رئيس التحرير
عصام كامل

تعامل الفاروق مع القضاء والإفتاء


كان الفاروق عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- حريصا في فترة خلافته، على أن يكون عدد القضاة مناسبا لعدد السكان في ذلك الوقت.. حتى لا يحدث تأجيل في الفصل بين القضايا، وهو ما نسميه بالعدالة المتأخرة.. بالإضافة إلى حرصه التام على استقلال القضاء استقلالا تاما، ولا ينحاز القاضى لأى شخص مهما كان شرفه ومنزلته..


ومما يروى في كتب التراث، أن أبى بن كعب- رضى الله عنه- قدّم إلى قاضى المدينة زيد بن ثابت- رضى الله عنه- دعوى ضد عمر خليفة المسلمين، ولما دخل الاثنان على ابن ثابت قام زيد من مجلسه ووقر عمر.. فقال له الفاروق هذه أول مظالمك..

ومن عدل عمر ورؤيته الثاقبة، أنه سمح لأهل الأديان الأخرى بأن يفصلوا في قضاياهم بأنفسهم فيما بينهم، ولم تكن تعرض قضاياهم أمام قضاة مسلمين إلا نادرا.

ولم يهتم عمر ببناء المحاكم، بل اهتم بأن تكون المساجد كلها مقار للفصل بين الدعاوى والحكم فيها.. وهذا مما يحسب للفاروق الذي حرص على أن تكون المحاكم علنية، وأن يشهد المسلمون بأنفسهم على الأحكام التي يصدرها القضاة في شتى المنازعات؛ لأن الأصل في العدل أن يكون علنيا.

ومن الأشياء التي حرص عليها بن الخطاب أيضا، ألا يواجه القاضى أي نوع من التعقيدات، وكذلك المتقاضى.. وكان عمر يشدد على القضاة بأن يعاملوا أي المتقاضى الفقير برفق، وبوجه بشوش، لكى لا يشعر بالخوف حين يقدم مظلمته.

كانت الضوابط التي وضعها عمر للفتوى من الأمور السابقة في عصره، وفى العصور السابقة واللاحقة كذلك.. فرغم أن كثيرا من المسلمين في عهد الفاروق كانوا من الصحابة الذين نهلوا من منهل النبى- صلى الله عليه وسلم- إلا أنه أصدر قرارا مصيريا تأسيسيا بالمنع العام من الفتوى، وألا يسأل أحد من الصحابة فيجيب.. ولكنه في نفس الوقت اختار خاصة وصفوة المسلمين لمهمة الإفتاء؛ حتى لا يروج كل شخص- صالحا أو غير صالح- الفتاوى الخاطئة، كما في عصرنا الحالى.

ففى عهد عمر، كان ممنوع إطلاق الفتاوى على عواهنها من أي مسلم، حتى ولو كان صحابيا، لأن الذين أذن لهم عمر بالإفتاء كانوا قلة قليلة من الصحابة منهم "على بن أبى طالب، عثمان بن عفان، أبو هريرة، أبو الدرداء، أبى بن كعب، معاذ بن جبل، عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت... ولم يسمح لما عداهم من الناس بالإفتاء.. فلم يعظ واعظ، أو يفتى مفتٍ إلا بإذن من الخليفة عمر..

وللحديث بقية إن شاء الله..
الجريدة الرسمية