بيلاروسيا.. اليد الخفية لبوتين في حرب أوكرانيا.. وأمريكا تراقب والاتحاد الأوروبي يتأهب بالعقوبات
تطورات جديدة تشهدها الحرب الروسية الأوكرانية، ومخاوف تسيطر على الغرب من تحول المعركة إلى حرب عالمية ثالثة بدخول أطراف جديدة حلبة الصراع، بعدما طرح اسم بيلاروسيا كحليف عسكرى محتمل لروسيا.
الهواجس من اتساع قاعدة الحلفاء دفعت منسق الاتصالات فى مجلس الأمن القومى الأمريكى جون كيربي، للرد على ما أثير بشأن مشاركة بيلاروسيا المحتملة فى الهجوم العسكرى على أوكرانيا، ورغم نفيه عدم رصد واشنطن لأى تحركات، أوضح أن بلاده تراقب تدريبات عسكرية مشتركة بين القوات الروسية والبيلاروسية. الاتحاد الأوروبى هو الآخر دخل على خط المواجهة المبكرة، وناقش مطلع الأسبوع الجاري، فرض عقوبات على بيلاروسيا، بما فى ذلك إمكانية فرض حظر كامل على توريد الأسلحة والمعدات ذات الاستخدام المزدوج بهدف تخويفها من مصير الروس.
بيلاروسيا..اليد الخفية
الزج بدولة بيلاروسيا اتضح مع تصاعد القصف المتبادل فى أوكرانيا، حيث انتشر مؤخرًا مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعى يظهر دعوات حكومية لجميع المواطنين الذكور بسرعة الذهاب إلى مكاتب التجنيد، وبعد التدقيق فى الفيديو من الخبراء، تبين أنه من إحدى محطات الحافلات فى مدينة «باريساو» بالقرب من العاصمة مينسك.
النداء البيلاروسى اختص بالدعوة الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 18 والـ 60 عامًا، وطالبهم بسرعة الذهاب لمراكز التجنيد أو اللجنة التنفيذية بالمدينة البيلاروسية للإدلاء ببيانتهم وتوضيحها، الأمر الذى أثار مخاوف أوكرانيا والداعمين لها من تورط العاصمة مينيسك فى الحرب الروسية الأوكرانية بعد تنفيذ تعبئة عسكرية فى الدولة التى يترأسها ألكسندر لوكاشينكو حليف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين المقرب، وذلك حسبما ذكرت مجلة «نيوزويك» الأمريكية.
ويرى خبراء أن التنسيق بين مينسك وموسكو فى الأزمة الحالية يعود قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية، إذ حشدت روسيا قواتها على الحدود الأوكرانية البيلاروسية قبل انطلاق العملية العسكرية التى تقترب من عامها الأول، ما جعل موقف بيلاروسيا من الحرب محط أنظار الجميع.
واستمر دعم مينسك لروسيا رغم العقوبات التى طالت العاصمة البيلاروسية بعد كشف الغرب علاقات قوية ومصالح استثنائية مع بوتين دفعتهما لتحمل المخاطرة، وهو الأمر الذى أكد عليه الرئيس البيلاروسى لوكاشينكو، موضحا أن مهمة بلاده منع طعن القوات الروسية المتقدمة من الخلف، ولم يقتصر الأمر على مساندة القوات فقط، بل امتد إلى مهاجمة أوكرانيا من خلال اعتراض وتدمير صاروخ «توتشكا-أو» أطلقته كييف نحو بلاده.
وحسب الخبراء، تعتبر بيلاروسيا أى خطوة تتخذها روسيا تصب فى مصلحتها، ومن الواجب عليها حماية حدودها من الدول التابعة لحلف الناتو أو المقربة له، لذا أرسلت منذ بداية الحرب 5 كتائب تكتيكية إلى الحدود محل القوات المتمركزة فى إطار عملية التناوب.
ولا يتخوف الرئيس البلاروسى من عقوبات العرب فى ظل ارتباطه بمصالح عليا مع روسيا من الناحية الجغرافية والدين والاقتصاد والسياسية والتاريخ، إذ كان بيلاروسيا حليف تاريخى لموسكو لاشتراكها بحدودها الشرقية معها والجنوبية مع أوكرانيا الحليف القديم للاتحاد الروسى.
كما أن بيلاروسيا الأقرب للعاصمة الأوكرانية مقارنة بروسيا، وهو ما ساعد القوات الروسية فى شن العملية العسكرية على أوكرانيا من ناحية نهر دنيبرو على الجانب الغربى للحدود البيلاروسية-الأوكرانية.
كان الرئيس البيلاروسى اجتمع مع نظيره الروسى الشهر الماضى واتفقا على تعزيز الدفاعات المشتركة ومواجهة العقوبات الغربية بما يضمن أمن الجانبين والتدريبات العسكرية المشتركة وتبادل الأسلحة، لهذا فسر الغرب فيديو التعبئة أنه رسالة توضح بداية استعداد بيلاروسيا للمشاركة فى الحرب الأوكرانية الروسية.
تعبئة بيلاروسية
على جانب آخر، رصدت «نيويورك تايمز» القضية من منظور خبراء عسكريون، أكدوا لها أن التعبئة البيلاروسية قد تكون جزءًا من حيلة ميدانية لتشتيت القوات الأوكرانية عن جبهات القتال المشتعلة شرقى البلاد وجنوبها، بينما فى المقابل ينفى الكرملين المزاعم الغربية عن إشراك بيلاروسيا فى العملية العسكرية الخاصة.
أما المستشار الروسى فى الاتصالات الاستراتيجية والسياسية ألكسندر هوفمان، فأوضح أن زيارة بوتين إلى مينسك قبل عدة أسابيع تعد الزيارة الأولى التى يقوم بها رئيس روسى إلى بيلاروسيا منذ فترة طويلة.
ولفت إلى أن الزيارة بمنزلة تعزيز لعملية التكامل داخل دولة الاتحاد (روسيا وبيلاروسيا)، لا سيما أن موسكو ومينيسك بينهما 28 برنامجا مشتركا للتكامل الاستراتيجى، بالإضافة إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ومجالات الدفاع والأمن.
وتابع هوفمان: فى المؤتمر الصحفى للزعيم الروسى ونظيره البيلاروسى تم الاتفاق على مواصلة روسيا إجراء التدريب الذى اقترحته بيلاروسيا لأطقم الطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية البيلاروسية لاستخدام ذخيرة الطيران مع جزء نووى.
وأضاف: هذا الشكل من التفاعل يستخدم بالفعل من قبل الولايات المتحدة وحلفائها فى الناتو، لهذا وضعت موسكو المجمعات الروسية لأنظمة الصواريخ التكتيكية إسكندر وS-400 فى الخدمة القتالية لبيلاروسيا وتنفيذ التخطيط العسكرى المشترك فى الاتحاد والعمل على تنظيم تجمع للقوات على أراضى بيلاروسيا.
وأشار هوفمان إلى أن قادة البلدين ناقشا فى المحادثات التى جرت بينهما قضايا تشكيل مساحة دفاعية مشتركة وضمان أمن دولة الاتحاد (الروسى-البيلاروسي)، وكذلك التعاون فى إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعى، خاصة أن روسيا ترى دعم الغربيين لكييف وتحديدا بولندا المعروف عنها أطماعها فى الأراضى الأوكرانية.
وتابع المستشار الروسى: إلى جانب ذلك يقوم الناتو بتعزيز وجوده العسكرى فى أوروبا الشرقية وفى منطقة البلطيق على وجه الخصوص، وسبق أن جرى التحذير كثيرا من النشاط العسكرى للمجتمع الأطلسى بالقرب من حدود روسيا وبيلاروسيا وأبلغت روسيا الغرب بانعكاسات تحركاتهم وتهديدها الجيوسياسى الملموس للاتحاد الروسى.
وأوضح هوفمان أن وجود وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو فى مينسك كجزء من الوفد الروسى الذى جذب اهتماما إعلاميا واسعًا من المجتمع الأطلسى أمر مفهوم وواضح تمامًا فإدارته مسئولة عن تقارب النهج فى هذه المجالات.
وأشار المستشار الروسى إلى أن قرار بيلاروسيا بتوسيع عملية التدريب لجنود الاحتياط جاء بسبب التوترات المستمرة فى المنطقة وزيادة نشاط الناتو، والخشية من أى تهديدات محتملة، موضحا أن قوات الأمن البيلاروسى تستعد لأى هجوم ورد أى تهديدات عسكرية مباشرة لأراضيها وسيادتها.
ولفت إلى أن الرئيس الروسى أكد خلال لقائه بنظيره الروسى تضامنه التام حال وقوع أى هجمات عدائية ضد روسيا فى مينيسك، والعكس تماما من بيلاروسيا وهو ما أكد عليه الرئيس البيلاروسى فى رسالته للبابا فرانسيس أن بيلاروسيا والكرسى الرسولى يفعلان الكثير ويجب أن يفعلا المزيد لإيجاد حل مستدام لأزمة اليوم (روسيا وأوكرانيا
.
من ناحيته، قال الدكتور عمرو الديب، الأستاذ المساعد فى جامعة لوباتشيفسكى الروسية ومدير مركز خبراء رياليست، إن هناك تعاونا روسيا بيلاروسيا فى الأزمة الأوكرانية والإشارات كثيرة جدًا، وتؤكد هذا الاتجاه.
وأضاف: ومع ذلك حتى الآن لا توجد تحركات فعلية، ولكن هناك تحضير لها، موضحا أن الفترة الأخيرة لوحظ تحرك قوات روسية فى الاتجاه البيلاروسى ومناورات مشتركة بشكل شبه دائم بين الدولتين، لافتا إلى أن هذه الشواهد تقول إن هناك تحضيرا ما لسيناريو محتمل يمكن أن يحدث من الاتجاه الأوكرانى.
واستكمل: حال حدوث ذلك ستكون روسيا وبيلاروسيا مستعدتين للدخول بالعملية العسكرية فى أوكرانيا أو حتى فى أى أرض أخرى لأن السيناريو المنتظر يمكن أن يكون أسوأ ليس فقط فى الداخل الأوكرانى، ولكن يمكن أن ينتقل إلى دولة أخرى مثل بولندا على سبيل المثال أو دول بحر البلطيق التى تكن العداء الكبير لكل ما هو روسى وبيلاوسي.
نقلًا عن العدد الورقي…،