حدث في رمضان.. فتح مصر على يد عمرو بن العاص أول الشهر الكريم
فى الأول من رمضان عام 20هـ الموافق 13 من أغسطس 641م، وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، دخل الفتح الإسلامي مصر على يد القائد عمرو بن العاص لتصبح مصر بلدًا إسلامية بداية من هذا التاريخ.
فتح مصر
وبدأت بعدها مرحلة هامة من مراحل التاريخ السياسي لـ مصر الإسلامية، واضطلعت خلاله بدور مهم عبر مراحل التاريخ الإسلامي التي امتدت عبر عدة دول وامبراطوريات إسلامية بدءًا من الدولة الأموية، ثم العباسية والإخشيدية والفاطمية والأيوبية، ثم عصر المماليك وأخيرًا الإمبراطورية العثمانية.
قصة فتح مصر في شهر رمضان
دخلت الجيوش الإسلامية مصر، بقيادة عمرو بن العاص، في 1 رمضان بعد تحرير فلسطين من يد الاحتلال الروماني.
وقبل الفتح الإسلامي، كانت مصر ولاية رومانية تتبع الإمبراطورية البيزنطية، وحاكمها هو «المقوقس» الذي يُعد آخر حاكم بيزنطي لمصر، في الوقت نفسه، كان المسلمون يواصلون مسيرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في فتح البلاد ونشر الإسلام، التي بدأها خليفة المسلمين والصحابي «أبو بكر الصديق» بتثبيت دعائم الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، ثم واصلها خليفة المسلمين والصحابي «عمر بن الخطاب» بفتوحات خارج الجزيرة العربية؛ كالانتصار على دولة الفرس، وفتح دمشق وأجنادين وبيت المقدس، ثم جاء الدور على قارة أفريقيا؛ بفتح مصر.
الفتح الإسلامي لمصر
بعد تمكن المسلمين من فتح الشام وبيت المقدس اقترح الصحابي عمرو بن العاص فتح مصر، وكان سقوط حصن بابليون “آخر معاقل الدولة البيزنطية” والإسكندرية في أيدي الجيش الإسلامي إشارة لزوال الحكم الروماني.
في ديسمبر ٦٣٩ ميلادية، وافق خليفة المسلمين، عمر بن الخطاب، على الزحف نحو مصر، بعد إلحاح من قائد جيش المسلمين آنذاك؛ عمرو بن العاص، لعدة أسباب؛ أولها أن مصر تمثل مكانة كبيرة للمسلمين بسبب ذكرها في القرآن الكريم، وتبشير النبي محمد بفتحها وتوصيته بأهلها خيرًا، ولأنها تكامل أمني بالنسبة لباقي الدولة الإسلامية، خاصة وأن مصر امتداد طبيعي لجنوب فلسطين الذي سيطر عليها المسلمون.
قاد عمرو بن العاص جيشا من المسلمين إلى مصر، مكونا من حوالي ٤ آلاف جندي، وتمكن من اجتياز العريش سريعًا، ثم خاض عدة حروب مع جيوش الروم، انتصر فيها جميعها، إلى أن أصبح الطريق نحو القاهرة ممهدًا للمسلمين، فبلغ جيش المسلمين قرية «أم دِنِين» فى موقع حى العباسية حاليًا، لكن في المُقابل؛ حشد الروم عتادهم لمنع عمرو بن العاص من دخول المدينة، ولما بلغ الأمر إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب، أرسل بالإمدادات من العتاد والجنود، بقيادة «الزبير بن العوام»، وجرت مواجهات كبيرة بين الجيشين، كان النصر حليفًا فيها لقوات عمرو.
محاصرة حصن بابليون
بعد معركة «أم دِنِين» تجمعت قوات الروم في حصن بابليون، الذي يُعد من أقوى الحصون آنذاك. وعلى الناحية الأخرى، وصل «بن العاص» بجنوده إلى الحصن بعد معارك محدودة في الطريق، واستعد للمواجهة الحاسمة في فتح مصر.
حاصر عمرو بن العاص حصن بابليون لمدة ٧ أشهر، دار خلالها مفاوضات بينه وبين «المقوقس»، حاكم مصر البيزنطي، وانتهت بقرار الأخير بالاستسلام مُقابل الصلح والجزية، غير أن «هرقل» إمبراطور الإمبراطورية البيزانطية رفض عقد الصلح، فظل الحصار.
ولما ورد للمسلمين خبر موت «هرقل»، في الوقت الذي انحسر فيه فيضان النيل حول الحصن، قرروا اعتلاء الحصن ودخوله وحسم المعركة، فسقط الحصن (٢٠ هجرية/٦٤١ ميلادية) الذي شكل عاصمة الحكم الروماني في مصر، في يد عمرو بن العاص، وكان سقوطه بداية لسقوط ما تبقى من حصون الروم، ليكون بذلك الفتح الإسلامي العربي لمصر.
نبوءة رسول الله
الفتح الإسلامي لمصر لم يكن عشوائيا، إذ تنبأ رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بفتح مصر، قبل أن يتم بسنوات عديدة، استنادا على الحديث النبوى الشريف عن نافع بن عُتبة عن الرسول أنَّهُ قال: «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللهُ» وهنا الإشارة لبلاد الروم التى كانت مصر جزءا منها، وقد طلب رسول الله فى مواضع أخرى، بحسن معاملة المصريين عند فتح مصر، وقد قال عنها إن جنودها خير أجناد الأرض.
سر رسالة عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص
كتب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الملقب بـ"الفاروق"، إلى عمرو بن العاص، في رسالة بعثها له أثناء توجهه لفتح مصر:" من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى العاص بن العاص، "عجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك عليّ، وخلاف عهدي، كيف لك أن تفعل شيئا لن أمليه عليك"، تلك الكلمات كتبها عمر بن الخطاب الي عمرو بن العاص غاضبا منه لأنه قرر فتح مصر وذلك جاء بعد خلافات عدة.
فتح مصر كان أمرا يبعث على التخوف من الفاروق تجاه المسلمين، ولكن أمام تعدد فوائد فتحها والذى حصدها ورددها عمرو بن العاص للفاروق، وافق الخليفة، وبعث معه أربعة آلاف جندي، وقال له "سر وأنا مستخير الله في مسيرك، وسأرسل لك مكتوبا سريعا إن شاء الله بذلك، فإن وصل لك مكتوبي، فمحتمل أن أمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها، وإن دخلتها قبل أن يصل لك مكتوبي فامض لوجهك واستعن بالله".
استخار الفاروق الله فكأنه تخوف على المسلمين من تلك الخطوة، فكتب إلى عمرو بن العاص أن ينصرف بمن معه من المسلمين، وأثناء وجود الأخير على مشارف مدينة رفح المصرية، رأى رسول "الفاروق"، فتخوف منه لأنه إذا أخذ المكتوب منه فهو ملزم بتحقيق ما أوصاه به الفاروق وهو الانصراف كما عهد إليه عمر، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه أمامه، وسار حتى نزل قرية فيما بين رفح والعريش، فطلب من الرسول حامل المكتوب أن يفتحه أمام الجنود ويقرأ فقال عمرو لمن معه: "ألستم تعلمون أن هذه القرية من مصر"، قالوا: "بلا"، فقال: "فإن أمير المؤمنين عهد إلى وأمرني إن لحقنى مكتوبه ولم أدخل مصر أن أرجع، ولم يصلني مكتوبه حتى دخلنا أرص مصر فسيروا على بركة الله".
ويشكك كثير من المؤرخين في صحة مثل تلك الرواية لعدة أسباب، أولا: لأنها جاءت عن طريق كتاب المستشرق الفريد بتلر "فتح العرب لمصر"، وثانيا: لأن قادة المسلمين علي رأسهم عمرو بن العاص لا يمكن أن ينفردوا بقرار الحرب دون رأي ومشورة أمير المؤمنين.
دور مصر بعد الفتح
شهدت مصر خلال الحكم الإسلامي نهضة شاملة في العمران والفنون تمثلت في العمارة الإسلامية بإنشاء العديد من المساجد والقلاع والحصون والأسوار، وكذلك الفنون الزخرفية التي تمثلت في أول عاصمة إسلامية في مصر وهى مدينة الفسطاط وبها جامع عمرو بن العاص.