كواليس احتواء «الملفات الملغومة» في المنطقة.. تحركات القاهرة كلمة السر في عدم انفجار الأوضاع
المتابع الجيد للأحداث، سيجد أن الدولة المصرية وأجهزتها المعنية بالملفات الخارجية تعمل بشكل مستمر وفعال فى الملفات الإقليمية والقضايا العربية المختلفة، إذ قدمت مصر حلًّا منفردًا لكل قضية على حدة، وكان لها رؤى أكثر جرأة وشفافية ومواجهة، فى الملفات الأكثر طغيانًا بالساحة، على شاكلة المصالحة الفلسطينية وتوحيد الأطراف المتنازعة فى جنوب السودان، كما كان لها نشاط بارز أيضًا فى الأزمة الليبية والسورية.
الوضع السوداني
وزاد النشاط المصرى فى هذه الملفات منذ مطلع شهر فبراير الجارى وحتى الـ8 من الشهر ذاته، إذ تستضيف مصر «ورشة القاهرة» لتقريب وجهات النظر بين الكتل والتيارات السياسية المختلفة فى عدد من الملفات، وخاصة السودان من خلال ملتقى الحوار «السودانى – السودانى».
تبحث مصر عن التوافق على مسار واضح لحل الأزمة وتسريع التسوية السياسية الحالية، ومن أجل ذلك دعت وفود سياسية كبرى إلى القاهرة بعد أكثر من شهر من التواصل مع أطراف سياسية فى ديسمبر الماضى والتوصل معهم لاتفاق إطارى يمهد لمرحلة تفاوض على التفاصيل فى عدد من القضايا العالقة المختلفة، والتى تتعلق بمشروع الانتقال السياسى الديمقراطى والترتيبات الدستورية والإعلان السياسى، وتشكيل حكومة الفترة الانتقالية بجانب قضايا ما بعد الفترة الانتقالية.
كما زاد اهتمام مصر بالقضايا العربية، وهو محور أساس اعتادت عليه القاهرة فى مختلف مشاركاتها بأى مؤتمر أو دورة أو ملتقى حوار، وبالطبع كان للقضية الفلسطينية والحديث عن كيفية احتواء الموقف فى الأراضى المحتلة والضغط على الاحتلال لتجنب التصعيد نصيب من الحديث فى الورشة التى لم تنتهِ بعد.
وسلطت مصر الضوء على القضية الليبية، وأكدت دورها فى الساحة الليبية من خلال مساعيها المستمرة لجمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشرى مجددًا فى القاهرة لتسوية الخلافات بين المجلسين بشأن بنود القاعدة الدستورية التى من المقرر أن تجرى بموجبها الاستحقاقات الانتخابية قبل مارس المقبل.
كما حرصت مصر خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن الأسبوع الماضى، والتى التقى فيها بالرئيس السيسى ووزير الخارجية سامح شكرى ورئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل أن يشغل الملف الليبى حيزًا من اهتمامات اللقاء.
الدور الفلسطيني
عن الدور المصرى فى المنطقة العربية والإقليمية، وتحديدًا فيما يخص الدور المصرى فى فلسطين علق الوزير الفلسطينى السابق حسن عصفور قائلًا: «فى الفترة الأخيرة صارت هناك حالة انحدار غير عادية نتيجة قيام القوات والتحالفات الفاشية الحاكمة فى إسرائيل بارتكاب مجازر حرب جديدة ضد الشعب الفلسطينى، وخاصة مع وصول وزير الأمن المتشدد إيتمار بن غفير للسلطة واستلامه وضع الأمور الخاصة بالضفة الغربية.
وأوضح عصفور أن عملية التسليح الجماعى للمستوطنين كما حدث فى بعض المناطق التى ارتكبت فيها المجازر بجانب اقتحام جيش الاحتلال لها لتسهيل مهمة المستوطنين، دفع الشعب الفلسطينى للرد.
تدخلت مصر كعادتها لإعادة الأمور للخلف حتى لا يحدث انفجار كالذى حدث خلال عامى 2000 و2004، وسعت فى المقابل لإلزام الاحتلال بالتوقف عن الاقتحامات وهدم المنازل وطرد الفلسطينيين من منازلهم وممارسة عمليات التطهير العرقى فى القدس وغيرها.
وفى سياق آخر، سلط الوزير الفلسطينى الضوء على زيارة بلينكن للضفة وإسرائيل ووصفها بأنها زيارة «صفرية»، لم تحمل أى شيء على الإطلاق حتى الآن، موضحا أن أمريكا تراجعت عن الاعتراف بأن فلسطين أرض محتلة، مع أن الحقيقة التى يعلمها الجميع أن هناك احتلالا.
وتابع: بعد اتفاق «أوسلو» ألغت إسرائيل كل التزاماتها بالاتفاقية، وأصبحت تعتبر السلطة الفلسطينية عدوا، ولم تعد تعترف بمنظمة التحرير، إضافة إلى أنها تتعامل مع الضفة الغربية على أنها أرض إسرائيلية، حتى أن حل الدولتين لم توافق عليه منذ العام 2002، لذا فالنتائج الخاصة بزيارة بلينكن «صفرية».
وبدوره قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والقيادى بحركة فتح: «تعتبر مصر فلسطين قضية أمن قومى، لذلك تولى اهتماما كبيرا بها، وقد تحدث الرئيس السيسى أكثر من مرة أن من يريد مكافحة الإرهاب يجد حلا عادلا للقضية الفلسطينية».
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن وصول اليمين الإسرائيلى للحكم جعل القاهرة تتحرك سريعا لمنع انفجار الأوضاع وكبح جماح عصابة اليمين الإسرائيلى التى أصبحت تحكم فى إسرائيل ومواقفها الخارجية والداخلية، لافتا إلى أن تحركات مصر تتنوع عربيا ودوليا، وزار القاهرة رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكى وليم بيرنز، كما استضافت العاصمة قمة فلسطينية أردنية مصرية، وتوجت بزيارة وزير الخارجية أنتونى بلينكن للقاهرة.
وتابع: جاءت زيارة بلينكن بعد أن قام الاحتلال الإسرائيلى باقتحام مخيم جنين وارتقاء عشرة شهداء نتيجة العدوان الإسرائيلى على المخيم، وجاء الرد الفلسطينى سريعا عبر الشهيد خيرى علقم الذى انتقم لشهداء جنين ولجده الذى قتله الاحتلال قبل خمسة وعشرون عاما.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن القاهرة تستغل قدرتها فى التأثير على كل الأطراف، لهذا وصل وفد أمنى وسياسى مصرى لتل أبيب ورام الله وبدأ بخطوات التهدئة بناء على التحرك الأمريكى، وحسب المعلومات أوقف الاحتلال هدم الخان الأحمر واقتحام نابلس وخفف من التصعيد ضد قطاع غزة الذى انطلقت منه عدة قذائف محلية الصنع لكسب ماء الوجه دون إحداث تأثير ميدانى وإسقاط قتلى وجرحى فى الجانب الإسرائيلى والذى بدوره قصف مناطق عديدة ومواقع خالية تابعة للمقاومة دون إيقاع شهداء أو إصابات.
واستكمل: لمنع تعرض قطاع غزة لعدوان إسرائيلى جديد وجهت القاهرة دعوات منفردة لحركتى حماس والجهاد الإسلامى لعقد لقاءات فى 3 فبراير يليها لقاء مع حركة حماس فى التاسع من فبراير، لتهدئة الأوضاع وعدم إعطاء الاحتلال ذريعة لمهاجمة قطاع غزة والانجرار لأى صدام عالمى أو إقليمى يكون الشعب الفلسطينى ضحيته.
وعن مساعى مصر لعقد لقاء يجمع بين المشرى وعقيلة صالح قال محمد فتحى الشريف، رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات أن الدولة المصرية تعطى الملف الليبى أهمية خاصة، وهو ما نراه فى كل الأطروحات والمعالجات التى قدمت للأزمة فى ليبيا.
أضاف أن أغلب الإنجازات التى حدثت فى الملف يرجع أصلها إلى ما قدمته مصر، موضحا أن اللجنة العسكرية الحالية (لجنة العشرة) نتاج طرح الدولة المصرية قبل مؤتمر باريس لاجتماعات القاهرة لتوحيد الجيش الليبى، وهذا الطرح نتج عنه لجنة (5+5) التى أقرها مؤتمر برلين وأصبحت لجنة العشرة الحالية.
وأضاف أن وقف إطلاق النار فى ليبيا الذى أقر فى أكتوبر 2020 من أبرز النقاط الإيجابية فى الأزمة الليبية وكانت مصر أبرز الواقفين وراء هذا النجاح، كما قطعت مصر شوطا كبيرا فى التوافق حول ملف النفط واستطاعت أن تقدم حلول من خلال اجتماعات اللجنة الاقتصادية فى القاهرة.
وعن الدور المصرى فى حل الأزمة السودانية، أوضح الشريف، أن القاهرة جمعت عددا من الوفود السودانية بهدف التوصل إلى حل سياسى لبعض القضايا العالقة، إذ تحاول القاهرة من خلال الاجتماعات الحالية جمع الفرقاء فى السودان بغية الوصول للتوافق حتى يتم إيجاد حلول سياسية مرضية وخاصة أن القضايا الخمسة العالقة تحتاج إلى معالجات حقيقة بشكل يتوافق عليه الجميع بعيد عن الرفض فى المشاركة.
نقلًا عن العدد الورقي…،