80 عاما على علاقات القاهرة وموسكو، مصر وروسيا، تحالف الضرورة
قبل 80 عاما توطدت العلاقات المصرية الرسمية مع روسيا، الوريث الشرعى للاتحاد السوفييتى سابقا، ربط بين البلدين علاقات وثيقة سياسة واقتصادية تشابهت فيها الأحلام والمواقف والرغبة فى التخلص من الاستعمار والتبعية والهيمنة الغربية على مسارات العالم، ساند السوفييت المصريين فى ملحمة إنشاء السد العالى وتولوا تمويل المشروع بعد مساومات وابتزازات غربية وأمريكية لمصر، وساندوا ناصر ومشروعه، وفى العدوان الثلاثى الذى تعرضت له القاهرة عام 1956 كان السوفييت خير سند، والآن روسيا تعيد الكرة مع مصر تساندها وتساهم بقوة فى مشروعاتها القومية الطموحة.
سامح شكرى: علاقتنا تاريخية وبيننا احترام متبادل
لقاء جمع وزير الخارجة المصرى سامح شكرى، مع نظيره الروسى، سيرجى لافروف، أشاد فيه الجانبان بقوة العلاقات التى تربط البلدين، وقال شكرى: «نعتز بالاحتفاء بـ80عاما على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، علاقاتنا تاريخية تستند إلى أرضية مستقرة وصلبة من الاحترام المتبادل».
تاريخيا، أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفييتى ومصر فى 26 أغسطس 1943، وشهدت العلاقات بين البلدين تغيرات جدية، كما تغيرت أولوياتها على الصعيدين الخارجى والداخلى، وأصبحت روسيا ومصر اليوم شريكتين على الصعيدين الثنائى والدولى.
الخطوة الأولى للتعاون المصرى الروسى على المستوى الاقتصادى بدأت فى أغسطس عام 1948 حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصرى بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفييتى.
وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها فى فترة الخمسينيات –الستينيات من القرن العشرين، حين ساعد آلاف الخبراء السوفييت مصر فى إنشاء المؤسسات الإنتاجية، وبينها السد العالى فى أسوان ومصنع الحديد والصلب فى حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى ومد الخطوط الكهربائية أسوان –الإسكندرية، لتنجز مصر بمساعدة السوفييت 97 مشروعا صناعيا.
على المستوى السياسى، تضامن السوفييت بقوة مع قرار الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر فى تأميم قناة السويس، وكانوا حائط صد مع مصر ضد العدوان الثلاثى الذى شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وهدد الاتحاد بضرب بريطانيا وفرنسا بالقنابل النووية فى حال عدم إيقاف العدوان على مصر
مواقف مصر التاريخية مع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتى
على الرغم من التوتر الذى شهدته العلاقات فى عهد الرئيس المصرى الراحل أنور السادات وانقطاعها تماما حتى سبتمبر 1981، لكنها بدأت فى التحسن التدريجى خلال عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، إذ كانت مصر فى طليعة الدول التى أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفييتى عام 1991، وتطورت العلاقات السياسية على مستوى رئيسى الدولتين والمستويين الحكومى والبرلمانى.
كانت الزيارة الرسمية الأولى للرئيس الأسبق مبارك إلى روسيا الاتحادية فى سبتمبر 1997، وقع خلالها البيان المصرى الروسى المشترك وسبع اتفاقيات تعاون، بعدها زار حسنى مبارك روسيا مرتين، عام 2001 و2006 وأعدت خلالهما البرامج طويلة الأمد للتعاون فى كافة المجالات والبيان حول مبادئ علاقات الصداقة والتعاون.
التعاون فى ميدان الطاقة الذرية كان الموضوع الرئيسى للمباحثات التى جرت فى موسكو عام 2008 بين الرئيسين الأسبقين دميترى ميدفيديف وحسنى مبارك، وأسفرت عن توقيع اتفاقية حول التعاون فى ميدان الاستخدام السلمى للطاقة الذرية
قوة العلاقات
يقول المحلل السياسى الروسى ديمترى بريجع، أن احتفال روسيا ومصر بمرور 80 عاما على العلاقات بين البلدين، دليل على قوة العلاقات الروسية المصرية والتقارب الذى تشهده موسكو والقاهرة فى ظل الصراع الروسى الأوكرانى، مؤكدا أن الدول العربية تتقارب مع روسيا بسبب ضعف مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها فى المنطقة.
وأشار ديمترى بريجع فى حديثه إلى أن اللقاء الذى جمع بين وزيرى الخارجية المصرى والروسى، سامح شكرى وسيرجى لافروف، يدل على أن هناك منعطفا جديدا فى السياسة الخارجية لروسيا فى ظل التصعيد الذى يشهده الوضع فى أوكرانيا.
ونوه المحلل السياسى إلى أن هناك تقاربا روسيا مصريا بسبب المصالح التى تربط البلدين منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، مؤكدا أن مصر تحاول الموازنة بين العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وحول المحطات التى مرت بها العلاقات الروسية المصرية فى عهد الرئيس السيسى، قال ديمترى بريجع: «إنه من خلال الحديث عن الاستثمارات فى ظل حكم عبد الفتاح السيسى بين روسيا ومصر، تجدر الإشارة إلى أنه اعتبارًا من عام 2022، هناك 470 شركة روسية تعمل فى السوق المصرى بلغت استثماراتها نحو 8 مليارات دولار، تأتى معظم هذه الاستثمارات من شركة روسنفت».
وتابع: فى نهاية عام 2021، زادت التجارة بنسبة 4٪ وبلغت 4.8 مليار دولار، ولا تزال مصر أكبر شريك تجارى لروسيا فى أفريقيا، حيث تمثل أكثر من 30٪ من التجارة الروسية، وبلغت الصادرات الروسية إلى مصر فى عام 2021، 4.2 مليار دولار بزيادة عن إحصائيات 2020 التى كانت فيها 4 مليارات دولار، و7.1مليار دولار فى عام 2018، موضحا أن إمدادات الحبوب تهيمن على هيكل الصادرات الروسية 0٪، والأخشاب ومنتجاتها 9٪، والسلع الأخرى 8٪. كما تم التغلب على عتبة 5٪ بالدهون والزيوت، وكذلك المعادن الحديدية.
وأكد المحلل السياسى الروسى أن الواردات من مصر إلى روسيا فى عام 2021 وصلت إلى مستوى قياسى فى تاريخ التجارة الثنائية (0.59) مليار دولار، ومعظم الواردات من الفواكه (49٪) والخضراوات (28٪)، تلعب مصر دورًا مهمًّا فى توريد البطاطس لروسيا (58٪ من الواردات عام 2020)،وتحتل مصر تقليديا المرتبة الثانية بين الدول الأفريقية من حيث الواردات الروسية (بعد جنوب أفريقيا)، وبشكل عام فى هيكل الصادرات الروسية غير السلعية غير الطاقية إلى مصر، تزيد حصة الغذاء عن 50٪ أى أكثر من 2.5 مرة عن المتوسط.
وأشار ديمترى بريجع إلى التوقيع على اتفاقية إنشاء منطقة صناعية روسية على أراضى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لمدة 50 عامًا فى اللجنة الحكومية الدولية الحادية عشرة روسيا-مصر فى مايو 2018
دولة محورية
ومن جانبها تحدثت الدكتورة نورهان الشيخ خبيرة العلاقات الدولية عن العلاقات القاهرة وموسكو، لافتة إلى أن مصر دولة محورية فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وبينهما علاقات تاريخية كبيرة بين البلدين.
مشيرة إلى أن روسيا دخلت إلى أفريقيا والشرق الأوسط منذ الخمسينيات عن طريق البوابة المصرية، مشددة على أن مصر فاعل أساسى فى المنطقة، وهناك تعاون بين البلدين فى كافة القضايا والمجالات منذ قديم الأزل.
وأوضحت خبيرة العلاقات الدولية أن الشراكة بين البلدين منذ عام 2014 أخذت مسارا جديدا، وأصبحت نموذج مهم جدا فى الشراكة والتعاون، لافتة إلى أن التعامل بالعملات الوطنية بين القاهرة وموسكو ستكون فوائده أكبر للقاهرة التى تستورد من روسيا سلع بقيمة 5 مليارات دولار، بينما تصدر لها بقيمة مليار دولار واحد، مما يعنى أن التعامل بالعملات الوطنية سيقلل من الطلب على الدولار فى مصر وروسيا.
واستطردت نورهان: طبعا مصر فى مقدمة الدول الصديقة لروسيا، والروسيون يعشقون مصر، خاصة الغردقة وشرم الشيخ، بالإضافة إلى شغفهم بالحضارة الفرعونية وآثارها، ونصحت نورهان المعنيين بالأمر بالاهتمام بهذا الملف خلال الفترة الحالية وتقديم برامج متنوعة للسياح الروس تكون مستمرة طوال العام وليست لعدة مواسم فقط
نقلًا عن العدد الورقي…،