ما بعد الإخوان..
لم تشكل جماعة الإخوان إلا حلقةً من حلقات المخطط الغربى الكبير لتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات طائفية متناحرة، ولا يعنى سقوطها السياسي المدوى في مصر نهايةً لهذا المخطط ووأدًا له، فتغيير التكتيك في إطار الخطة الكبرى لهذا المشروع بات ملحًا عند مراكز الدراسات الإستراتيجية الغربية بعد أن نجحت في الجولة الأولى - على أقل تقدير - في تقسيم أيدلوچى مبدئى لتلك المجتمعات المستهدفة وعلى رأسها مصر.
فعلى منوال الفتنة الكبرى التي قسمت المسلمين بين أغلبية سنية وأقلية شيعية أشعلوا نظيرًا لها أكثر خطورة وأوسع انتشارًا، قُسم المجتمع فيها بين أطراف كثيرة متعددة من إخوان وعلمانيين وليبراليين ويساريين وسلفيين وجهاديين وأقباط وفلول وغيرهم، ومثلما بدأت الفتنة الكبرى كخلاف سياسي على الحكم بين أنصار معاوية وأتباع علي، اشتعلت فتنتنا كذلك على موقف سياسي مشابه قام على أفضلية التصويت الانتخابى بين مرسي وشفيق، تطورت بعدها المواقف عقائديًا على أرض الواقع، حتى صارت على ما هى عليه من الخطورة والتحدى الأيدلوچى الذي قسم المجتمع إلى أغلبية وطنية وأقلية متأسلمة، عنوانه المواجهة وهدفه المغالبة.
وبعد انقشاع توابع السقوط الإخوانى ومحاكمة القتلة والإرهابيين لن تستقر الأمور كما نظن، بل سيحتاج مجتمعنا وقتًا ليس بالقصير للإصلاح في ظل سياسات أمينة تهتم بالتعليم وتنوير النشء، وخطاب وعظ وإرشاد سليم في المساجد يداوى ما حل بالعقل المصرى من دمار منهجى.
وما أحوجنا كذلك لمراكز بحثية متخصصة على مستوى الأمن القومى الچيوإستراتيچى، تضع الخطط المستقبلية لمواجهة تلك الخطة الغربية الكبرى التي وضعت منذ عهد محمد على لتفتيت الإمبراطورية المصرية الناشئة منذ أوائل القرن التاسع عشر، وجرى توسيعها مؤخرًا لتشمل كل المنطقة العربية برمتها، ويجرى تنفيذ فصولها الأخيرة لتفتيت مصر ذاتها.
ومن المهم أيضًا أن ننتقل من مركز الدفاع إلى وضعية الهجوم، بناء على ما نمتلكه من أوراق تناسب حجم مصر وتأثيرها الإقليمى والدولى يمكن أن نساوم بها ونهدد مستعمرًا لا يرتدع إلا بما نملكه ضده، وهى بالقطع أوراق كثيرة لا يدركها ولا يتصورها أحد.