جبران خليل جبران، المسيحي الذي عشق النبي محمد وحارب الدولة العثمانية
جبران خليل جبران أحد أشهر الكتاب العرب في العالم الغربي، ورائد مدرسة المهجر، حيث تعرف عليه العالم من خلال كتابه الأشهر «النبي»، والذي ضم خلاصة آرائه حول الحب والزواج والحرية والرحمة والعقاب والدين والأخلاق والحياة والموت واللذة والجمال والكرم والشرائع وغيرها، كما كان صاحب دور في تجديد الأدب العربي، حيث أسس الرابطة القلمية مع كل من ميخائيل نعيمة، عبد المسيح حداد، ونسيب عريضة، إلى جانب ذلك كان صاحب أثر بليغ على من جاءوا بعده، وتغنى بأشعاره كبار الفنانين.
عرف عن جبران حبه للإسلام والمسلمين وكراهيته الشديدة للدولة العثمانية وهو يقول عن نفسه:
أنا مسيحي ولي فخر بذلك، ولكنني أهوى النبي العربي، وأكبر اسمه، وأحب مجد الإسلام وأخشى زواله، أنا أكره الدولة العثمانية، لأني أحب الإسلام، وعظمة الإسلام، ولي رجاء برجوع مجد الإسلام، أنا أجل القرآن، إن لم يتغلب الإسلام على الدولة العثمانية، فسوف تتغلب أمم الفرنج على الإسلام، وإن لم يقم فيكم من ينصر الإسلام على عدوه الداخلي، فلا ينقضي هذا الجيل إلا والشرق في قبضة ذوي العيون الزرقاء.
الهجران والفقر والوحدة
كثيرًا ما تناول الباحثون والمتخصصون أدب جبران خليل جبران وإنتاجه الفكري، وكثيرة هي الدراسات التي ألفت عنه وعن حياته وفنه الشعري وعبقرية رسومه، لكن لا يوجد من أفرد كتابًا بعينه يضم جميع ما كتبه جبران عن الإسلام والمسلمين في شتى العصور، وجبران هو كاتب اتسمت أفكاره بالشمولية والمساواة ووحدة الأديان والسلام بين البشر.
وامتلأت مسيرته بالهجران والفقر والوحدة العميقة فلا أصدقاء ولا أحباء ولا أبناء.. وبرغم ذلك تميز الراحل جبران خليل جبران بتعدد المواهب حيث ألف الشعر الغنائي وكتب النثر، وكان أيضا رسام من طراز رفيع،كما غنت له المطربة اللبنانية الشهيرة فيروز العديد من القصائد والأغاني مثل "اعطني الناي وغني"، و"المحبة"، و"سفينتي بانتظارى".
ظروف عائلية سيئة
ولد جبران خليل جبران في مثل هذا اليوم السادس من يناير عام 1883 في قرية قديمة بجبل لبنان الواقعة في وادي قاديشا شمال لبنان لعائلة مسيحية مارونية، كان والده سعد يوسف جبران يعمل في البداية كبائع في صيدلية، لكن خلال فترة طويلة كانت الديون والخطايا تتراكم عليه بسبب لعبه القمار حتى خسر عمله في النهاية.
الهجرة الى امريكا
أما بالنسبة إلى أمه كاميلا جبران كانت قد تزوجت مرتين قبل أن تتزوج من والد جبران ليكون زوجها الثالث، كان له أخ وأختين، لم يذهب الى المدرسة لفقر عائلته لكنه كان يتعلم العربية والكتاب المقدس في الكنيسة، وفي عام 1891 تم إلقاء القبض على والد جبران وسجنه بتهمة الفساد المالي وتمت مصادرة جميع ممتلكاته، أما عائلته التي بقيت مشردة عاشت فترة من الوقت في منزل أحد اقاربهم، قبل قرار كاميلا بأن تلحق بأخيها مهاجرة إلى الولايات المتحدة عام 1895 فى ولاية بوسطن، وهناك عملت أمه في حرف مختلفة والتحق بالمدرسة في صف خاص بالمهاجرين حيث تعلم الإنجليزية.
أعمال جبران الفنية
بدا جبران في رسم البورتريه، لكن ارجعته أمه الى لبنان حتى لا ينساق وراء الحضارة الغربية وفى بيروت التحق بمدرسة مارونية ومعهد للعلوم العالية ثم عاد الى الولايات المتحدة عام 1902 بعد وفاة والدته وشقيقه بمرض السل، ليبدأ عمله الفني بمساعدة اخته التي تعمل خياطة .
وعام 1905 نشر جبران أول أعماله "نفثة في فن الموسيقى"، ثم كان عمله الثانى وهو قصص قصيرة " عرائس المروج "تبعها: قصيدة المواكب عام 1919، العواصف 1920، البدائع والطرائف 1923، كتاب النبي الذي نال عنه شهرة عالمية كبيرة، رمل وزبد 1926، مملكة الخيال 1927، آلهة الأرض 1931.وغيرها.
وفي تلك الفترة أثناء تواجده في باريس قام برسم سلسلة من الصور الشخصية "بورتريه" لعدد من الممثلين العظماء أمثال أغسطس رودين، كما التقى مجموعة من المشاهير، وانتقل جبران إلى نيويورك عام 1911 حيث عاش هناك ما تبقى من حياته القصيرة، بعدها بدأ بالعمل على كتابه الجديد " الأجنحة المتكسرة" والذي يتناول تحرر المرأة، عن قصة حياته.
وفي عام 1911 أسس جبران الرابطة القلمية وهي جمعية تعنى بتشجيع الكتاب والآداب العربية، وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى وجه طلبه إلى المسلمين والمسيحيين اللبنانيين بأن يوحدوا جهودهم في محاربة العثمانيين، وكان حزينًا كونه لن يتمكن من المشاركة في هذا النضال، وبعد أن أصبح الجوع يتسبب بوفاة أكثر من 100 ألف إنسان في بيروت وجبل لبنان بدأ جبران بجمع المال لتأمين المساعدة للحشود الجائعة، في الوقت نفسه كانت شعبيته تزداد في نيويورك، في عام أصبح أول مهاجر ينضم إلى القسم الأدبي الخاص بمجلة الفنون السبعة.
وصية جبران الاخيرة
و في عام 1931 وهو في الثامنة والأربعين توفي بسبب التليف الكبدي المزمن والسل في نيويورك، وكانت آخر وصاياه ان يكتب على قبره في لبنان ( أنا حى مثلك وأنا أقف الى جانبك فاغمض عينيك والتفت ترانى أمامك )، كما أوصى أيضا بوضع بعض أبيات من شعره على جدران مقبرته تقول:كان لى بالأمس قلب فمضى..وراح الناس منه واستراح / ذاك عهد من حياتى قد مضى..بين تشبيب وشكوى ونواح / انما الحب كنجم في الفضا..نوره يمحى بأنوار الصباح / وسرور الحب أفلاما تزول..عندما يستيقظ العقل السليم، لكن أصدقاءه تحايلوا على وصيته بعد رحيله، ووضعوه في تابوت داخل كهف ضيق حتى يراه جمهوره محبيه.