فاتورة تأديب الحرس الثوري.. أوروبا تضع حراس النظام الإيراني تحت مقصلة قائمة الإرهاب
ضربة قاتلة توجه للنظام الإيراني، وهذه المرة تستهدف بتر أكثر أجنحته قوة وفاعلية وقدرة على حماية النظام وإطالة بقائه لأجل غير مسمى -الحرس الثوري الإيراني - بوضعه على لائحة الإرهاب في البلدان الغربية.
والخطير فى الضربة الجديدة للنظام الإيراني، أنها صوبت من أكثر الأطراف عقلانية في صراعها مع نظام الملالي – أوروبا - التي كانت ترعى لفترة طويلة تبريد الصراع بين أمريكا وإيران، وحاولت دائمًا لعب دور الوسيط العاقل فى تقليم أظافر طهران، وفي الوقت نفسه ترك النظام يتنفس دون المشاركة في الإجهاز عليه، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.
بداية التصعيد
بداية التصعيد ظهر من تصويت أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي بالموافقة على إدراج الحرس الثورى الإيراني – الذراع المسلح للنظام- على قائمة المنظمات الإرهابية التابعة للاتحاد الأوروبي كخطوة لقمع الممارسات التي تقوم بها القوات الأمنية في إيران وتزايد عدد الإعدامات التي صدرت في حق ناشطين على مدار الخمسة أشهر الماضية منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية إثر مقتل مهسا أمينى من قبل قوات الأمن في العاصمة طهران.
وحشد المجلس التشريعي أغلبية كبيرة من أجل مطالبة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة بدعم هذا الإجراء العقابي لمواجهة ما يعتبره البرلمان تراجعًا لحقوق الإنسان، ليس ذلك فحسب، بل طالب البرلمان الأوروبي الاتحاد أيضًا بحظر أي نشاط اقتصادي أو مالي على صلة بالحرس.
جاء القرار للرد على ما اعتبرته أوروبا انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية فى إيران تجاه أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، قائلة إن رد فعل النظام الإيرانى فظيع ومروع، فهم ينتهكون ويسلبون حرية الإنسان، بينما لم تستبعد فرنسا من جانبها الفكرة نفسها، وذلك عقب مزيد من وقائع الإعدام لمحتجين فى إيران والتنسيق العسكري بين طهران وموسكو الذي شهد نقل طائرات مسيرة إلى روسيا فى حربها على أوكرانيا.
وزيرة الخارجية الفرنسية بدورها ترى أن باريس تعمل مع شركائها الأوروبيين على فرض عقوبات جديدة من دون استثناء أي منها، وذلك بعد يوم من إعلان أنالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية تأييد بلادها لذلك القرار وتأكيدها على أن التحرك بشأن إدراج المنظمة على قائمة الإرهاب سيكون مهمًا ومنطقيًا على الصعيد السياسى.
تحذيرات إيرانية
فى المقابل دفع القرار والتأييد المصاحب له من الغرب وزير الخارجية الإيرانى حسين أمير عبد اللهيان إلى تحذير جوزيب بوريل مسئول السياسة لخارجية في الاتحاد الأوروبى من الخطوة، معتبرًا إياها بمنزلة فتح إطلاق النيران على قدم أوروبا بشكل عام، زاعمًا بأن الحرس الثوري منظمة رسمية وسيادية تلعب دورًا محوريًا فى ضمان أمن إيران، لافتا إلى ضرورة احترام الجميع الأمن فى عالم الدبلوماسية وتعزيز الثقة المتبادلة بدلًا من التهديدات غير المرغوب فيها.
وقبل الانتقال إلى الحديث عن تداعيات إدراج الاتحاد الأوروبى للحرس الثورى الإيرانى على قائمة المنظمات الراعية للإرهاب لا بد من التذكير بأن العلاقات بين الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبى وطهران تدهورت فى الأشهر القليلة الماضية مع تعثر الجهود لإحياء الاتفاق النووى، كما واجه الاتحاد الأوروبى انتقادات متزايدة لحملة قمع المتظاهرين فى طهران، التى تضمنت إعدام بعضهم، كما اعتقلت طهران عددًا من المواطنين الأوروبيين.
وبدوره شدد الدكتور سامح راشد، خبير الشئون الإقليمية والدولية، ومدير تحرير مجلة السياسة الدولية الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية على ضرورة فهم مدى تأثر إيران بالعقوبات الأوروبية، والتذكير بأن طهران ظلت لعقود تحت طائلة عقوبات غربية.
وأوضح أنه بعد الاتفاق النووي عام 2015 بدأ الغرب رفع العقوبات وسرعان ما فرضتها إدارة ترامب مرة أخرى، لافتا إلى أن المقصود من ذلك أن العقوبات ليست جديدة وإيران معتادة على ذلك وينطبق نفس الأمر على العقوبات الأخيرة التي فرضها الاتحاد الأوروبي بعد مقتل مهسا أمينى فى سبتمبر الماضى.
وتابع خبير الشئون الإقليمية والدولية قائلًا: «الجديد هنا هو انتقال العقوبات المحتمل فرضها فى اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين إلى مستوى آخر، وهو توجيه العقوبات ليس إلى مسئولين مدنيين وإنما إلى أجنحة عسكرية مثل الحرس الثورى، وهى خطوة لو تمت ستعد بمنزلة نقلة نوعية فى السياسة الأوروبية تجاه إيران، لما يمثله الحرس الثورى من دور جوهرى وإمبراطورية متشعبة يتداخل فيها البعد الاقتصادى مع العسكرى مع المصالح والمكاسب الشخصية لكبار المسئولين فى النظام الإيرانى.
وأضاف: حال إقرار هذه الحزمة الجديدة من العقوبات ستواجه طهران بالفعل قيود شديدة وضغوطات عنيفة على حركة الأموال وشبكة التدفقات المالية والعسكرية التى يديرها الحرس الثورى، ورغم توصية البرلمان الأوروبى بفرض هذه العقوبات الجديدة إلا أن إقرارها الرسمى يتطلب موافقة المفوضية الأوروبية، وستواجه هذه الموافقة اعتراضات وتحفظات من جانب بعض الدول مثل فرنسا، خاصة فى ظل عدم إغلاق ملف المفاوضات النووية، وربما ترى أوروبا أنه ليس من المناسب التشدد مع طهران ورفع سقف التصعيد قبل حسم الملف النووى.
وبشأن أبرز العقوبات الأوروبية ضد إيران منذ بدء الاحتجاجات الشعبية بعد مقتل مهسا أمينى وحملات الإعدام المتكررة، قال راشد إن العقوبات على إيران متنوعة وتشمل فرض قيود على حركة وسفر بعض المسئولين فى جهاز الشرطة الإيرانى، وكذلك عقوبات اقتصادية تتعلق بالتبادلات التجارية والاستثمارات الأوروبية فى إيران، ومثلها بالنسبة لبعض الأرصدة المالية الإيرانية فى المصارف الأوروبية.
حقوق الإنسان
وأضاف: بشكل عام ملف حقوق الإنسان فى إيران ممتلئ بالثغرات والانتهاكات، وبعد مرور خمسة أشهر على وفاة مهسا أمينى، يصعب توقع أن تنشب أزمة حقيقية فى العلاقات، خصوصًا مع غياب صلة مباشرة أو سبب قانونى يربط الحرس الثورى بمقتل الفتاة، لذا أتوقع أن تأتي العقوبات مخففة أو جزئية على مسئولين محددين وليس ضد الحرس الثوري كله ككيان أو مؤسسة.
ومن جانبه قال أسامة الهتيمي الكاتب الصحفي والخبير فى الشأن الإيرانى، إنه لا بد من الاتفاق أن الممارسات الإرهابية والانتهاكات الحقوقية التى يمارسها الحرس الثورى سواء داخل إيران أو فى المحيط الإقليمى لإيران أو حتى فى المحيط الأوروبي للهجمات التي استهدفت العديد من المعارضين الإيرانيين المقيمين فى أوروبا على مدى السنوات الماضية تعود للسنوات الأولى من عمر ثورة الخمينى ومع ذلك لم نجد تحركًا حاسمًا وحازمًا من قبل الطرف الأوروبي للحد من هذه الانتهاكات حتى فى أوروبا نفسها.
أضاف: أوروبا كانت ترتضى انتهاك سيادتها دون أن يكون لها موقف حاسم تجاه الحرس الثورى الإيرانى، لكن حدث تحول وأسفر عنه التحرك الأوروبي الأخير الذي جاء على خلفية أمرين مهمين، أولها المشاركة الإيرانية غير المباشرة مع القوات الروسية فى حربها على أوكرانيا عبر المسيرات الإيرانية التى كان لها دور كبير جدًا فى حسم العديد من المعارك داخل أوكرانيا وسببت خسائر شديدة للجانب الأوكرانى الذى يلقى دعًما أوروبيًا.
أما السبب الثاني فيتعلق بإعدام على رضا أكبرى، مساعد وزير الدفاع الإيراني الأسبق، والحاصل على الجنسية البريطانية منذ سنوات، والذي أعدم مؤخرًا بتهمة التجسس والعمالة إلى بريطانيا، وهو ما استفز الجانب البريطانى، الذى وجد دعمًا كبيرًا من العديد من الأطراف الأوروبية، فضلًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، موضحا أن أوروبا استشعرت أن مواقف إيران تمس بكرامتها بشكل مباشر ولابد من اتخاذ موقف.
وتابع: لكن بكل تأكيد لا يمكن القول إن الإجراءات العقابية الأوروبية جاءت على خلفية الانتهاكات الأخيرة بحق الشعب الإيرانى والتى راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 500 مواطن، لافتا إلى أن الغرب يعلم أن الانتهاكات تمارس تجاه كل التحركات التى شهدتها إيران طوال السنوات الفائتة كـ الحركة الخضراء 2009، وانتفاضة 2018 و2019 على خلفية ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية كالبيض والوقود والتى راح ضحيتها حوالى 1500 إيرانى فضلا عن إعدام العشرات وسجن الآلافـ، مما يعتنى أن تحرك أوروبا ليس للدفاع عن الإنسان الإيرانى، بقدر الحسابات والمصالح الأوروبية البحتة.
وأضاف: بكل تأكيد سيكون لهذا التصنيف الجديد تداعيات كثيرة، لكن من الناحية الأمنية لن تكون التداعيات خطيرة أو مصيرية لأن الحرس الثورى مصنف من قبل البعض منذ فترة طويلة باعتباره منظمة إرهابية، وبالتالى حال ضيقت عليه تحركاته خارج حدود المنطقة العربية والإسلامية لن يتأثر، بل على العكس سيكون هناك انعكاس على ملف الاتفاق النووي، خاصة أن إيران وضعت حزمة من الشروط حول الاتفاق من بينها رفع الحرس الثوري كمنظمة إرهابية من القوائم الأمريكية وأوروبا كانت طرفًا وسيطًا في هذا الأمر.
تصنيف إرهابي
وتابع: والآن أصبح الطرف الأوروبى نفسه يصنف الحرس الثورى جماعة إرهابية مما سيعقد الأمر وسيعطل إلى حد كبير مسار مفاوضات الاتفاق النووى، ولا شك أيضًا أنه سيكون له تداعيات على العلاقات الأوروبية الإيرانية التى كانت تتسم بقدر كبير من العقلانية أكثر من العلاقات الإيرانية الأمريكية، مردفا: ربما يتحول الوسيط الأوروبى إلى طرف منحاز إلى المناوئين للنظام الإيرانى بعد تصنيف العمود الفقرى للنظام الحاكم «منظمة إرهابية».
وأشار الخبير فى الشأن الإيرانى إلى أن تصنيف الحرس الثورى منظمة إرهابية سيمنح المتظاهرين زخمًا شديدًا لاستمرار التظاهرات ضد النظام الحاكم واجنحته ومؤسساته التى تمارس إرهابا بحق الشعب الإيرانى، ولهذا يعتبر القرار دعم سياسى ونفسى لهذا الاحتجاج، وبالتبعية سيكون له أثر على الاقتصاد الإيرانى.
واختتم الكاتب الصحفى مؤكدا أن ما يتداول عن خفض سعر العملة الإيرانية بشكل كبير بعد إعلان القرار الأوروبى تجاه الحرس الثوري واحد من هذه التداعيات، لافتا إلى أن التضييق أكثر وأكثر على الاقتصاد خاصة يمهد للإعلان عن فرض عقوبات جديدة على العديد من الشخصيات، وكذلك المؤسسات التي يمكن أن تكون تابعه للحرس صاحب السيطرة المعقدة على جزء كبير من الاقتصاد الإيرانى.
نقلًا عن العدد الورقي…،