التقشف.. الدواء المر، وتعليمات مشددة من مدبولي “امسكوا إيديكم شوية”
تعيش مصر واحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على العالم، إضافة إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه حيث بات الدولار الواحد يلامس 30 جنيها، ما أدى إلى ارتفاع متزايد فى الأسعار، وهو الأمر الذى بات يعانى منه المواطن بشكل كبير.
وفى الوقت الذى أعلنت فيه حكومة الدكتور مصطفى مدبولى عن إجراءات للتقشف وترشيد النفقات الحكومية باعتبار ذلك «الدواء المر» وأحد الحلول لمواجهة الأزمة الحالية، تصاعدت انتقادات من خبراء اقتصاديين، رفضا لسياسات الحكومة وإجراءاتها الاقتصادية الأخيرة ومن بينها استمرار الاستدانة من الخارج، مطالبين الحكومة بخطة واضحة للتقشف وعدم الاستمرار فى سياسة جلب القروض والسيطرة على الأسعار.
«فيتو» تفتح فى السطور التالية ملف التقشف الحكومى ومدى تطبيقه على أرض الواقع والحلول المقترحة لمواجهة الأزمة الراهنة، وكيف نصل لنقطة ضوء فى نهاية النفق الحالى.
تحديات صعبة
تواجه حكومة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء تحديات صعبة تتمثل فى أزمة اقتصادية طاحنة لم تشهدها البلاد منذ عقود، آخرها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، تلك الحرب الدائرة هناك بين بوتين وزلينسكى، لكنها تسببت فى وصول سعر الدولار لمستويات غير مسبوقة 30 جنيها تقريبا مقابل الجنيه المصرى.
وشهد عام 2022 أزمة ارتفاع أسعار العديد من السلع مثل الوقود والقمح، وجميع المستلزمات الزراعية التى نستوردها من الخارج، ومع ذلك فأرقام فاتورة الواردات لم تتغير، وهذا معناه أن الحكومة بدأت بالفعل من خلال خطة الترشيد وخطة مراجعة وحوكمة الواردات أن نصل إلى تقليل الكميات المستوردة، ولكن نتيجة زيادة الأسعار فالرقم الإجمالى للواردات ظل ثابتا بنفس أرقام العام 2021، ولا يزال أمام الحكومة شوط كبير تتحرك نحوه؛ حتى يمكنها تجاوز هذه الفجوة خلال سنوات قليلة قادمة.
وشدد رئيس الوزراء على أن الدولة المصرية مستمرة بأقصى قدر ممكن فى هذه الجهود -فى ضوء إمكاناتها وموازنتها الحالية- موضحا أن الاحتياطى بالكامل أصبح مخصصًا لبند الحماية الاجتماعية، كما أن الموازنة الجديدة التى يتم إعدادها حاليا ومن المفترض الانتهاء منها بنهاية شهر فبراير القادم، سيكون الجزء الغالب منها لبند الحماية الاجتماعية، لاستمرار البرامج فى هذا الخصوص، فنظرًا للظرف العالمى شديد الاستثنائية، فإن الأولوية للحماية الاجتماعية ومساندة المواطن خلال الفترة القادمة.
امسكوا إيديكم
ومؤخرا بعث مدبولى برسالة طمأنة إلى المواطن؛ حيث أكد أن الدولة مهتمة بتوافر السلع، والعمل بقدر إمكاناتها لتكون قادرة على الدعم الجزئى وتقليل الفاتورة على المواطن، لافتا إلى أن الزيادات الحالية يكتوى بنارها العالم كله، سواء الدول المتقدمة أو النامية، فالجميع يعانى غلاء الأسعار، إلا أن الدولة المصرية بكل إمكاناتها تحاول بقدر الإمكان تقليل تداعيات هذه الأزمة على المواطن.
وأشار رئيس الوزراء فى هذا الصدد إلى أن ما اتخذته الحكومة من إجراءات فيما يخص ترشيد الإنفاق، يستهدف خفض أبواب فى الموازنة لتحويلها للحماية الاجتماعية وزيادة مخصصاتها، ومضيفا أن الرقم الذى وضعته الدولة لبند دعم القمح كان فى حدود 38 مليار جنيه، وهذا الرقم سينتهى هذا العام وقد وصل إلى 95 مليار جنيه، كدعم لبند القمح، مؤكدًا أن هذه الأرقام تكشف جهود الدولة لتوفير هذه المخصصات، دون الاقتراب من سعر رغيف الخبز، حيث تحاول حمل هذا العبء على عاتقها، إدراكا للظروف الاستثنائية التى يعيشها العالم.
زيادة الاستثمارات وإعلان السياسات الضريبية
مصادر حكومية بمجلس الوزراء أكدت أن الحكومة تعمل على زيادة الاستثمارات وجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية خلال الفترة المقبلة، مشيرة إلى أن اللقاءات التى عقدها الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء مؤخرا بحضور عدد من المستثمرين الأجانب تضمنت نقاشات حول ضرورة إعلان الحكومة للسياسات الضريبية للسنوات الخمس والعشر المقبلة.
وأضافت المصادر فى هذا الإطار انتهاء الدكتور محمد معيط، وزير المالية، بالفعل من إعداد السياسات الضريبية للسنوات الخمس والعشر المقبلة، وسيتم الإعلان عنها فى مؤتمر صحفى آخر خلال الفترة القليلة القادمة؛ كى يتسنى توضيح مسار السياسة الضريبية للدولة المصرية، وهو الاتجاه نحو الاستقرار ومنح مزيد من التيسيرات، لتشجيع الاستثمارات فى الفترة القادمة.
قرارات مجلس الوزراء بخصوص ترشيد الإنفاق
وتضمن قرار مجلس الوزراء الخاص بترشيد الإنفاق تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يتم البدء فى تنفيذها ولها مكون دولارى واضح، مع تأجيل الصرف على أى احتياجات لا تحمل طابع الضرورة القصوى.
وفيما يتعلق بالتعامل بالنقد الأجنبى يلزم الحصول على موافقة وزارة المالية «قطاع التمويل» بالترخيص بالصرف بالمكون الأجنبى على أى من أوجه الصرف، وذلك بعد التنسيق مع البنك المركزى، والجهات المعنية وذات الاختصاص فى هذا الشأن.
كما نص قرار رئيس الوزراء على ترشيد كافة أعمال السفر خارج البلاد إلا للضرورة القصوى وبعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، أو فى حالة تحمل الجهة الداعية لكافة تكاليف السفر وبعد موافقة السلطة المختصة.
كما نص قرار رئيس الوزراء على أنه يجب ألا تؤثر قواعد الترشيد المنصوص عليها فى هذا القرار على أداء الجهات المخاطبة بأحكامه للخدمات التى تؤديها وللدور المنوط بها، مع أنه لا يجوز الترخيص بالصرف على الأغراض المحظور الصرف عليها، وذلك على سبيل الاستثناء إلا فى الأحوال التى يقدرها رئيس مجلس الوزراء وبعد موافقته عليها بناء على عرض السلطة المختصة بالجهة المعنية، وتتم موافاة وزارة المالية بذلك حتى يتسنى صورة الكثير لها أعمال شئونها.
كما حظر القرار الصرف على المنح التدريبية ومكافآت التدريب والمنح الدراسية فى الداخل والخارج، وحظر الصرف على اعتمادات الخدمات الاجتماعية والرياضية والترفيهية للعاملين، وذلك بخلاف الإعانات الاجتماعية الشهرية أو الموسمية.
وكذلك حظر زيادة عدد الاجتماعات أو حضور الجلسات واللجان والصرف على الأغذية والملابس عن المبالغ المنصرفة فى العام المالى الماضى، وخفض قيمة بدل حضور الجلسة أو الاجتماع الواحد بنسبة 50%.
وحظرت الحكومة فى قرارها الصرف على تكاليف البرامج التدريبية ونفقات النشر والإعلان والدعاية والحفلات والاستقبالات والشئون والعلاقات العامة، والاعتمادات المخصصة للعلاقات الثقافية فى الخارج ومستلزمات الألعاب الرياضية.
وحظر قرار رئيس الوزراء الصرف على الخدمات الاجتماعية والرياضية لغير العاملين، والإعانات لمراكز الشباب، بخلاف الإعانات الاجتماعية والمعاشات الضمانية، كما حظر الصرف على الجوائز والأوسمة.
وطالب رئيس الحكومة مصطفى مدبولى فى قراره وزير المالية محمد معيط بعرض تقرير دورى كل شهرين على رئاسة مجلس الوزراء بمدى التزام الجهات المخاطبة بتنفيذ أحكام هذا القرار وبنتائج تنفيذه.
ويأتى قرار مدبولى فى إطار حزمة من الإجراءات أعلنت عنها الحكومة تباعا لمواجهة التداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية على مصر، التى تعانى من أزمات نقص الدولار وتراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع كبير فى معدل التضخم، الأمر الذى دفع البنك المركزى المصرى إلى تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة.
الشغل الشاغل للحكومة فى الوقت الحالى هو استقرار الأسواق وانخفاض الأسعار فى الفترة القادمة، وهذا هو المسار الذى تتحرك فيه الدولة، بالعمل على أن يكون هناك وفرة فى المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وبالتالى بدأت المصانع تعمل من جديد، والحكومة تتابع ذلك يوما بيوم لتحقيق هذا الهدف.
وبعث رئيس الوزراء رسالة طمأنة إلى مختلف أبناء الشعب المصرى، قائلا: «الدولة المصرية بمختلف أجهزتها تتحرك بقوة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، للتغلب على تداعيات الأزمات العالمية الحالية، وعبورها.. الوضع الحالى أفضل بكثير، والأهم هو أن القطاع الإنتاجى بدأ يعود بكامل طاقته، وهو الهدف الأهم، سعيًا لإحداث توازن فى أسعار المنتجات خلال الفترة القادمة».
نقلًا عن العدد الورقي…،