإنتاج والتصدير، وسداد ما علينا من قروض وبين ما ننفقه على البنية التحتية أو الفوقية التى يتأخر العائد منها.
ومن جانبه قال محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد بجامعة أسوان، إن وزارة المالية تحتاج إلى كفاءة عالية كى تتمكن من القدرة على التنبؤ بما يحدث سواء على الوضع المحلى أو الإقليمى والعالمى لأنها المسئولة عن إعداد وتنفيذ الموازنة العامة للدولة.
الاستيراد والتصدير
وأضاف فى تصريح خاص لـ«فيتو» أن الموازنة العامة الجديدة للدولة ستختلف إلى حد ما عن موازنة العام الحالى، بسبب عدم استقرار الوضع الاقتصادى الداخلى الذى تأثر بشكل كبير بما يحدث على المستوى الدولى من الحرب الروسية الأوكرانية الذى من الممكن أن يزيد التحديات على الاقتصاد المصرى، وأماكن الاستيراد والتصدير.
وأكد عنبر على أهمية الحفاظ على الوضع الاقتصادى لإعطاء متنفس بشكل جيد سواء فى السياحة أو الاستثمار، مشيرًا إلى أن الضامن فى هذا الأمر هو عدم وجود فروقات تؤثر على استقرار الوضع الاقتصادى وهذا لا يعنى استقرار الأمور المالية فقط لكن يشمل استقرار الوضع الأمنى والسياسى ووجود بنية تشريعية مستقرة من القوانين واللوائح، والبنية التحتية والمشروعات القومية وهو ما تسعى الدولة إليه، وألمح إلى أن شروط صندوق النقد الدولى ستؤثر بشكل أو بآخر على الموازنة العامة للدولة 2023/2024 خاصة بنود الدعم التى تعود على المواطنين أو المحروقات والسلع.
وأشار إلى أن الدولة تتبع سياسة اجتماعية موازية للسياسة الاقتصادية لعدم التأثير على محدودى ومتوسطى الدخل، ومن الممكن أن ينخفض الدعم كرقم إجمالى، بجانب أن الدولة تدفع أقساط الديون، وكلما زادت القروض ارتفع الرقم الذى ندفعه فى خدمة الدين.
وأكد أهمية وجود ضمان على ثبات الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمى وهو حق دستورى تلتزم الدولة بنسبة من الناتج المحلى الإجمالى للحفاظ على هذه الحقوق، كما توجد بعض مصادر الإيرادات أو النفقات التى يُصعب التحكم فيها بشكل كبير مثل السياحة والاستثمار.
ومن جانبه أكد هانى جنينة الخبير الاقتصادى إنه يوجد عاملان مهمان أثرا فى تغيير أرقام الموازنة العامة للدولة للعام الحالى، وهما برنامج صندوق النقد الدولى، ومن الممكن خلال فترات البرنامج والإعداد له أن تحدث تغييرات فى أرقام الموازنة، وهذا وضع طبيعى، والأمر الثانى هو عدم استقرار الوضع العالمى وتذبذب أسعار البترول والقمح بجانب التغير فى وفرة الدولار.
وأضاف «جنينة»، فى تصريح خاص لـ»فيتو»، أنه من المتوقع أن يحدث خلال العام المالى القادم تقليص بعض البنود المهمة فى الموازنة العامة للدولة التى كان يوجد خلاف عليها مع صندوق النقد الدولى، والتى من الممكن أن تطال دعم السلع التموينية والمواد البترولية مشيرًا إلى أنه من المقرر خفض عجز الموازنة كنسبة من الناتج الإجمالى خلال العام المالى القادم 2023/ 2024.
نقلًا عن العدد الورقي…،