رئيس التحرير
عصام كامل

"رويترز" ترصد 4 أسباب أدت لسقوط الإخوان.. شهية الجماعة في الوصول إلى السلطة.. قرار خوض الانتخابات الرئاسية.. طريقة إقرار الدستور.. وتؤكد: الفوز في الانتخابات ليس كافيًا لحكم مصر


عندما نزل المصريون إلى الشوارع بالملايين للمطالبة بسقوط الرئيس حسني مبارك عام 2011 لم يخطر ببال أحد أنهم سيعاودون التظاهر بعد عامين للإطاحة بالرجل الذي اختاروه خلفًا له.


فقد قلب سقوط الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي انضوى تحت لوائها الوضع السياسي في الشرق الأوسط رأسًا على عقب للمرة الثانية بعد انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بعدد من حكام المنطقة.

وسلطت الأضواء على بعض الأسباب الرئيسية قبل شهر من تدخل الجيش لعزل مرسي عندما التقى اثنان من القيادات السياسية في عشاء خاص بمنزل السياسي الليبرالي أيمن نور بحي الزمالك الراقي في القاهرة؛ واعتبر البعض اللقاء محاولة أخيرة لتجنب الصدام.

جمع اللقاء بين عمرو موسى (76 عاما) وزير الخارجية الأسبق أحد رموز الاتجاه الليبرالي وخيرت الشاطر (63 عاما) نائب المرشد العام للإخوان وهو من أبرز مهندسي سياسة الإخوان ومموليهم.

واقترح موسى أن يذعن مرسي لمطالب المعارضة بما في ذلك تغيير الحكومة لتحاشي الصدام؛ وقال موسى إن الشاطر "سلم بما قلته عن سوء إدارة الشئون المصرية في ظل حكومتهم وأن هناك مشكلة؛ كان يتحدث بحرص وينصت باهتمام".

ورد الشاطر المحتجز بأمر من النيابة الآن ولا يمكنه عرض روايته للأحداث بأن مشاكل الحكومة ترجع إلى "عدم تعاون الدولة العميقة" متمثلة في المؤسسات ذات المصالح المتجذرة في الجيش وأجهزة الأمن والقضاء وأجهزة الدولة.

وقال موسى: "الرسالة التي خرجت بها بعد ساعة أنه سيتباحث معي وسيتفق مع بعض آرائي ويختلف مع الباقي لكنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بالتغيير".

وروى نور رواية مماثلة وقال إن الشاطر لم يتزحزح عن موقفه، لكنه أضاف أن هذه المحادثات كان من الممكن أن تصبح بداية لعملية مصالحة سياسية لو لم تصل إلى وسائل الإعلام.

وقال نور إن الشاطر "شخص عادي ومظهره لا ينصفه؛ فمظهره يعطي الانطباع بالغموض والقسوة لكنه مهذب ولطيف".

وانفض اللقاء على العشاء أمام حوض السباحة في شرفة شقة نور ذات الطابقين بالدور الثامن عندما علم به الصحفيون، وغادر موسى الاجتماع مقتنعا أن الإخوان يثقون بأنفسهم أكثر من اللازم وغير أكفاء في الحكم ومعلوماتهم ضعيفة عما يحدث في الشارع وصفوف الجيش.

ومع ذلك كان الكثير من المراقبين المصريين والأجانب يتوقعون أن تهيمن الحركة الإسلامية التي تتمتع بقدر كبير من التنظيم والتي قواها قمع السلطات لها على مر السنين على مصر والمنطقة لفترة طويلة بعد أن ظلت خاضعة لحكام خرجوا من عباءة الجيش وحظوا بدعمه على مدى 60 عاما.

وبدلا من ذلك صدر القرار بعزل مرسي ليصبح رهن الاحتجاز منذ الثالث من يوليو الجاري عقب احتجاجات ضخمة مناهضة لحكومته بعد عام واحد من توليه الرئاسة كأول رئيس منتخب في انتخابات حرة للبلاد.

والدرس المستفاد من سقوط مرسي له وجاهته، فالفوز في الانتخابات ليس كافيًا لحكم مصر؛ إذ يحتاج حكام مصر بعد مبارك إلى قبول المؤسسة الأمنية لهم والمواطنين بصفة عامة.

وقد يخرج الإسلاميون في مصر بدرس شديد المرارة مفاده أن "الدولة العميقة" لن تسمح لهم باستخدام السلطة الحقيقية حتى إذا حصلوا على تفويض ديمقراطي من الشعب.

ويسعى التقرير المبني على لقاءات مع عدد من قيادات الجماعة والساسة الليبراليين والنشطاء الشبان وضباط الجيش والدبلوماسيين لفحص أربع نقاط تحول أساسية على طريق الثورة في مصر أولها قرار الإخوان خوض الانتخابات الرئاسية وثانيها الطريقة التي اتبعها مرسي لإقرار الدستور والثالثة إخفاقات المعارضة الليبرالية والأخيرة قرار القوات المسلحة التدخل.

ولم يمكن الاتصال بمرسي وعدد من قيادات الإخوان الذين تم احتجازهم بقرارات من النيابة العامة منذ عزل الرئيس المنتخب.

وتبدو الاحتمالات ضعيفة أن تمر الفترة الانتقالية الثانية التي تشهدها مصر بسلاسة أكثر منها في الفترة الأولى في ضوء مقاومة الإخوان للتخلي عن السلطة، وهذه المرة يقول الجيش إنه لا يريد أن يتولى الحكم بنفسه مباشرة مثلما كان الحال في الفترة الأولى التي أعقبت سقوط مبارك.

لكن لا تساور الشكوك أحد أن الرجل الذي يتولى القيادة الآن هو الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع الذي عين أيضا نائبا أول لرئيس الوزراء.

في الفترة التي أعقبت الإطاحة بمبارك لم يكن لدى جماعة الإخوان أي نية لحكم البلاد، فقد طمأنت المصريين الليبراليين والجيش بإعلانها على الملأ أنها لا تسعى لشغل مقعد الرئاسة أو الفوز بأغلبية برلمانية.

وقال الباحث الأمريكي ناثان براون المتخصص في شئون مصر بمعهد كارنيجي للسلام الدولي: "قابلت الشاطر ثلاث مرات في عامي 2011 و2012 وفي كل مرة كان من الواضح أن الشهية السياسية كانت تتنامى لكن في المرة الأولى أكد بشدة أن الإخوان لن يسعوا للحصول على السلطة السياسية على الفور.

وأضاف: "كان في غاية الوضوح فيما يتعلق بالأسباب: فالعالم غير مهيأ لذلك ومصر غير مهيأة وكانت العبارة التي ظل يكررها أن أعباء مصر أكبر من أي طرف سياسي؛ واتضح أن هذه الآراء سديدة للغاية لكنه هجرها".

وبدأت الأحداث تكتسب وتيرتها الخاصة، وسيطر الإخوان على البرلمان بالتحالف مع أحزاب إسلامية صغيرة ومستقلين، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن هذا ليس كافيًا لإقرار التشريعات أو تطبيقها، فقد كان المجلس العسكري الحاكم آنذاك يحتفظ بمفاتيح السلطة.

ومع نمو مشاعر الإحباط بدأ بعض أعضاء الإخوان خاصة من الشباب يطالبون الجماعة بتغيير موقفها والسعي للفوز بالرئاسة وما ستجلبه من سلطات تنفيذية.

وقال جهاد الحداد (31 عاما) أحد القيادات الشبابية الإسلامية "كان مكتب الارشاد لجماعة الإخوان بالكامل يعارض الترشح للرئاسة." واستخدم جهاد و16 ناشطا غيره موقعي التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر لتغيير آرائهم.

وأضاف في مقابلة في منتصف الليل بموقع اعتصام مؤيدي مرسي عند مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر في القاهرة أن مجموعة النشطاء مارست ضغوطًا شديدة ووضعت قائمة بأعضاء مجلس شورى الجماعة وحددت المجموعة التي ستضغط عليها لتغيير رأيها.

وجادل المعارضون بأن السعي وراء السلطة التنفيذية سابق لأوانه وسيثير الشبهات والعداء تجاه جماعة الإخوان التي اتبعت منذ فترة طويلة إستراتيجية قوامها الصبر والتدرج، وبلغ السيل الزبى في اجتماع طويل مغلق لمجلس شورى الجماعة بمقرها المكون من أربعة أدوار في حي المقطم المطل من جبل المقطم على القاهرة.

وقال عصام حشيش (63 عاما) أستاذ الهندسة الجامعي وعضو مجلس الشورى "ظللنا نتناقش ثلاثة أيام وكل فريق يسوق مبرراته لرأيه سواء بالرفض أو القبول، وعندما تم التصويت كان القرار بفارق ثلاثة أو أربعة أصوات".

كان هذا التصويت من أصعب الاقتراعات في تاريخ الجماعة وتم على ثلاث جولات، فقد وافق 56 عضوًا من بين 108 أعضاء بالموافقة على تقديم مرشح للإخوان لخوض انتخابات الرئاسة واعترض 52 عضوا، وبعد ذلك كان التأييد للشاطر كمرشح الإخوان للرئاسة طاغيا.

وكان الإسلاميون بحثوا من قبل تقديم مرشح من خارج الجماعة وفاتحوا القاضيين أحمد مكي وحسام الغرياني في هذا الموضوع، وامتنع الرجلان، وقال مطلعون على بواطن الأمور إن شخصية الشاطر وطموحه عاملان رئيسيان، فالشاطر رجل الأعمال الذي تمتد إمبراطوريته في عالم الأثاث ومراكز التسوق هو السياسي المهيمن في الجماعة، ويصفه زملاؤه ودبلوماسيون أجانب بأنه مفاوض صلب وعملي اعتاد أن يحقق مآربه.

لكن ترشيحه لم يدم طويلا، فقد رفضت لجنة الانتخابات التي يرأسها قاض عين في منصبه في عهد مبارك ترشيح الشاطر على أساس أنه أدين بجريمة عام 2007، وهكذا وجد مرسي نفسه يرتدي عباءة مرشح الإخوان وهو الذي كان أستاذًا للهندسة بإحدى جامعات الأقاليم وتلقى قسطًا من التعليم في الولايات المتحدة لكنه كان يتمتع بقدرات سياسية وخطابية أقل من الشاطر.

وقال حشيش: "عندما أخذنا قرار ترشيح مرسي بعد خروج خيرت الشاطر عاد (مرسي) إلى بيته باكيًا؛ فقد تم تحميله مسئولية لم يسع إليها؛ وكان معروفا أنه أيا كان من سيتولى المسئولية آنذاك لن يجد الطريق مفروشًا بالورود، لكننا كنا نعلم أيضا أنه لم يكن هناك أحد يمكنه في تلك الفترة أن يتولى ذلك مثلنا".

وفاز مرسي بفارق ضئيل في انتخابات الرئاسة في الجولة الثانية من التصويت وبنسبة 51.73 % من أصوات الإسلاميين والمعارضين للمرشح الآخر أحمد شفيق قائد القوات الجوية السابق الذي كان آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.

ويدين مرسي بنسبة من الأصوات التي فاز بها لدعم المرشحين الليبراليين واليساريين الذين ألقوا بثقلهم وراءه في انتخابات الإعادة، فقد كان مؤيدوهم يكرهون شفيق، كما أنهم حصلوا على سلسلة من التأكيدات أن مرسي سيشكل حكومة تضم كل الأطياف ويشاركهم والمجتمع المدني في وضع دستور جديد.

وأطلق على الناخبين الذين حولوا ولاءهم من المرشحين الليبراليين في الجولة الأولى إلى مرسي في انتخابات الإعادة وصف "عاصري الليمون" في إشارة إلى ما درج عليه المصريون في وصف الطعام غير المحبب للنفس عندما يضطر المرء لتناوله بعصر الليمون عليه، وتحرك مرسي بسرعة لتغيير قيادات القوات المسلحة بعد تنصيبه في 30 يونيو من العام الماضي.

وفي غضون ستة أسابيع استدعى المشير حسين طنطاوي (76 عاما) الذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومات مبارك على مدى نحو 20 عاما ورأس المجلس العسكري عقب سقوط مبارك ليطلب منه التقاعد هو ورئيس أركان القوات المسلحة الفريق سامي عنان، وعين مرسي الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائدا عاما للقوات المسلحة.

وفي واحد من أكبر أخطائه اعتقد مرسي أنه بسط سلطته على رجال الجيش، وفي واقع الأمر كان كبار الضباط راغبين في إحالة الاثنين للتقاعد لفتح سلم الترقيات، وقال ضابط برتبة عقيد إن الإخوان "أساءوا قراءة ما حدث، فقد سمحنا نحن بحدوثه"، وأضاف أن القوات المسلحة كانت تنظر بارتياب شديد لرئيس الدولة الذي كانت تعتقد أنه يرى مصر ولاية في "خلافة إسلامية".

اعتقد مرسي أن القوات المسلحة لن تتحرك ضده لاسيما إذا حافظت جماعة الإخوان على المصالح الاقتصادية للجيش عند وضع الدستور الجديد، وقال دبلوماسي غربي رفيع "اعتقد أن السيسي رجله، لم يفهم ديناميات السلطة".

وعندما سعى مرسي والإخوان لوضع الدستور الجديد اصطدموا بالأحزاب الليبرالية ومنظمات المجتمع المدني التي أغضبها الطابع الإسلامي للدستور وغموض الصياغة فيما يتعلق بحرية التعبير وغياب الضمانات الصريحة لحقوق النساء والمسيحيين والمنظمات غير الحكومية.

وبعد أسابيع من النقاش أسهم الخوف من أن يحل القضاء الذي تولى كثير من رجاله مناصبهم في عهد مبارك الجمعية التأسيسية في دفع مرسي لإصدار إعلان دستوري يحصن الجمعية من الطعن عليها أمام القضاء ويحصن قراراته هو نفسه من القضاء، وكان مبعث الخطوة ارتياب عميق لدى الإخوان أن القضاء يسعى للقضاء على كل مكاسبهم الانتخابية؛ وعندما قرر مرسي طرح الدستور انسحبت المعارضة، وقال السياسي أيمن نور "الحقيقة أن الإعلان الدستوري (الذي حصن قرارات مرسي من القضاء) كان خطأ كبيرا"، وأضاف أنه كان من الممكن حتى ذلك الحين إعادة بناء الثقة بين مرسي والقوى السياسية "لكن لم يبذل جهدًا كافيًا من الجانبين لإعادة بناء هذه الثقة".

وكان الإعلان الدستوري نقطة تحول، لم يستشر فيه الوزراء وحذر كثير من مساعدي مرسي أنه سيضعه في مسار تصادم مع المجتمع المدني، واستقال خمسة من كبار مستشاري مرسي، لكن مرسي أبدى نفس التصميم والثقة بالنفس اللذين كانا سمة قراراته الرئيسية، وقال جهاد الحداد عضو الإخوان: "من الأمور التي نعرفها عن الرئيس عناده الشديد".

وأطلق الإعلان الدستوري الشرارة لتظاهرات عارمة استمرت أسابيع خارج قصر الاتحادية الرئاسي، حيث ظل القصر يتعرض لهجمات بزجاجات المولوتوف والحجارة.

ومن جراء مشاعر الإحباط لفشل الشرطة والحرس الجمهوري في حماية قصر الرئاسة دفعت جماعة الإخوان بمجموعة من المدربين على أعمال أمنية إلى القصر، حيث خاضوا معارك حامية مع المتظاهرين المعارضين لمرسي في السادس من ديسمبر، وانحسرت الاحتجاجات في نهاية الأمر لكن هذا المشهد الوحيد لقوة منظمة من الإخوان في الشوارع رغم عدم حمل أفرادها أسلحة نارية أثار انزعاج المعارضة الليبرالية والجيش.

وتفجرت موجة جديدة من الاحتجاجات في 25 يناير الذكرى السنوية الثانية للانتفاضة التي أطاحت بمبارك والتهبت المشاعر في مدن قناة السويس الرئيسية الثلاث؛ بسبب أحكام قضائية أعقبت سقوط قتلى في مباراة لكرة القدم، وخرجت الأمور عن سيطرة الحكومة وفرض مرسي حظر تجول في بورسعيد مركز الاضطرابات لكن أوامره لم تنفذ.

وقال مكي الذي أصبح وزيرا للعدل: "الناس كانوا يلعبون كرة القدم ليلا مع جنود الجيش الذين كان يفترض أن يفرضوا حظر التجول، وحين أقرر فرض حظر تجول وأرى أنه لا المواطنون ولا جيشي الذي يفترض أن يفرض حظر التجوال يستمعون لي يجب على أن أدرك أنني لست حقا رئيسا".

وفي 29 يناير أصدر الجيش أول تحذير إذ قال إن الاضطراب السياسي يدفع مصر إلى شفا الانهيار وإن القوات المسلحة ستبقى المؤسسة الراسخة المتماسكة التي ترتكز عليها الدولة، وفي الواقع كان هذا نذيرا بتدخل القوات المسلحة، وباستثناء أيمن نور قاطعت المعارضة الليبرالية أي اتصالات مع مرسي وحزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان بعد صدور الدستور.

لكن الاتحاد الأوربي وبدعم من الولايات المتحدة بدأ مساعي دبلوماسية لمحاولة التوفيق بين الجانبين في حكومة للوحدة الوطنية، وكان الهدف إجراء انتخابات برلمانية جديدة وإبرام اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي يفتح الباب أمام فيض من المساعدات والاستثمارات الخارجية.

وعلى مدى شهور ظل الدبلوماسي الأوربي برناردينو ليون يتنقل بين زعماء جبهة الإنقاذ المعارضة المكونة من ستة أحزاب ورئاسة الجمهورية والجناح السياسي للإخوان وظل في الوقت نفسه على اتصال بالجيش. وبحلول أبريل كان ليون قد صاغ مسودة اتفاق تقتضي من مرسي وخصومه تقديم تنازلات، ولم يعلن مرسي قط تأييده صراحة المبادرة الأوربية التي قدمت له في رسالة بالبريد الإلكتروني في 11 أبريل رغم أنه لم يرفضها أيضا، لكن تطورات الأحداث سرعان من جعلت إبرام الاتفاق مستحيلًا.

وأشار عصام الحداد مستشار مرسي للسياسة الخارجية الذي كان أحد مفاوضي الإخوان مع ليون إلى أن زعماء جبهة الإنقاذ منقسمون بما يتعذر معه التوصل لاتفاق، وسلم خالد داود المتحدث باسم الجبهة بأنها تضم بعض الشخصيات التي لديها شعور متضخم بالذات، لكنه أضاف أن القيادات تتوحد عند الضرورة، وعندما عادت كاثرين آشتون مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوربي إلى القاهرة مع ليون يومي 18 و19 يونيو كان الوضع قد تدهور.

وقال عضو في فريق العمل مع ليون: "وجدنا الرئيس مرسي بعيدا عن الواقع، كانت رسالة الزيارة إبلاغه أن الوقت ينفد أمامك يا سيادة الرئيس، الوقت ينفد أمام البلد".

كانت جماعة الإخوان قد ورثت عن الحكومة المؤقتة التي عينها المجلس العسكري اقتصادا متداعيا، وفي 17 شهرًا بين سقوط مبارك وتنصيب مرسي تراجعت احتياطيات النقد الاجنبي من 36 مليار دولار إلى 15.5 مليار أي أنها تكفي بالكاد لتغطية واردات ثلاثة أشهر.

كما أصبحت القاهرة تدين بمبلغ ثمانية مليارات دولار لشركات الطاقة الدولية مما دفع منتجي الغاز إلى تقليل الشحنات الموجهة لمصر وتجميد الاستثمارات وتراجع الإنتاج المحلي من الغاز.

وأفزعت صور الاحتجاجات العنيفة وعدم الاستقرار السياسي السياح والمستثمرين، وكان المجلس العسكري قد عرقل محاولة أولى عقب الثورة للاتفاق على قرض من صندوق النقد الدولي، حيث أراد أن يتجنب تراكم الديون على مصر أو تعريض السيادة الوطنية للخطر.

وقال بعض العالمين ببواطن الأمور في الحكومات المؤقتة الأولى إن القادة العسكريين كانوا يخشون أيضًا أن يتسببوا في احتجاجات عنيفة إذا قبلوا مطالب الصندوق بخفض الدعم الحكومي لأسعار المواد الغذائية والوقود.

وقال مسئول كبير سابق بوزارة المالية إن الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي قضى فعليًا على أي احتمالات باقية لإبرام اتفاق القرض مع صندوق النقد، وأضاف: "ما حدث في موضوع الدستور أظهر أن الشعب منقسم." وتراجع الصندوق بفعل شبح عدم الاستقرار.

وجفت منابع الدعم المالي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بسبب عدائهما لجماعة الإخوان وأصبح مرسي معتمدا على قطر التي قدمت قروضا ومنحا وودائع قيمتها نحو ثمانية مليارات دولار بينما حصلت مصر في عهد مرسي من تركيا وليبيا المتعاطفتين مع الإخوان على مبالغ أقل.

وظل عبء نظام الدعم غير الفعال لأسعار الخبز والوقود يتزايد على موازنة الدولة ليصبح مساويا تقريبا للعجز في الموازنة بالكامل، وشهدت البلاد أزمات نقص السولار والبنزين وامتدت طوابير السيارات أمام محطات البنزين بل حدثت مشاجرات بسبب التسابق على ملء خزانات السيارات، وازداد انقطاع التيار الكهربائي سوءًا في الفترة التي سبقت احتجاجات 30 يونيو الضخمة، ومع تراجع قيمة الجنيه المصري ارتفع التضخم إلى 9.75%.

‭‭‭ ‬‬‬وشعر الإخوان المسلمون بالضغوط المتزايدة فاتهموا مخربين موالين للنظام السابق باستغلال الوضع والتلاعب في إمدادات الوقود والكهرباء. وحمَّل كثير من المصريين الحكومة المسئولية عن الأزمات.

وقال باسم عودة (43 عاما) وزير التموين في حكومة مرسي في الشهور الستة الأخيرة وأحد النجوم الصاعدين في جماعة الإخوان: "أكبر شكل من أشكال التعويق كان فشل وزارة الداخلية في القيام بمهامها، تخيل دولة بلا أمن".

وفي مقابلة مع رويترز في موقع اعتصام مؤيدي مرسي اتهم عودة الوزارة بتوجيه عصابات إجرامية عرقلت توزيع الوقود في الأيام التي سبقت تظاهرات 30 يونيو، وغذت‭‭‭ ‬‬‬المشاكل الاقتصادية الدعم الشعبي لحركة تمرد الشبابية التي دعت المواطنين للتوقيع على استمارة تطالب برحيل مرسي وبإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. بدأت هذه الحركة في الأول من مايو على أيدي ثلاثة نشطاء في العشرينات لا يملكون سوى هواتفهم المحمولة وأجهزة لاب توب وانتشرت كالنار في الهشيم.

وحكى خالد داود المتحدث باسم جبهة الإنقاذ الوطني أنه حضر مؤتمرا صحفيا عقدته حركة تمرد يوم 12 مايو في مكتب شديد التواضع "لم تكن تستطيع حتى أن تتنفس فيه"، ثم أطلقت الحركة مفاجأتها المدوية في تلك الغرفة عندما أعلنت أنها جمعت في غضون أيام مليوني توقيع، وبحلول 30 يونيو أعلن قادة الحركة أنهم جمعوا 22 مليون توقيع تحمل عناوين أصحابها وأرقام بطاقات الهوية..‭‭‭‬‬‬ وما من سبيل للتأكد من مصدر مستقل من صحة هذه البيانات لكن كان من الواضح أن الحركة مست وترا حساسا لدى الشعب.

وقال محمود بدر (28 عاما) وهو صحفي شاب أسهم في تأسيس الحركة إن تمرد نجحت فيما فشل فيه الآخرون بفضل الحملات البسيطة واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

إلا أن مسئولي الإخوان مقتنعون أن تمرد حصلت على تمويل من دول خليجية ومن رجال أعمال مصريين كبار يعيشون في الخارج ومن الجيش. والواقع يبدو أكثر عفوية من ذلك رغم أن بعض الوجوه غير المألوفة التي يشتبه أن لها صلات بأجهزة الأمن بدأت تظهر في مكاتب تمرد في الأيام الأخيرة، وقال رجل الأعمال الملياردير نجيب ساويرس الذي غادر مصر عقب انتخاب مرسي إنه ألقى بثقله وراء هذه الحملة الشبابية.

وقال في مكالمة هاتفية من يخته قبالة ساحل جزيرة ميكونوس اليونانية "حزب المصريين الأحرار الذي أسسته استخدم كل فروعه في مختلف أنحاء مصر لجمع توقيعات لتمرد، وكذلك قناة التليفزيون التي أملكها وصحيفة المصري اليوم كانا يدعمان حركة تمرد إعلاميا... من الإنصاف القول إنني شجعت كل المؤسسات التابعة لي لدعم الحركة، لكن لم يكن هناك تمويل لأنه لم تكن هناك حاجة له".

وهناك خلاف حول التوقيت الذي قرر الجيش فيه عزل مرسي.. فقد قال ضباط كبار إن الفريق أول السيسي ظل يأمل حتى اليوم الأخير من إنذاره للرئيس كي يقبل اقتسام السلطة في أن يوافق مرسي على الدعوة لاستفتاء على استمراره في الحكم.. وكان هذا الاستفتاء سيسمح بغطاء دستوري لرحيله.

وقال ضابط في الجيش برتبة عقيد إن القوات المسلحة تدخلت لإنقاذ البلاد من حرب أهلية، وأضاف "هذا لا علاقة له برغبة الجيش في السلطة بل برغبة الناس في تدخل الجيش، فهم يثقون بنا لأننا نقف دائما مع الشعب المصري لا مع شخص أو نظام".

ويواجه الجيش الآن المشكلة نفسها التي فشل في حلها خلال حكم المجلس العسكري عامي 2011 و2012 وهي كيفية إدارة عجلة الإنتاج في مصر دون تحمل مسئولية الإصلاحات المؤلمة وما يتبعها من استياء شعبي.

ففي عهد المجلس العسكري شهدت البلاد ركودا اقتصاديا وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ولم تحدث إصلاحات تذكر.. وبدأ الارتياح على القادة العسكريين وهم يسلمون الكأس المسمومة للرئيس مرسي عقب انتخابه رغم أنهم لم يأتمنوا الإخوان على كل مفاتيح السلطة.

وقال الضابط إن الوضع مختلف هذه المرة، فالجيش لن يتولى الحكم بنفسه وستكون هناك فترة انتقالية قصيرة قبل تشكيل حكومة مدنية منتخبة، ومع ذلك ورغم تدفق 12 مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت فإن الأوضاع تبدو أسوأ مما كانت عليه في فترة حكم المجلس العسكري.

فجماعة الإخوان المسلمين مصرة على منع حكومة الكفاءات الجديدة من النجاح فيما فشلت فيه حكومتها، والجيش يتأرجح بين رغبته في ضم الإخوان إلى عملية المصالحة الوطنية وبين شن حملة على قادة الجماعة المتهمين بالتحريض على العنف وخيانة البلاد، وقد ألقت السلطات القبض على بعض قادة الجماعة، أما قادتها الذين مازالوا بعيدا عن أيدي السلطات فقد بدأوا مسيرة طويلة من المقاومة غير العنيفة.

لكن جماعات متشددة من الإسلاميين قد تلجأ للكفاح المسلح والاغتيالات، ومن المظاهر الأولى لذلك ما تشهده شبه جزيرة سيناء من أعمال عنف، وربما يعود آخرون إلى إستراتيجية الدعوة الإسلامية على مستوى القاعدة الشعبية بدلا من محاولة التغيير من القمة.

وقال الحداد إن نتيجة القمع لن تكون إلا تقوية الإخوان. وأضاف "هذه منظمة تأسست منذ 85 عاما في ظل نظم قمعية"، وتابع: "هذه مواجهة، فإما أن نرغم العسكر على العودة لثكناتهم ونلقنهم درسًا ألا يطلوا برأسهم من جديد على المشهد السياسي وإما أن نموت في هذه المحاولة".
الجريدة الرسمية