التقشف.. الدواء المر، ثلث نفقات الدولة موجهة لسداد أقساط القروض.. وعلاء رزق: الفوائد المرتفعة خطر كبير
تعيش مصر واحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على العالم، إضافة إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه حيث بات الدولار الواحد يلامس 30 جنيها، ما أدى إلى ارتفاع متزايد فى الأسعار، وهو الأمر الذى بات يعانى منه المواطن بشكل كبير.
وفى الوقت الذى أعلنت فيه حكومة الدكتور مصطفى مدبولى عن إجراءات للتقشف وترشيد النفقات الحكومية باعتبار ذلك «الدواء المر» وأحد الحلول لمواجهة الأزمة الحالية، تصاعدت انتقادات من خبراء اقتصاديين، رفضا لسياسات الحكومة وإجراءاتها الاقتصادية الأخيرة ومن بينها استمرار الاستدانة من الخارج، مطالبين الحكومة بخطة واضحة للتقشف وعدم الاستمرار فى سياسة جلب القروض والسيطرة على الأسعار.
«فيتو» تفتح فى السطور التالية ملف التقشف الحكومى ومدى تطبيقه على أرض الواقع والحلول المقترحة لمواجهة الأزمة الراهنة، وكيف نصل لنقطة ضوء فى نهاية النفق الحالى.
الديون
في البداية يؤكد الدكتور علاء رزق، رئيس مجلس إدارة المنتدى الاستراتيجى للتنمية والسلام الاجتماعى، أن الدين فى مصر يجب أن يتم ربطه بديون الموازنة والهيئات الاقتصادية وكذلك موارد بنك الاستثمار التى لم يتم توجيهها بعد لأى من قطاعات الدولة.
وأضاف لـ«فيتو» أن ما تقترضه الحكومة سواء من الجهاز المصرفى أو عبر إصدار أوراق مالية أو من خلال إصدار أذون خزانه، أوصل الدين فى مصر لأكثر من 158 مليار دولار، وهو بالطبع أمر معقد ويتسبب فى كثير من مؤشرات الضغط على واضعى السياسات الاقتصادية فى مصر.
واستكمل: على أرض الواقع نحن نؤكد أن هذا الدين لا يتعدى ثلث الناتج المحلى الإجمالى، وإذا ما قورن الوضع فى مصر بالوضع على المستوى العالمى نجد أن الدين فى أمريكا تعدى الناتج المحلى، أما فى الصين فوصل لـ87% وكذلك فى فرنسا وألمانيا وإنجلترا، وبالتالى تستطيع أن نقول إننا إلى حد كبير ما زلنا فى الحدود التى يمكن معها وضع استراتيجية لحل الأزمة المستقبلية فى مصر.
وبالنسبة لضرورة وضع سقف للدين العام فى مصر، قال رزق أن هناك مطالبات كثيرة لوضع سقف للدين العام فى مصر، حتى يكون هناك معلومات متاحة أمام متخذ القرار، وحتى لا يعرض الأمن الاقتصادى والاجتماعى للخطر الحد الذى لا يجب أن يتخطاه معدلات الديون حتى يكون الاقتصاد فى وضع آمن وألا يزيد على 50% من الناتج المحلى للدولة.
معدلات الثبات
واستكمل: مصر فى طريقها نحو تحقيق معدلات الثبات فى مواجهة الأزمات العالمية التى عصفت بكثير من الاقتصاديات العالمية وعلى رأسها الاقتصاد السريلانكى واللبنانى، لافتا إلى أن الإجراءات المقترحة لوضع خطة للتقشف فى ظل وجود فجوة تمويلية تقدر بخمسة مليارات دولار يتطلب بصراحة أن يكون هناك استراتيجية متكاملة لإدارة الاقتصاد تتضمن عدم تعريضه لأى تحديات أو أزمات مالية مقبلة.
وأوضح ضرورة ربط الدين العام بإطار اقتصادى كلى تسعى به الحكومة المصرية إلى الاستمرار فى تحمل مستوى معين للدين ومعدل نمو المتوقع فى المستقبل، لافتا إلى أن العلاج يكمن فى وضع حزمه من السياسات الاقتصادية فى الأجل المتوسط والطويل والقصير وإدارة النفقات النقدية إدارة جيدة تضمن الحد من أعباء التأخير مع إعادة هيكلة الدين وتخفيض أعباء خدمة الدين عبر الاستفادة من المصادر المحلية والخارجية الأقل تكلفة والعمل على ربط التمويل الخارجى بحزمة متكاملة من القروض والمنح وفقا لشروط كل قرض وطبيعة كل مشروع.
أما فيما تعلق بخطورة الاستمرار فى الاقتراض بعوائد أكبر من 22% على أذون الخزانة، قال رزق إن هذا الأمر سيعرضنا للتقلبات فى الأسواق المحلية، والتى ستزداد نتيجة التقلبات الحادة فى الأسواق الدولية، كما أن ذلك سيعرضنا إلى فرض سياسات الدول الخارجية على مجمل الأوضاع الاقتصادية.
وأضاف: ارتفاع تكلفة الاقتراض بعد زيادة أسعار الفائدة عالميا جاء نتيجة رفعها عبر البنوك المركزية العالمية بعد زيادة حجم الدين ما يؤثر على تصنيف مصر الائتمانى لدى وكالات الائتمان العالمية.
أما فيما يتعرض بالخطوات التى من الممكن أن نتبعها لتقليل الانفلات فى الاقتراض الحكومى، أشار الخبير إلى ضرروة زيادة الحصيلة الضريبية والوصول بحجم الإيرادات الضريبية إلى أكثر من ١٦٠٠ مليار جنيه تمثل 25% من حجم الناتج المحلى الإجمالى لمصر.
الحصيلة الدولارية
كما طالب بزيادة الحصيلة الدولارية عبر الوصول إلى 100 مليار دولار صادرات صناعية غير بترولية و40 مليار دولار صادرات بترولية وغازية و30 مليار دولار عائدات سياحة و50 مليار دولار تحويلات العاملين المصريين فى الخارج مع استغلال البنية التحتية عبر إنفاق أكثر من 400 مليار دولار خلال السنوات الماضية فى تنفيذ المشروعات القومية العملاقة وعلى رأسها مشروع تنمية محور قناة السويس عبر استغلال 40 صناعة كبيرة على ضفتى القناة.
وأكد أن الحكومة المصرية حاولت مرارًا خلال العقود السابقة امتلاك برنامج للتقشف الحكومى خاصة فى حالة فترات الركود والأزمات الاقتصادية، وهذا يتطلب أن تقوم كل وزارة بوضع سياسة تضمن الدولة من خلالها تحقيق برنامج التقشف الحكومى وفى نفس الوقت السعى نحو تقليل النفقات الحكومية وتنظيم الاستيراد للسماح للسياسات المالية والنقدية بالعمل على توفير العملة الصعبة فى هذه الظروف.
وقال الخبير الاقتصادى إن هناك دعما كاملا للبورصة المصرية وطرح أسهم الشركات خاصة الشركات الكبيرة للتداول والعمل على تحجيم المصروفات، خاصة أن ثلث نفقات الدولة فى الموازنة العامة موجهة لسداد أقساط القروض والفوائد، الأمر الذى يتطلب ضرورة استغلال القروض التى تحصل عليها مصر والمنح فى تمويل مشروعات تكون ذات عائد وفقا لجدول زمنى محدد.
ومن ناحية أخرى قال الدكتور عبد النبى عبد المطلب الخبير الاقتصادى، إن هناك سقفا للدين العام وقائما منذ فترة طويلة، وكان من المفترض ألا يتعدى الدين العام الإجمالى «الداخلى والخارجى» نسبة 68% من الناتج المحلى الإجمالى.
وأضاف: لكن للأسف مع ظروف واحتياجات الحكومة تتخطى هذه النسبة، ولجأت الحكومة إلى إصدار مجموعة من الأسهم والسندات للاستدانة والحصول على قروض.
وأشار إلى أن الدولة مثل كل الحكومات تضع سقفا للدين، وترغب بألا تتجاوزه، ولكن الواقع والظروف تمنعها من الالتزام بذلك، إذ نسمع جميعا عن تحديد سقف الدين للحكومة الأمريكية ولكن منذ عام 2011 فهى دائمًا تكسر السقف ليرتفع من 63% فى عام 2010 ليصل إلى 130% حاليا.
وعن الحد الذى لا يجب أن تتخطاه معدلات الديون حتى يصبح الاقتصاد المصرى فى وضع آمن، خاصة مع وجود فجوة تمويلية بقيمة 5 مليارات دولار حتى آخر يونيو المقبل، لافتا إلى أهمية سن سياسات توسعية تساعد على زيادة معدلات الاستثمار الأجنبى والمباشر المباشر وغيره.
نقلًا عن العدد الورقي…،