حرب الكيبورد.. الجيوش الكبرى تستعد لصراعات المستقبل بالوحدات العسكرية السيبرانية
يبدو أن العالم لن يكون مضطرا فى المستقبل إلى إقحام جنوده فى معارك قاسية، طالما سيكون بإمكانه تدمير ممتلكات دول ومقدراتها واقتصادها وبنيتها التحتية التكنولوجية التى أصبح لا غنى عنها فى كل المعاملات اليومية، بجانب سرقة المعلومات والاستخباراتية ما يضع الدولة المستهدفة خارج نطاق التاريخ.
ظهرت فى الآونة الأخيرة مؤشرات كثيرة تدل على إدراك حكومات الدول المتقدمة مدى خطورة الحروب النوعية التى يطلق عليها «الحروب السيبرانية»، إذ بدأت تلك البلدان فى تطوير بنيتها التحتية وتعزيزها بأحدث وسائل الأمان، بالإضافة إلى تكثيف عمليات البحث وتخصيص فرق عمل مخصصة لدراسة ومتابعة هذا الملف فى محاولة للبحث عن الريادة فى هذا المجال الذى يتوقع الخبراء أن يكون له أهمية كبرى فى المستقبل القريب.
عن الحروب السيبرانية
ويقصد بالحروب السيبرانية التغلغل فى شبكات الحواسيب فى دولة ما عبر شبكات الإنترنت والحواسيب التابعة لدولة أخرى أو منظمة ما لأغراض رئيسية هى التجسس والتخريب والتلاعب.
ومن أبرز الأمثلة التى تشير إلى ضرورة وأهمية تسليط الضوء على مجال الأمن السيبرانى ما حدث مؤخرا فى سماء الولايات المتحدة بعد أن شهدت فى الساعات الأولى من صباح الأربعاء حالة من الشلل التام، إذ اكتظت المطارات فى شتى الولايات بالمسافرين العالقين، وسادت حالة من الضبابية ظهرت على تصريحات المسئولين بشأن العطل، للدرجة التى جعلت صاحب أكبر منصب فى أمريكا جو بايدن يؤكد إنه لا يعرف ماذا يحدث.
كانت هيئة الطيران المدنى الأمريكى أمرت بتعليق جميع الرحلات الداخلية المغادرة للولايات المتحدة حتى الساعة 14,00 بتوقيت جرينتش لإصلاح عطل طرأ على أنظمتها، حسبما ذكرت فى بيان.
وأضافت هيئة الطيران المدنى الأمريكى أنها أمرت شركات الطيران بتعليق جميع الرحلات الداخلية المغادرة حتى الساعة 9,00 بتوقيت شرق الولايات المتحدة (14,00 بتوقيت جرينتش) للتأكيد من سلامة معلومات الطيران ومعايير الأمان.
من ناحيتها، تبارت وسائل الإعلام الأمريكية فى تحليل المشكلة، وأكدت أن الخلل الفنى تسبب فى تعطيل كل رحلات الطيران بأمريكا سواء (تأجيل أو إلغاء)، لافتة إلى أن العطل الفنى أصاب نظام إدارة الطيران الفيدرالية فى الولايات المتحدة، فى وقت أكدت إدارة الطيران إنها تعمل على إصلاح العطل فى النظام المعروف باسم (NOTAM)، والمسئول عن تحذير الطيارين من المخاطر المحتملة طوال مسار الرحلة.
وفى وقت لاحق، سمحت إدارة الطيران الفيدرالى الأمريكية بإقلاع الرحلات الجوية على مستوى البلاد، إلا أن مسئولا فى القيادة السيبرانية الأمريكية قال إنه لو ثبت أن العطل فى نظام الطيران «هجوم سيبراني»، فإنه سيعد عملا حربيا، والملفت أنه بعد عودة الرحلات الجوية الأمريكية، قالت وسائل الإعلام الأمريكية إن محققى الإدارة تتبعوا الخلل إلى ملف كمبيوتر فاسد.
تاريخيا، شهدت العديد من الدول خلال الـ10 سنوات الماضية «حوادث غامضة»، نُسب أغلبها إلى مجهول، ولكن الخبراء يربطون بين الحوادث وما يسمى بالهجمات السيبرانية، كان أبرزها تسميم محطات مياه فى إسرائيل والولايات المتحدة، وأرجعته وسائل إعلام إسرائيلية وإمريكية إلى هجوم إلكترونى استهدف تسميم مستودع مياه بولاية فلوريدا الأمريكية ومحاولة مماثلة حدثت فى إسرائيل.
وفى فبراير 2021 شهدت طهران واقعة مشابهة لما حدث لحركة الملاحة الجوية الأمريكية الأربعاء الماضى، إذ سادت حالة من الارتباك فى شوارع العاصمة الإيرانية طهران مع انطلاق صافرات الإنذار، وتوقفت آنذاك جميع الرحلات الجوية سواء الداخلية أو الخارجية فى العاصمة الإيرانية طهران، كذلك تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن انقطاع الكهرباء جنوب طهران بالقرب من مطار الخمينى.
وأكد مطار الخمينى بعدها بفترة وجيزة عودة حركة الملاحة الجوية فى طهران إلى طبيعتها بعد تحسن الأحوال الجوية، اللافت أن هذه كانت المرة الأولى التى تنطلق فيها صافرات الإنذار فى طهران منذ الحرب الإيرانية العراقية.
كذلك أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مايو الماضى أن روسيا تتعرض لـ»حرب شاملة فى المجال السيبراني» منذ بدء عمليتها العسكرية فى أوكرانيا فى 24 فبراير الماضى.
وأشار بوتين فى كلمة ألقاها فى مستهل اجتماع لمجلس الأمن الروسى إلى بحث مجموعة من المسائل المتعلقة بحماية المنظومات المعلوماتية وشركات الاتصال وضمان استمرارية عملها بشكل واثق والإجراءات الرامية للتصدى للمخاطر الخارجية فى هذا المجال».
أوضح بوتين أن عدد الهجمات على البنى التحتية المعلوماتية فى روسيا يرتفع باستمرار خلال السنوات الأخيرة، ولاسيما منذ بدء العملية العسكرية الخاصة فى دونباس وأوكرانيا، حيث ازدادت التحديات فى هذا المجال حدة وخطورة ونطاقًا وخاصة بعد أن تعرضت روسيا لعدوان حقيقى وحرب فى المجال السيبراني».
ويرى الخبراء أن الهجمات السيبرانية التى وقعت على المؤسسات اللوجيتسية خلال الآونة الأخيرة مثل محطات المياه ومحطات الكهرباء، والهيئات والمؤسسات المختلفة، قد تمثل خطرًا مباشرة على حياة البشر وأوضح الخبراء أن الحروب فى المستقبل قد تندلع وتنتهى دون تحرك الجيوش خارج أراضيها، على أن تعتمد الجيوش بشكل أساسى على الإلكترونيات.
إرهاب دولي
من جانبه، قال اللواء رضا يعقوب، خبير مكافحة الإرهاب الدولى، إن تطور العلم الحديث والإلكترونيات ومواقع التواصل الاجتماعى له تأثير كبير على الأفراد والشعوب، لافتا إلى أن التكنولوجيا الإجرامية تطورت وأصبحت تستطيع التدخل فى سياسات الدول والتأثير عليها وإفساد علاقتها بالدول الأخرى وسرقة البيانات الاستخباراتية وبيانات التسليح أيضًا وإفساد بعض المشروعات التكنولوجية.
وأضاف يعقوب أن هناك بعض الحلول التى تكمن فى تشفير المعلومات المهمة والبيانات الحساسة ووضع أكواد سرية لكل ما هو مهم، لكنه أيضًا شدد على أن الجانب العلمى للإجرام يتطور أيضًا، مستشهدا باتهامات أمريكا لروسيا بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية ومحاولة التأثير على الناخبين بالإضافة إلى وقائع اختراق البنتاجون.
من ناحيته، أكد الدكتور أسامة مصطفى خبير المعلومات والاتصالات أن الحروب السيبرانية يطلق عليها حروب الجيل الرابع والخامس، مضيفا أنها تعتمد على تعطيل الأنظمة الحساسة فى الدول.
وعلق أسامة مصطفى على واقعة تعطل الرحلات الجوية فى أمريكا مؤخرا قائلا إنه بالرغم من أن الولايات المتحدة قالت إن الخلل بسبب عطل لكن كل شيء وارد، مشددا على أن «أى شيء متصل بالإنترنت معرض للهجمات السيبرانية والاختراق».
نقلًا عن العدد الورقي..،