الزواج على الطريقة الحديثة.. هل يصلح قانون الأحوال الشخصية الجديد خطايا القديم ؟
أثار الحديث عن مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، يجرى إعداده؛ تمهيدًا لإعلانه قريبًا ثم تفعيله حالة من الجدل؛ بسبب بعض المواد والبنود التى تبدو غريبة، وربما كان أبرزها: دفع رسوم لصندوق سوف يتم إنشاؤه لهذا الغرض. كما أثيرت بعض الإشكاليات الأخرى المهمة مثل: الكشف الطبى والنفسى الذى سوف يخضع له المقبلون على الزواج قبل أن تقرر لجنة معنية الموافقة من عدمها، بالإضافة إلى ترتيب وأولوية الحضانة للأب الذى كان ترتيبه متأخرًا جدًا وغير عادل فى القانون القديم، وكان يترتب عليها مشاكل وأزمات يتحمل تبعاتها فى المقام الأول الأطفال الصغار.
وبعيدًا عن الجوانب التى يراها البعض غريبة أو مريبة، فإن للقانون الجديد أهدافًا يجب ألا تخفى على أحد، وأهمها: مواجهة ظاهرة الطلاق التى تحتل مصر مركزًا متقدمًا فيها، إن لم يكن الصدارة، ويكفى أن تعلم أن حصيلة غير رسمية تقدر أعداد أبناء الطلاق بنحو 10 ملايين طفل، وهو رقم مخيف جدًا.. وتفاصيل أخرى كثيرة يناقشها هذا الملف.
ركَّز الدكتور أحمد فخرى أستاذ علم النفس الاجتماعى وتعديل السلوك بكلية الدراسات والبحوث التربوية بجامعة عين شمس، على أهمية الجانب السيكولوجى ومواصفات من يقوم برعاية الطفل، فلا بد أن يقع الاختيار على من يصلح لتربية الطفل، فهناك أمهات لا تصلح للتربية وأباء لا يصلحون للتربية، مشيرا إلى أنه يجب أن تكون القوانين التى تحكم الأسرة مرنة، بحيث يتم تكوين هيئة استشارية لاختيار من يصلح لتربية الطفل وأسلوب التعامل مع الطفل، ويكون مؤهلا نفسيا وليس الأغنى ماديا.
وفيما يخص قانون الرؤية، طالب «فخري» بعدم ربط رؤية الأب لأبنائه بالأموال، وإلغاء مادة ربط عدم دفع النفقة بإسقاط الحق فى الرؤية والاستضافة، لأن الرؤية حق للطفل أكثر من كونها حقا للأب، ولابد أن يلزم القانون الأبوين بالجلوس سويا مع الطفل يوم الرؤية بحيث ينشأ الطفل على عدم الكراهية، ويعلم أن اختلاف الأبوين ليس عداء، وإنما اختلاف وجهات النظر، مشيرا إلى أن العلاقة السلبية بين الآباء لها انعكاسات سلبية على الأطفال، ويمكن أن ينتج عنها طفل عدوانى كاره للمجتمع وناقم عليه.
وأكد أستاذ علم النفس الاجتماعى أن الاستضافة غاية فى الأهمية ويجب تدعيمها، خاصة أنها تزيد ترابط الأبناء بالأبوين، مشددا على أنه يشكل أو بآخر لابد أن تكون إقامة الطفل بشكل متساوٍ بين الأبوين، وإن كان هناك بعض التفضيل القليل للأم لكونها أقرب للطفل وأقل انشغالا من الأب، موضحا أن ابتعاد الابن عن الأب يسبب له اضطرابات نفسية، خاصة أن الأب موجود، فرعاية الأم للطفل مهمة، ولكن اهتمام الأم لا يغنى عن اهتمام الأب.
وفيما يخص ترتيب الحضانة، أوضح «فخري» أن وجود الأب فى المرتبة الثانية ترتيب عادل، ويعيد الشيء لأصله، لأن جدة الأم تعنى الأم، وجدة الأب تعنى الأب، ومن الطبيعى والمهم من الناحية النفسية أن يكون الأب فى المرتبة الثانية.
القوانين المدنية ليست حلًا!
فيما يقول «أحمد الباسوسي» استشارى علم النفس، إن العلاقات بين البشر معقدة لا تسير فى خطوط مستقيمة، بل تمضى فى مسارات زجزاجية معقدة، لذا من الصعب التنبؤ بمسارات أو توجهات العلاقات الإنسانية، وتظل رابطة الزواج الأكثر تعقيدا على الإطلاق، ومن الصعب السيطرة عليها بالقوانين المدنية.
وتابع: للتقليل من شدة المشكلات الزواجية ينبغى إجراء استراتيجيات وقائية تتمثل فى الفحص النفسى المسبق والجاد للشريكين قبل الزواج مع الاستعانة بالتقييمات النفسية الموضوعية وإرشاد الشريكين إلى نقاط التوافق وعدم التوافق بينهما وتحميلهم مسئولية قرارهم النهائى، هذا الاستبصار المسبق للشريكين كل عن الآخر بالنسبة لجوانب الشخصية لكليهما ربما يزيد من مسألة التوافق بين الزوجين، مع التركيز على نقاط القوة الداعمة للتوافق الزوجى.
وأوضح: تأتى مراجعة قوانين الأسرة، خاصة فيما يتعلق بالاستضافة والرؤية لاحتواء عيوب القوانين السابقة، وتؤكد المراجعة القانونية على حق الطفل فى تقرير مصيره، سواء فى الاستضافة أو الرؤية، ووضع مصلحة الطفل فى الأولويات، كما أن الاستضافة 3 أيام شهريا حدث مهم للطفل وللأب من الناحية النفسية ولا يشترط موافقة الحاضن، كما أن وجود الأب فى المرتبة الثانية للحضانة فى صالح الطفل.
وأضاف: القانون فى المجمل تلافى عيوب ومشكلات القوانين والإجراءات السابقة، ويهدف إلى حماية الأطفال وتجنيبهم عناد واضطراب طرفى العلاقة من والدين غير ناضجين ومضطربين.
مرضى نفسيون
من جانبه قال الدكتور هاشم بحرى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، إن توقيع الكشف الطبى النفسى والعقلى على الشباب المقبلين على الزواج أمر مهم وضرورى، وجاء بعد النتائج السيئة التى تحدث بين الأزواج فى بعض الأوقات من عنف وحالات طلاق بدون إجراء الفحص الطبى.
وأضاف لـ«فيتو»: فى بعض الأحيان يمكن للمريض النفسى الرجل أو السيدة إخفاء الإصابة بالمرض قبل الزواج وطالما يحصلون على العلاج لا تظهر عليهم أى أعراض خاصة فى الأمراض العضوية الشديدة مثل الفصام أو الاكتئاب أو الاضطراب ثنائى القطب، وهذه الأدوية تؤثر على العلاقة الزوجية فيضطر الرجل للتوقف عن تناولها فتظهر الأعراض العقلية على الرجل وأيضا المرأة تضطر للتوقف عن الأدوية النفسية لكى تحمل وتنجب وتظهر بعد ذلك أعراض المرض النفسى، ويكتشف كل طرف مرض الطرف الثانى، والأهل يخفون ذلك ويحدث الطلاق.
كما شدد «بحري» على أهمية الفحص الأولى قبل الزواج وهو مطبق فى الكنائس، حيث يتم تنظيم مقابلات بين الزوجين وإجراء فحص نفسى يؤكد وجود توافق بين الزوجين متمنيا تعميم تطبيق ذلك على كل المجتمع.
وأوضح ضرورة أن يكون الفحص حقيقيا وليس ظاهريا ويجب إجراؤه بدقة وحرفية، بحيث يصون الأسرة والأطفال والغرض منه ليس تشويه أى طرف من الأزواج أو هدم حياة ولكن وجود مرض نفسى يمكن أن يسبب معاناة وتدمير حياة طرف على حساب طرف آخر، مشيرا إلى أنه لو تم إجراء الفحص النفسى وثبت وجود مرض لأى طرف، وصمم الطرف الآخر على الزواج، فالأمر يرجع لهم، وعليهم معرفة النتائج المستقبلية لذلك.
وعن إمكانية اكتشاف المرض النفسى، قال الدكتور هاشم بحرى إنه توجد اختبارات نفسية متخصصة ورسومات للإنسان يتم تحليلها تكشف عن التفكير والمشاعر والإدراك للإنسان، وأيضا توجد أسئلة وأجوبة تكشف الكذب إذا كان أى طرف يكذب فى إجاباته خلال الفحص النفسى.
أزمة الطلاق الشفوي
بطبيعة الحال.. لم يكن الأزهر الشريف بعيدا عن تلك المناقشات كونه أحد الأركان الأساسية فى هذا المجال، وصاحب مشروع قانون فى الأحوال الشخصية تم تقديمه فى وقت سابق إلى البرلمان، ولعل أزمة الطلاق الشفوى وواقعه أبرز الملفات التى سال فيها الحبر المثير حول رأى المشيخة من وقوعه وتوثيقه، مما جعل المشيخة تعيد التأكيد على ما صدر عن هيئة كبار علمائه بإجماع أعضائها على اختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم، فى بيانها الصادر عن اجتماعها الدورى يوم الأحد الموافق 5 من فبراير 2017م، أنه يجب على المطلق أن يبادر بتوثيق الطلاق فور وقوعه، حفاظًا على حقوق المطلقة وأبنائها، وأنه من حق ولى الأمر شرعًا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه؛ لأن فى ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعية، وأكد الأزهر على الرأى الشرعى الثابت من وقوع الطلاق الشفوى المكتمل الشروط والأركان، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى صلى الله عليه وسلم، حتى يوم الناس هذا.
من جانبه أكد الدكتور عثمان الفقى، عضو هيئة كبار العلماء فى الأزهر الشريف، أن المشيخة حرصت على إعادة نشر رأى الهيئة فى أزمة الطلاق الشفوى حيث أكدت على وقوعه فى حال اكتمال أركانه مع التأكيد على الزوج بضرورة توثيق هذا الطلاق، مؤضحًا أن كواليس موقف رأى هيئة كبار العلماء من هذا الملف تعود إلى عام 2016 عندما شكل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف «لجنة الشريعة « والتى كانت تضم عشرين عضوًا منهم المفتون الثلاثة السابقون، الدكتور نصر فريد واصل والسابق الدكتور على جمعة، والحالى الدكتور شوقى علام، وبعض أساتذة من الاقتصاد والقانون، حيث عكفت اللجنة على دراسته لمدة ستة أشهر، بعدها أصدرت اللجنة رأيها وأرسلته إلى هيئة كبار العلماء فى المشيخة والتى بدورها أصدرت بيانها فى هذا الملف بوقوع الطلاق الشفوى المكتمل الأركان مع ضرورة مسارعة الزوج إلى توثيق هذا الطلاق من أجل حفظ حقوق الزوجة.
وأضاف «الفقي» فى تصريحات خاصة لـ»فيتو» أن الأزمة ليست فى مقترحات القانون الجديد، وإنما الأمر يتعلق بالتنفيذ خاصة أن المجتمع المصرى يعانى من حالة انفصام شديد بين ما يعتقد به من تعاليم دينية وشرعية وبين ما ينفذه أو يصدر عنه على أرض الواقع، لافتا إلى أن الاقتراح الخاص بمساهمة الشباب فى صندوق الأسرة، فهى فكرة طيبة وجميلة، لكن هذا يكون عندما يكون الناس فى سعة، لكن فى الوقت الحالى غالبية الشباب يعتمدون فى زيجاتهم على مساعدة الأهل لأنهم لا يقدرون على مصاريف الزواج بمفردهم، فهو أمر يحتاج إلى إعادة نظر خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية التى يعيشها الناس فى الوقت الراهن مع أزمة مغالاة الناس فى المهور، وهو الأمر الذى لو تمسكنا به سيؤدى بنا فى النهاية إلى أن «الحرام سيصبح أسهل من الحلال»، مؤكدًا أن هناك تخوفا من تحايل بعض الشباب من آلية وضع الأموال فى الصندوق الجديد مثلما يحدث فى التحايل على رسوم مؤخر الصداق، حيث يقوم الأهالى بوضع أقل قدر فى المؤخر من أجل تخفيض الرسوم التى يحصل عليها المأذون.
إسقاط الحضانة
قال الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية إن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديدة متوازن ومصلحة الطفل ويساعد الطفل على النمو مع الأبوين وغير محروم من رؤية أحدهما، والإقامة معه من خلال الاستضافة، ولكن لا يصح إسقاط الحضانة عن الأم بعد زواجها، فلماذا نعاقبها ما دامت تهتم بأطفالها وواجباتها تجاههم؟ فلا يجب أن تسقط الحضانة عن الأم إذا تزوجت، إلا فى حالة إثبات الضرر على الأطفال وبأدلة.
وتعقيبا على منع الأب غير المتزم بدفع النفقة من رؤية أبنائه، أيد «صادق» تلك المادة، قائلا: الطلاق لا يعفى الأب من واجبه والتزاماته المادية تجاه أطفاله، وفى حالة عدم التزامه بدفع مصاريف أولاده فلابد من معاقبته بالسجن ومضاعفة مبلغ المتأخرات، ليتحمل الرجال مسئولية الأطفال بعد الطلاق، لافتا إلى أهمية التزام الأب بواجباته تجاه أولاده من مصاريف تعليم وعلاج ومسكن وملبس.
ودعم «صادق» السماح باستضافة الأطفال، قائلا: أمر متعارف عليه ومهم جدا، يقرب الأطفال من آبائهم، موضحا الاستضافة موجودة فى دول الغرب، وحتى فى دول عربية مثل تونس، مؤكدا على أن القانون جيد لتدعيم العلاقات الاجتماعية والإنسانية بعد الطلاق، ويدعو لعلاقات طيبة متحضرة بين الطرفين بعد الطلاق، وليس لاستخدام الأطفال فى حروب الطلاق والانتقام.
أزمة الاستضافة
أوضح ماهر الصبغ، أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية، أن تعديلات قانون الأحوال الشخصية فى صالح الطفل الذى يحتاج للأم أكثر قبل سن الـ15، وفيما يخص الاستضافة فمن المهم للطفل (الذكر تحديدا) أن يتواجد مع الأب هذه الأيام الثلاثة لكى يتشبه به فى السلوك والكلام.
وأشار إلى أن التهرب من دفع النفقة هى ظاهرة منتشرة ويجب علاجها بصورة قانونية حاسمة، دون الإخلال بحق الأبناء فى التواجد مع الأب، لذلك لا يصح ربط دفع النفقة برؤية الأب للأطفال، منوها إلى أنه يجب أن تستمر الحضانة مع الأم فى حال زواجها، خاصة إذا رأت المحكمة أن ظروف الحياة مع زوج الأم لن تؤثر سلبا على الأبناء.
نقلًا عن العدد الورقي…،