عام على حرب روسيا وأوكرانيا، ميلاد نظام عالمي جديد.. أوروبا تؤدي دور التابع لواشنطن وموسكو تستعين بحلفاء جدد للهروب من وصاية الصين
أيام قليلة وتحل الذكرى الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير من العام الماضي في الحرب التي أدت إلى إحداث تغييرات في أجزاء من النظام العالمي، بما في ذلك تشكيل كتل جديدة لم يشهدها العالم منذ الحرب الباردة.
عالم غير منظم متعدد الأقطاب
زادت الحرب من حدة النزاعات والمواجهة، فضلًا عن الاتجاه العالمي الحالي للدول لتشكيل كتل تتمحور حول واشنطن وبكين.
قال جوزيف بوريل، منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، في ديسمبر «لقد تحولنا إلى عالم غير منظم متعدد الأقطاب، كل شيء فيه سلاح: الطاقة والبيانات والبنية التحتية والهجرة... الجغرافيا السياسية هي المصطلح الأساسي، كل شيء جيوسياسي».
تحولت آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان وأفريقيا والمحيط الهندي والمحيط الهادئ إلى ساحات معركة على النفوذ بين قوى مثل الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا، سواء من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية أو إبرام صفقات في التجارة أو التعاون العسكري أو الدبلوماسي.
وجاءت الحرب في أوكرانيا لتمعن في زعزعة الأمور، فأضعفت قبضة روسيا على الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، وفتحت الباب أمام تركيا للاضطلاع بدور جديد كوسيط.
إضعاف روسيا وأوروبا
قال بيار رازو، رئيس مركز أبحاث «FMES» في فرنسا، إن «إعادة التنظيم الجارية في حالة من الفوضى حقيقية لكنها مؤقتة على الأرجح». وأضاف: «حتمًا، ستؤدي الحرب في النهاية إلى إضعاف روسيا وأوروبا وإرهاقهما، في حين أن المنتصرَين الرئيسيين من هذا الوضع هما الولايات المتحدة والصين».
روسيا في فلك الصين
كان على الصين أن تفكر في الحرب من منظور هدفها الإستراتيجي طويل الأمد، المتمثل في أن تصبح القوة الرائدة في العالم بحلول عام 2049.
على الرغم من أن بكين تدعم موسكو فإنها تجنبت القيام بتحركات قد تنفر الغرب منها.
قالت أليس إيكمان، محللة شؤون آسيا في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، إن «الصين لا تنأى بنفسها، ولكنها عززت علاقتها الوثيقة» مع روسيا.
في تقريرها السنوي الذي نُشر هذا الشهر، قالت أجهزة الاستخبارات الإستونية إنه «من السابق لأوانه النظر إلى تأييد شي جينبينج المتحفظ للحرب التي يشنها بوتين، كعلامة على الابتعاد عن روسيا».
وقالت إيكمان إن الدعم قد لا يكون توافقًا كاملًا، والصين لا تقدم لروسيا مساعدات بحجم تلك التي توفرها واشنطن لأوكرانيا، لكن «علينا أن ننظر إلى الوقائع: لقد تعززت العلاقات الاقتصادية».
في الواقع، تعني الحرب أن موسكو تخاطر بأن تصبح مجرد تابع لبكين، وأن تدور في فلكها.
قالت الخبيرة الاقتصادية وخبيرة العقوبات أجات دوماريه، إن «روسيا ليست في وضع يسمح لها بالتفاوض مع الصين التي ستأخذ ما تشاء من روسيا دون أن تعطي روسيا ما تريد»، مثل الأسلحة أو المكونات الإلكترونية المهمة.
ومع ذلك، قالت إيكمان «يمكن للآيديولوجيا أن تتقدم على عدم التوازن الاقتصادي، ولا ينبغي تحليل العلاقة من منظور عقلاني فحسب».
علاقات روسيا مع تركيا والشرق الأوسط وإيران وأفريقيا
وقال رازو، رئيس مركز أبحاث «FMES» الفرنسي: «الكرملين يراهن على تنويع علاقاته الجيوسياسية والاقتصادية والإستراتيجية مع تركيا والشرق الأوسط وإيران وأفريقيا»؛ للحد من اعتماده على الصين.
كما أن ترسانة روسيا النووية الهائلة - وهي أكبر بكثير مما تملكه الصين - تجنبها أيضًا أن تصبح خاضعة تمامًا.
أوروبا تؤدي دور التابع لواشنطن
بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، تمثل الحرب في الوقت نفسه فرصة لأن يظهر قدرته على التحرك كجهة فاعلة رئيسية، فضلًا عن خطر أن يؤدي دورًا تابعًا لواشنطن من جديد.
قال مسؤول أوروبي رفيع المستوى، طالبًا عدم الكشف عن اسمه: «لم يكن أداء أوروبا سيئًا جدًّا، فقد أظهرت مرونتها وقدرتها على الاستجابة بسرعة كبيرة منذ بداية الحرب، من خلال تقديم الدعم العسكري ومساعدة اللاجئين، وخفض اعتمادها في مجال الطاقة» على روسيا.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي «لبى الاحتياجات العاجلة. هل استعد للمستقبل ومكانته على الخارطة العالمية؟ ما زال أمامه عمل يتعين عليه القيام به».
وقالت الخبيرة الاقتصادية دوماريه إنه «من الواضح أن هناك كتلتين، واحدة أمريكية وأخرى صينية مع حلفائها وروسيا. فهل ستصبح أوروبا كتلة ثالثة أم لا، أم ستتحالف مع الأميركيين؟».
قال رازو إن القادة الأوروبيين، من خلال اتحادهم مع واشنطن في الوقت الحالي في دعم كييف، يريدون «تقوية العلاقة مع الولايات المتحدة، لكنهم يدركون أنهم قد يجدون أنفسهم بمفردهم خلال ولاية رئاسية أو اثنتين» إذا وصل مرشح انعزالي إلى البيت الأبيض.
المظلة الأمنية للولايات المتحدة والناتو
هناك مزيد من دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي ترى أنه لا مستقبل خارج المظلة الأمنية للولايات المتحدة والناتو، ومن ثم يبحث الاتحاد عن مزيد من المجالات لتقليل التوابع الإستراتيجية، أبعد من الوقود الأحفوري الروسي الذي استغنى عنه إلى حد كبير.
أدرج إعلان في قمة في «فرساي» خارج باريس في مارس 2022، مجالات مثل المواد الخام الرئيسية وأشباه الموصلات والمنتجات الغذائية كأولويات.
قال برونو تيرتريه من مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية (FRS) ومقرها فرنسا، إن الأوروبيين يعانون من «المماطلة الإستراتيجية»؛ فهم يرفضون التحرك إلى أن يجدوا أنفسهم من دون خيار آخر.
ومع ذلك، سيتطلع الاتحاد الأوروبي إلى شق طريقه لشغل مقعد في أي مفاوضات تنهي الحرب. وكما يقول المثل: «عليك أن تتغدى بهم قبل أن يتعشوا بك».
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لصحيفة «لوموند» الفرنسية في ديسمبر: «لا أريد أن يكون الصينيون أو الأتراك فقط هم الذين يتفاوضون بشأن ما سيحدث لاحقًا».
تطلع الولايات المتحدة إلى آسيا
توقع الرئيس باراك أوباما في عام 2009 أن «العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ستشكل القرن الحادي والعشرين»، متوقعًا تحول انتباه واشنطن من العالم الأطلسي إلى المحيط الهادئ.
يدل الغزو الروسي لأوكرانيا على أن إهمال أوروبا قد لا يكون بتلك السهولة بالنسبة لجو بايدن، نائب أوباما.
قالت الباحثة في جامعة واشنطن جيوفانا دي مايو إن على بايدن أن «يوازن الأمور»، مشيرة إلى «الدعوات المتزايدة لتسوية النزاع في أقرب وقت ممكن»، من جانب السياسيين الأمريكيين، فضلًا عن تذمر الحزب الجمهوري بشأن تسليم بايدن أسلحة لأوكرانيا.
قال القائد الأمريكي في اليابان جيمس بيرمان لصحيفة «فاينانشيال تايمز» مؤخرًا، إنه يمكن استخلاص الكثير من العبر من الحرب بشأن نزاع محتمل مع الصين حول تايوان».
وقال بيرمان: «بعد العدوان الروسي في عامي 2014 و2015، استعددنا بجدية لنزاع في المستقبل: تدريب الأوكرانيين، والتخزين المسبق للإمدادات، وتحديد المواقع التي يمكننا من خلالها تقديم الدعم»، مضيفًا: «نحن نسمي ذلك إعداد المسرح. ونقوم بإعداد المسرح في اليابان، في الفيليبين، وفي أماكن أخرى».
خنق الاقتصاد الروسي
بالإضافة إلى إمداد كييف بالأسلحة، سعى حلفاء أوكرانيا بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى خنق الاقتصاد الروسي بفرض عقوبات قاسية.
وتظهر تأثيرات الإجراءات التجارية في نظام التجارة الحرة العالمي الذي كان السائد منذ نهاية الحرب الباردة، على الرغم من أنه كان يعاني.
قال باتريك بويان، الرئيس التنفيذي لشركة «توتال إنرجي» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن عقوبات مثل فرض مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي سقفًا على سعر برميل النفط الروسي المصدّر «أنهت السوق العالمية» فيما يتعلق بالوقود الأحفوري.
وسأل: «ما الذي ستعنيه فكرة سعر عالمي للنفط بمجرد أن نقرر فرض سقوف، بمجرد أن يتمكن المشتريان الرئيسيان الصين والهند (اللذان لا يطبقان العقوبات) من الشراء من الروس بسعر مختلف؟ هذا شيء جديد حقًا وسنختبره في عام 2023».
كما تعمل القوى الكبرى على التخلص من مبادئ التجارة الحرة التي كانت تعتز بها في مجالات أخرى، مثل القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على مبيعات بعض رقائق الكومبيوتر إلى الصين، أو تعليق الهند لصادرات القمح.
جاءت كل هذه التأثيرات المتعمدة لتضاف إلى الضربة التي وجهتها جائحة «كوفيد» لسلاسل التوريد العالمية.
وقالت دوماريه: «إن ميل العالم إلى الانقسام يعود إلى ما قبل الحرب، لكننا تلقينا صدمة مزدوجة تمثلت في الجائحة ومن ثم الحرب، ما أدى إلى تسارعه».
أزمة غلاء المعيشة
كانت للحرب تداعيات على تكلفة الغذاء والتدفئة والمأوى - وهي ثلاثة من أهم الاحتياجات الأساسية للبشرية - في البلدان النامية في أفريقيا وكذلك في أوروبا الغنية.
قال المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره السنوي عن المخاطر العالمية لعام 2023، إن «أزمة غلاء المعيشة العالمية حاصلة بالفعل»، مشيرًا إلى أن الضغوط كانت متصاعدة حتى قبل الجائحة.
كتب الباحثان نعومي حسين وجيفري هالوك في دراسة لمؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية: «شهد عام 2022 موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات؛ بسبب عدم القدرة على تحمل تكاليف الأساسيات اللازمة للحياة اليومية وعلى توفيرها».
وأضافا أن «في دول عدة، تصاعدت هذه الاحتجاجات إلى أزمات سياسية أكبر على المستوى الوطني، تخللتها أعمال عنف وسقوط ضحايا ومطالب بالتغيير السياسي».
لقد عانت دول أفريقيا والشرق الأوسط بشكل خاص، لأنها تستورد كميات هائلة من المواد الغذائية، وكذلك البلدان الفقيرة في جميع أنحاء العالم.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ،الدوري المصري، كأس مصر , دوري القسم الثاني, دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.